2024-12-12 11:38 م
إدارة الموقع
2024-12-12 11:38 م
قالوا عن الرحيل

عام على الرحيل.. سيرة حاضرة وروح لا تغيب

اسم أشبه بعنوان كتاب حوى كل ما قد ترغب بمعرفته عن الدنيا والدين فكان خيراً للناس قبل نفسه وعونًا للغريب والقريب، رفض الألقاب وأصر على أن ينادى بلفظ “أستاذ” وهي أول مهنة ارتضاها لنفسه بل واتخذها أسلوب حياة فكان معلمًا بداخل منزله وعمله ومحيطه، وفي سيره وجلوسه وحديثه.

الأستاذ محمد علي إسماعيل كما يُحِبُّ أن ينادى، شيخنا الجليل الذي ظل مقتنعًا بأنه لم يصل بعد، فأخذ يبحث عن مناهل العلم ويشرب منها بلا كلل أو ملل بل تعدا ذلك ليُكرس حياته لنشر العلم والفضيلة.

بدايات

ينبثق الأستاذ محمد علي من أسرة مهتمة بالعلم تقطن عزلة بني يوسف التابعة لمديرية المواسط في تعز؛ وهذا ما ساعده على الأخذ بالقلم وسط مجتمع يعجّ بالجهل، فبدأ تعليمه مبكراً في عمر الخامسة بما يسمى بالكتاتيب عند شيوخ العلم وذلك عام 1954م، ومن هنا كانت بداية رحلته في حب العلم والتعلق به، حيث تنقل بين اليمن والسعودية وصنعاء وزبيد ليكمل دراسته، وتخرج حاملاً شهادة الليسانس في الشريعة والقانون وكان من قلائل المتعلمين في ذلك الوقت.

عاصر الأستاذ عدة أنظمة ومرت عليه تغييرات كبيرة، كما عاشر مختلف الأشخاص أثناء رحلة تعليمه ثم عمله في الدعوة لله؛ لذا كان إنسان متسع الأفق قادر على النزول لمخاطبة عقل أصغر طفل وعلى العلو لمناقشة أعظم المفكرين.

أسلوب حياة

حظي الأستاذ محمد علي بنفس متسعة محبة للعلم وبتفكير إيجابي منتج، لذا عاش حياته في جهاد مستمر لنشر العلم والدين والوعي وتقلد العديد من المناصب التعليمية بدءًا من كونه معلمًا ثم مديرًا لمدرسة، وانتقل ليصبح موجهًا ثم مديرًا للتوجيه وهذا ليس بالغريب، حيث حرص الأستاذ على صناعة التغيير في مجتمعه عن طريق خطب الجمعة التي كان يلقيها بالإضافة للمواعظ وحلقات القرآن والرحلات التعليمية المنظمة وليالي السمر الرمضاني والجلسات الثقافية، بل تعدا ذلك ليصبح بين أهله ومجتمعه ومحبيه أشبه بالنور الذي يضيء ظلمة الليل، فلم يكن رجل دين فقط بل رجل حياة ومواقف يُعين الناس على أمور دنياهم كما أمور دينهم، وقد حرص على دعوة الناس لأداء وظائف الحياة باعتبارها مهمة سامية لاتقل أجراً عند الله عن العبادات، ولطالما ردد بأن طلب العلم عبادة، وتربية الأبناء عبادة، والطموح عبادة، والعمل عبادة.

كنف الأسرة

ترعرع الاستاذ محمد علي إسماعيل في كنف أسرة كبيرة في بيت جده، حيث فقد أبيه مبكراً وتولى جده وأمه رعايته هو وإخوته وحرصوا على دفعهم نحو العلم والمعرفة برغم قلة الموارد وصعوبة كسب لقمة العيش، وبالرغم من الأوضاع التي كانت تحيط بالأسرة إلا أنها استطاعت عيش حياة كريمة وذلك بفضل التماسك والتعاون بين أفرادها.

وأما عن أسرة الأستاذ محمد علي إسماعيل فهو يمتلك 10 من الأبناء والبنات وقد حرص على دفعهم جميعًا نحو السلك التعليمي ووفر لهم ما يعينهم على ذلك ليكون قدوة يحتذي به في قريته ومجتمعه وخاصة في دعوته لأهمية تعليم الفتيات، فبناء جيل واعي يستدعي وجود أمهات واعيات متعلمات، ولم يكن الأستاذ والداً لأبنائه فقط بل كأن أباً لكل من عرفه.

اتجاهات فكرية 

كل من عرفه أو عاش بجاوره يعلم يقينًا بأنه كان يملك عقلًا استثنائيًا ذو أفق واسع، وهذا ما يفسر خوضه للعديد من التجارب ودخوله مضامير الحياة من عدة جوانب، حيث كان عضوًا في نقابة المعلمين اليمنيين وعضوًا مؤسسًا في اتحاد الحقوقيين وفي المنظمة اليمنية لحقوق الإنسان، وإضافة لذلك كان أحد مؤسسي جمعية بني يوسف الخيرية والتي تعرف حالياً باسم “جمعية بناء الخيرية للتنمية الانسانية” وهي إحدى الجمعيات الرائدة حاليًا في مدينة تعز حيث تقوم بتقديم الخدمات لطلاب العلم من المتفوقين والمحتاجين وأولئك الذين تركوا ديارهم بحثاً عن العلم والمعرفة.

مواكبة العصر

من النادر جداً في مجتمعنا اليمني أن تجد استغلالًا سليمًا للتكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، بل جل ما نراه هو هواة تجمعهم أحاديث وقصص مطولة وبعض الثقافيات، وموخراً فقط بدأت بعض المؤسسات والمشاريع باستغلال هذه المواقع والتطبيقات لتحقيق أهدافها؛ وما غفل عنه الكثير كان محطة دراسة لمعلمنا الجليل محمد علي إسماعيل والذي كوَّن فكرة وخطط لها ثم أوجدها على الأرض الافتراضية في عام 2020 عبر إطلاق موقعه الإلكتروني ليكون منبراً عصرياً لنشر الدعوة والعلم والثقافة، وبهذا نجد أننا مهما أجزلنا في وصفه فلن نستطيع تكوين صورة عن هذه العقلية الفذة التي تفوقت على نفسها.

يبقى الأثر

غادرنا الأستاذ محمد علي إسماعيل إلى ربه في العام الماضي يوم الأربعاء الموافق 6/ديسمبر/2023 وترك خلفه إرثاً لا يمكن حصره من العلم والمقالات الدينية والحياتية والخطب، بالإضافة لموقعه الإلكتروني والذي يحتوي على مئات المواضيع التي اختيرت بعناية لينتفع بها كل من يبحث عن المعرفة.

تم دفن الأستاذ رحمه الله في مقبرة السعيد في اليوم التالي لتنتهي بذلك حياته على هذه الأرض ويبقى أثره حاضرًا في قلوب وعقول طلابه ومحبيه، فالبذرة الطيبة تنمو على إثرها ألف ثمرة.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى