الإشارات الكونية في سورة النحل
جاءت الاشارات القرآنية لتبيان عدد من الحقائق الكونية الغائبة عن الناس، وقد وردت بتعبيرات دقيقة، شاملة ، جامعة، مفصلة، ومجملة تستحث حدس الإنسان بالتوجه نحو هذه الإشارات، وتقوده إلى إعمال العقل، والفكر، حيث أن تلك الإشارات محيط تستقي منه المعرفة الإنسانية كل ما غاب عن علمها عبر الزمان، والمكان، وتبقى هذه الإشارات الرافد الحقيقي للمعرفة الإنسانية، وبصيص النور الذي يقود الإنسان إلى اكتشاف، ومعرفة، وإدراك ما غاب عن إدراكه، وقد وردت مفرقة بين سور القرآن الكريم حسب مقتضى السياق، والإخبار،والأحداث، فهناك آيات كونية عديدة تضمنتها عدة سور، ففي سورة النحل إشارات يمكن إيجازها فيما يلي:
من الإشارات الكونية في سورة النحل
- خلق الله السماوات، والأرض بالحق.
- خلق الإنسان من نطفة، ومع ذلك يقابل بالجحود، والنكران.
- خلق الأنعام، وجعل فيها للإنسان العديد من المنافع.
- خلق الخيل، والبغال، والحمير، وغير ذلك من وسائل الركوب.
- أنزل الماء من السماء لشرب الإنسان، وإنبات كل الشجر، والزروع المتنوعة (وفي ذلك لآيات للذين يتفكرون).
- تسخير الأرض لعمارتها، وذلك بتكويرها، وتدويرها حول محورها أمام الشمس حتى يتعاقب عليها الليل، والنهار، وكذلك تسخير الشمس، والقمر، والنجوم بأمر من الله تعالى لاستقامة الحياة في هذا الكون.
- نشر مختلف صور، وألوان الأحياء، والجمادات في كوكبنا الأرضي.
- تسخير البحر للإنسان بما فيه من أحياء ذات لحم طري، وهيأه لحمل الفلك ذات الأحجام المختلفة التي تجرى بمصالح العباد شاقة عباب مائه.
- إلقاء الجبال على الأرض، وجعلها رواسي لها كي لا تميل، ولا تضطرب، وارتباط تكوين الجبال لتنبع الأنهار من قممها، ودور حركة الأنهار من منابعها، إلى مصابها في تفتيت الصخور، وتكوين التربة، وتركيز العديد من المعادن، والصخور النافعة، والثروات الأرضية الأخرى، وفي تسوية سطح الأرض، وشق الفجاج.
- جعل تضاريس الأرض المختلفة علامات للاهتداء بها على اليابسة في وضح النهار، وجعل النجوم علامات للاهتداء بها في ظلمات البر، والبحر.
- وصف عقاب بعض الأمم السابقة وصفاً ينطبق بدقة كبيرة على ما تحدثه الزلازل في زماننا من قبل أن يدرك أحد من الخلق ميكانيكية حدوث تلك الهزات الأرضية، وأن هذه الكوارث جند من جنود الله يسلطها على من يشاء من عباده عقاباً للعاصين، وابتلاء للصالحين، وعبرة للناجين.
- الإشارة إلى دوران الأرض حول محورها أمام الشمس- بمد الظل، وقبضه- واعتباره صورة من صور السجود التسخيري لله تعالى في خضوع، وطاعة.
- تأكيد الإعجاز في خلق الأنعام، وفي تكوين اللَّبن في ضروعها من بين فرث، ودم، وخروجه لبناً خالصاً سائغاً للشاربين.
- جعل ثمار النخيل، والأعناب مصدراً للرزق الحسن، وإن أساء بعض الناس استخدامها في صناعة المسكرات.
- خلق حشرة النحل، ومنح إناثها القدرة على بناء بيوتها في الجبال، وفي الأشجار، وفيما يعرش لها الناس بهذه الدقة الهندسية البديعة، وأعطاها خصوصية جمع الرحيق، وحبوب اللقاح من مختلف الزهور، وصناعة ذلك الشراب المعروف باسم (عسل النحل) في بطونها، الذي جعل الله فيه شفاء للناس.
- خلق الأزواج من ذات النفس الواحدة، وخلق البنين، والحفدة من الأزواج في دورة حياة تنطبق على كل حي.
- أخرج المواليد من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئاً، وجعل لهم السمع، والأبصار، والأفئدة، وسائلَ للتعلم.
- الإشارة الى أن الله تعالى هو الذي يمسك الطيور مسخرات في جو السماء.
- الإشارة إلى لفظة (الحر) إلى الحر، والبرد؛ لأن كلاً من الحالين يمثل بذرة حرارة، إما إيجابا، وإما سلبا.
- تحريم أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وماهل لغير الله به {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [البقرة:173].
الدلالات العلمية للآية الكريمة
{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُون} [النحل:10].
أولاً– قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء)
الضمير يعود إلى لفظ الجلالة، تأكيدا على أن الله هو الذي ينزل ماء السماء دون غيره من المخلوقات.
وقد ثبت علمياً أن أرضنا هي أغنى كوكب في المجموعة الشمسية بالماء، يغلفها بغلاف محيط يعرف باسم الغلاف المائي للأرض، تقدر كميته بنحو (1.4) بليون كم٣ موزعة على النحو التالي:: (97,22%) في البحار، والمحيطات، ويتجمد أغلب الباقي، الذي يمثل(2,15%) على هيئة سُمك هائل من الجليد فوق قطبيّ الأرض، وعلى قمم الجبال، وما بقي بعد ذلك، ونسبته لا تكاد تتعدى (630%) من مجموع ماء الأرض، يتوزع بين الماء المخزن تحت سطح الأرض، ونسبته لا تكاد تتعدى (6130%) ،والمخزون في البحيرات الداخلية، ومجاري الأنهار، والجداول، والمتمثل في رطوبة التربة، والجو، ونسبته في حدود (720,0%)، ويغطي ماء الأرض حالياً نحو (71%) من مساحة سطحها، والمقدرة بنحو خمسمائة، وعشرة ملايين كم2، بينما تشغل اليابسة (29%) من تلك المساحة فقط.
كذلك ثبت علمياً أن كل ماء الأرض قد أخرجه الله تعالى أصلاً من داخل الأرض عبر ثورات البراكين، وقد أشار القرآن الكريم إليها بقوله تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا} [النازعات:31].
ثانياً– قوله تعالى {…لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ…}.
يتعذر وجود ماء نقي تام على سطح الأرض غير أن ماء المطر، والثلوج الساقطة معه يُعدّان من أنقى حالات الماء الطبيعي الذي ما إن يصل إلى سطح الأرض حتى يبدأ في إذابة العديد من أملاح صخورها القابلة للذوبان في الماء، ويجددان عذوبة ماء الأرض، ويطهرانه باستمرار من كل الملوثات، وتمتد عملية التطهير المائي في نحو كيلو متر تحت سطح الأرض إلى ارتفاع ٧كم.
ثالثاً– في قوله تعالى (وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُون)
من الثابت علمياً أن الماء سابق في وجوده على الأرض لخلق جميع أحيائها، وأن النبات سابق في وجوده لخلق الحيوان، وكليهما سابق في وجوده خلق الإنسان.
الدلالات العلمية للآية الكريمة
{وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُون} [النحل:13].
الألوان، والنور، والظلام:
- الأصل في الكون: هو الظلام.
- إن نور النهار القادم من أشعة الشمس، وأشعتها المنعكسة نوراً على سطح القمر، وأضواء النجوم المشعة نوراً في ظلمة الليل، كلها من نعم الله على أهل الأرض.
- الألوان، والأبصار: يتكون نور النهار الأبيض الناصع من عدد هائل من الأطياف التي تستطيع عين الإنسان تمييز سبعة منها.
الدلالات العلمية للآية الكريمة
قال تعالى {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [النحل:15].
أولاً– وصف عملية تكون الجبال بتعبير الإلقاء: توصف الجبال بأنها أشكالاً أرضية بارزة فوق سطح الأرض، تتسم بقممها العالية، وسفوحها المنحدرة، وبوجودها في مجموعات على هيئة أطواف، أو منظومات، أو سلاسل، أو أحزمة، أو مجموعات من تلك الأحزمة الجبلية التي تكون عادة متوازية، أو فرعية من التوازي مع بعضها البعض.
- الجبال البركانية تتكون بعمليات إلقاء الطفوح البركانية: ينقسم الغلاف الصخري للأرض بواسطة عدد من الخسوف الأرضية التي تتراوح أعماقها بين (٦٥ كم) و(١٥٠ كم)، إلى حوالي اثني عشر لوحاً كبيراً؛ بالإضافة إلى عدد أقل من الألواح الصخرية الصغيرة، وتتكون الجبال البركانية من البراكين التي تدفع بحممها من أسفل، إلى أعلى، وتظل تلك الحمم تتراكم فوق بعضها لتكوّن كتلاً جبلية معزولة عن الصخور البركانية، تصل ارتفاعها إلى آلاف الأمتار فوق مستوى سطح البحر، ومن أمثال الجبال البركانية جبل (أرارات) في تركيا، وارتفاعه ٥١٠٠م.
- الجبال المطوية: تتكون بعمليات إلقاء الصخور المتلونة فوق قيعان المحيطات، وفوق حواف القارات، وتمثل سلاسل الجبال المطوية ذروة التطور في تكَوّن المناطق الجبلية من أنواع مختلفة من الصخور الرسوبية، والنارية، والمتحركة كما تعتبرها أنماطا بنوية عديدة من الطي، والتطوع.
ثانياً– وصف الجبال بالرواسي: ينقسم الغلاف الصخري للأرض إلى نحو اثني عشر لوحاً كبيراً بالإضافة إلى عدد من الألواح الصغيرة؛ وذلك بواسطة شبكة من الصدوع الخسيفة (الخسوف الأرضية المكونة بواسطة عمليات تصدع الغلاف الصخري للأرض)، وهي خسوف تتراوح أعماقها بين (٦٥كم )و(١٥٠ كم)، وتطفوا ألواح الغلاف الصخري للأرض فوق نطاق من الصخور شبه المنصهرة، يعرف باسم (الضعف الأرضي)، لأن الجبال ترسو بأوتادها في نطاق الضعف الأرضي كما ترسوا السفينة في ماء البحر على مرساتها ،والرواسي من الجبال: الثوابت، الرواسخ يقلل من شدة ترسخ الأرض في دورتها حول محورها، ويجعل حركتها أكثر انتظاماً، وسلاسة كما تفعل قطع الرصاص التي توضع حول إطار السيارة للتّقليل من رجرجتها، وانتظام حركتها؛ وبذلك أصبحت الأرض مؤهلة للعمران بمختلف صور الحياة.
ثالثاً– ربط تكون الأنهار، والسبل بتكون الجبال، يعرف النهر بما يتدفق من مناطق مرتفعة باتجاه البحر، أو في اتجاه بُحيرة داخلية، أو حوض صحراوي، أو نهر أكبر، وتغذي الأنهار بماء المطر الذي يسقط فوق مرتفعات الأرض من مثل الجبال، ومن هنا كان ربط القرآن الكريم بين تكَوّن الجبال، وتدفّق الأنهار في الآية الكريمة.
■ وعندما تنصب الأنهار يصبح مجراها طريقاً يمر به الإنسان، والحيوان، ومن هنا كان الربط بين الأنهار، والطرقات.
من الآيات الكونية في سورة النحل
{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُون} [النحل:26].
وصف عقاب الله لبعض الأمم السابقة، وصفاً ينطبق بدقة كبيرة على ما تحدثه الزلازل في زماننا من قبل أن يدرك أحد من الخلق ميكانيكية حدوث تلك الهزات الأرضية، وتأكيد أن الله تعالى قد خسف الأرض بالذين مكروا السيئات بالماضي، وأنه قادر على أن يخسف بهم حاضراً، ومستقبلا.
من الدلالات العلمية للآية:
- أولاً– في قوله تبارك، وتعالى (قد مكر الذين من قبلهم ) لعل كل المخالفات الشرعية الجسيمة من الكفر، والشرك، وإنكار البعث، والجحود للخالق سبحانه، والاستكبار في الأرض، وإضلال الخلق، وإفساد فطرة الناس، قد جمعت في قوله تعالى: (قد مكر الذين من قبلهم…)، وجاء الرد على هذا المكر السيئ بعقاب الله المدمر لهؤلاء العصاة، المتجبرين في الدنيا، قال تعالى: (فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ)، هذا الخراب في الدنيا، وما في الأخرة، قال تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِين الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِين} [النحل:27-29].
- ثانياً– في قوله تعالى (فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ…)، ولا يوجد وصفاً لما تحدثه الزلازل من دمار أبلغ من هذا الوصف القرآني، فأرضنا تتعرض سنوياً لحوالي مليون هزة أرضية، منها هزات خفيفة، ومنها هزات متوسطة، ومنها هزات مدمرة؛ كما تتعرض الأرض لحوالي عشرين ثورة بركانيه في كل خمسين عاماً.
الدلالات العلمية للآية الكريمة
{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِين} [النحل:66].
أولاً– ماهي الأنعام؟
يطلق العرب لفظة الأنعام أساساً على الإبل، وتشمل (البقر، والغنم، والماعز).
-الأنعام: من الحيوانات الثدية (اللبونة)، والثديات: هي طائفة من الحيوانات اختصها الله بالقدرة على إفراز اللبن من بين فرث، ودم لإرضاع صغارها حتى تكبر؛ ولذلك ميزها الله – تعالى- بعدد من الغدد الخارجية القادرة على إفراز اللبن، تعرف باسم (الأثداء)، أو (الضروع)، ويستفيد من لبنها الإنسان.
ثانياً– تكّون اللبن من بين فرث، ودم في ضروع الأنعام:
يتكون اللبن أساساّ من البروتينات، والكربوهيدرات، والدهون، والعديد من العناصر، والفيتامينات، والماء، وكل ذلك يستمد من غذاء الحيوان، وشرابه، ومن دمه (من بين فرث، ودم)، والفرث: هو الأشياء المأكولة، والمنهضمة بعض الانهضام في الكرش (البطن)؛ فإذا خرجت من الكرش سُمّيت روثاً.
ثالثاً– الإشارة إلى الأنعام بالتذكير، والتأنيث:
الإشارة القرآنية بالتذكير في لفظة (بُطُونِه) في الآية الكريمة التي نحن بصددها، والإشارة إلى اللفظة نفسها بالتأنيث في سورة المؤمنون (مما في بطونها)، جاءت مشيرة إلى أن تسمية الأنعام تذكر، وتؤنث.
في هذه الآية (مما في بطونها) جاء مذكراً، ومفرداً للإشارة إلى أن اللبن يتكون بأمر من هرمونات الذكورة؛ وذلك لأن الأنثى لا تفرز اللبن إلا إذا تسببه نطفة الذكر في إخصاب البويضة، وتكوّن الجنين، ومن هنا جاءت الإشارة في الآية (مما في بطونه) بالإفراد، والتذكير، والتأنيث، في سورة المؤمنين (مما في بطونها) للإشارة إلى الأنعام بصفة عامة.
الإشارات الكونية للآية الكريمة
{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُون} [النحل:68].
الإشارة إلى خلق (أمة النحل)، وإلى إعطائها قدراً من الوعي، والإدراك، ومنحها القدرة الفطرية على تنظيم مجتمعاتها تنظيماً مبهراً، دقيقاً تتوزع فيه الاختصاصات، والمسئوليات، والمهام في عيش جماعي تكافلي رائع، ومن هنا كانت الإشارة إليها بالجمع في تسمية السورة سورة (النحل)، وإعطائها كذلك قدراً من الحرية الكبيرة في اختيار بيوتها من الجبال، ومن الشجر، ومما يعرشون، وقدراً من معرفة الأماكن، والاتجاهات، وقوة على الطيران بسرعة فائقة، حتى تغطى أكبر مساحة ممكنة من الأرض، تجني الرحيق، وحبوب اللقاح من أزهار نباتاتها، ومنحها القدرة على تحويل ذلك في بطونها إلى شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس.
من الدلالات العلمية للآية:
أولاً– في قوله تعالى: (وأوحى ربك إلى النحل…)
والمقصود بها (نحل العسل)، بدليل قوله تعالى (يخرج من بطونها شرابٌ مختلفٌ ألوانه…)، فقد ذكر الله قدرته البالغة في الإيحاء إلى الشغالات- من نحل العسل- أن تتخذ من الجبال بيوتاً، ومن الشجر، ومما يعرشون، ثم تأكل من كل الثمرات، وتسلك سبل الله المذللة لها، وأن تُخرِجَ من بطونها ذلك الشراب المختلف الألوان الذي فيه شفاء للناس.
– الوحي من الله إلى النحل: هو الإلهام الفطري
■ عدد أنواع النحل، (١٢٠٠٠) نوعا، منها (٦٠٠) نوعاً يحبون حياة جماعية في مستعمرات متباينة الأحجام، والباقي يحبون حياة فردية.
يتراوح عدد الأفراد في خلية نحل العسل سنوياً من (٤٠٠٠٠ – ٨٠٠٠٠) شغالة من إناث النحل العاقرات، ومائتين من ذكورها ،وملكة واحدة تبيض في اليوم، (١٥٠٠) بيضة، وما يلقح من هذا البيض ينتج إناثاً، وملكات، ومالا يلقح ينتج الذكور، ووظيفة ذكر النحل: إخصاب الملكة، والملكة: تمثل أكبر الأحجام في الخلية.
أصناف النحل
- النحل الكبير.
- النحل الصغير.
- النحل الهندي (الشرقي).
- النحل الغربي.
■ إن أقدم أثر النحل في صخور القشرة الأرضية، يرجع إلى أكثر من (مائة، وخمسين مليون سنة).
ثانياً– في قوله تعالى (وأوحى ربك إلى النحل…)
فذكر اسم الرب؛ لأنه رب كل شيء، ومالكه، والمتكفل برزقه، وقضاء حاجته.
،والضمير الكاف يعود على محمد – صلى الله عليه، وسلم-، ولكل قارئ للقرآن.
ثالثاً– (أن اتخذي من الجبال بيوتاً…)
الخطاب في هذه الآية إلى إناث النحل الشغالات اللائي يقمن بالبحث عن المكان المناسب لبناء بيوت النحل، ويقمن ببنائه، وصيانته، وتنظيفه.
من الدلالات العلمية للنص القرآني الكريم
أولا: (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ …): وذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [النحل:69]، أوضح الأمر أن المقصود بالثمرات هنا الزهور بما فيها من الخلايا التناسلية التي تنتجها النباتات المزهرة، والرحيق المصاحب لها.
الخلايا التناسلية الأنثوية (بيضات الزهور) ،والذكرية (حبوب اللقاح، أو غبار الطلح).
اقرأ أيضاً الإشارات الكونية في سورة القارعة
ثانيا في قوله تعالى ﴿ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾: أي فصنعي من رحيق الأزهار وطلوعها _حبوب اللقاح_ عسلا وغذاءا ملكيا وشمعا وخمائر (إنزيمات) وسوما بالسبل التي يسرها الخالق سبحانه وتعالى لك أي القنوات المختلفة في جهازك الهضمي المعقد الذي خصك الله به فتخرجانه عسلا وفضلات
من الدلالات العلمية للنص الكريم
(يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [النحل:69]
اولا في قوله تعالى (يخْرُجُ مِن بُطُونِهَا)
أصل البطن الجارحة أي الفراغ الحاوي على الأحشاء الرئيسة لجسم كل حيوان أو إنسان، وضمير الهاء في (بطونها) يعود على إناث النحل من الشغالات وهن اللاتي يصنعن الشراب المختلف الألوان الذي فيه شفاء للناس، ويتألف بطنها من ثمان حلقات رقيقة مرنة تحوي بداخلها الجهاز الهضمي والتنفسي والدوري والعصبي بالإضافة إلى الجهاز التناسلي الذي يتحور في الشغالات إلى الجهاز اللاسع، كما يحتوي بطن الشغالة من إناث النحل على عدد من الغدد الهمة
ثانيا في قوله تعالى (شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)
وهذا الشراب المختلف الألوان يشمل عسل النحل والغذاء الملكي وما بهما من حبوب اللقاح وصمغ النحل (العكبر) وشمع النحل وسم النحل وكلها يخرج من بطون الشغالات إناث النحل في حالة سائله (شراب) ثم يجمد او يتبلور بعد ذلك.
مكونات الشراب المختلف الألوان الذي فيه شفاء للناس يمكن إيجازها فيما يلي:
- عسل النحل: وهو سائل حلو كثيف القوام لزج يختلف في صفاته الطبيعية من اللون والرائحة ونكهاته وكثافته ودرجة رطوبته وقابليته للتبلور وتركيبه الكيمائي نتيجة لاختلاف الزهور.
- الغذاء الملكي: وهو مركب كيميائي معقد هلامي القوام فاتح اللون يميل إلى الاصفرار حتى يصل إلى لون القشدة، تفرزه الغدد البلعومية لشغالات النحل ويتكون أساسا من البروتينات والأحماض الأمينية والدهنية والماء والسكريات وبعض العناصر المعدنية والمواد المختزلة والفيتامينات والهرمونات والإنزيمات وبعض مكونات الحمض النووي وغير ذلك من المركبات.
- شمع النحل: هو عبارة عن مادة شمعية بيضاء شفافة خفيفة ذات تركيب كيمائي معقد تفرزها الشغالات من إناث النحل من غدد خاصة في أسفل بطنها على هيئة سائلة ثم تجف بمجرد تعرضها للهواء.
- صموغ النحل وغراه (العكبر): وهي مواد صمغية راتنجية لزجة تجمعها الشغالات من إناث النحل من قلف الأشجار وبعض براعمها ثم تفرز عليها من غدد وجناتها ما يحولها إلى صموغ تستخدمها في تثبيت الأقراص الشمعية في ملء الشقوق الفاصلة بينها.
- سم النحل: وهو سائل شفاف وسريع الجفاف ذو رائحة عطرية لاذعة وطعم مر يفرزه جهاز اللسع في الشغالات إناث النحل للدفاع عن نفسها وعن خليتها ويتكون أساسا من البروتينات والزيوت الطيارة والأحماض والإنزيمات وبعض مركبات العناصر.
- خبز النحل: هو من مكونات ذلك الشراب المختلف الألوان الذي يخرج من بطون الشغالات إناث النحل التي تقوم بتغذية يرقات النحل في الأيام الثلاث الأولى من حياتها بالغذاء الملكي وتقدم في اليوم الرابع لليرقات التي ستصبح شغالات أو ذكورا غذاء من حبوب اللقاح.
- (فيه شفاء للناس) النحل(٦٩)
من الدلالات العلمية للنص الكريم
اولا: الشفاء بين الإطلاق والتقييد (عسل النحل بعضهم يقول بأن الشفاء عام بدلالة، وشفاء نكرة تشمل كل الأمراض، وبعضهم يقول إن العسل لا يلزم أن يكون علاجا لكل داء).
ثانيا من الفوائد العلاجية للشراب المختلف الألوان:
- الفوائد العلاجية لعسل النحل:
- أنه مضاد حوى قوى ومطهر من الطراز الأول فهو علاج للجروح والقروح المختلفة وتنشيط بناء الأنسجة الحية بما يساعد على التئام الجروح.
- فيه علاج لأمراض الجلد بمختلف أنواعه.
- علاج لالتهاب الجهاز الهضمي بجميع مكوناته.
- علاج لتحسين وظائف الكبد وتنشيطه.
- علاج للقلب بمختلف أمراضه.
- له دور في علاج المثانة البلهارسيا المزمنة.
- له دور في علاج المفاصل الروماتيزمية.
- له دور في علاج الجهاز التنفسي.
- له دور في علاج بعض أمراض العيون.
- له دور مهم في علاج الجهاز العصبي.
- له دور مهم في علاج حالات التسمم أثناء الحمل.
- له دور مهم في تقوية جهاز المناعة.
- له دور مهم في علاج الشعر.
- له دور مهم في علاج الاطفال الخدج (الميتسرين).
- له دور مهم في المستحضرات الطبية.
- من الفوائد العلاجية للغذاء الملكي:
- مطهر قوي للإمراض الجلدية.
- علاج التهابات المفاصل.
- الوقاية من الإصابة بسرطان الدم.
- التأثير الإيجابي على الصحة العامة للفرد.
- زيادة قدرة المخ والقلب والكبد.
- علاج لعدد من الأمراض العصبية.
- خفض نسبة الكوليسترول الضار في الدم.
- رفع كفاءة جهاز المناعة في الجسم.
- تجديد حيوية قرينة العين والملتحمة.
- من الفوائد العلاجية لشمع العسل:
- بفيد في المساعدة على تسليك مجاري الجهاز التنفسي بمختلف مكوناته.
- الوقاية من مرض حمى القش وهي حمى سيلان الأنف.
- من الفوائد العلاجية لسم النحل ما يلي:
- علاج الام المفاصل:
- علاج بعض حلات الصداع النصفي (الشقيقة).
- علاج لبعض الأمراض الجلدية.
- علاج لبعض أمراض التهابات العين.
- علاج بعض سلسل البول.
- من فوائد علاج خبز النحل:
- علاج لعدد التهابا الأنف التحسسية.
- علاج للتعرض للإشعاع.
- علاج التهاب البروستاتا.
- علاج لتقوية الغدد التناسلية مع العسل وغذاء الملكية.
- علاج للتخفيف من أعراض اليأس عند النساء مثل الصداع وخفقان القلب وارتفاع درجة الحرارة.
- للتركيب في مستحضرات التجميل.
- من الفوائد العلاجية لصموغ وغراء النحل:
- علاج للجهاز التنفسي.
- ألام المفاصل.
- لبعض الأمراض الجلدية.
- بعض أمراض العيون.
- تطهير الجروح.
- التهابات جوف الفم والتسوس.
- تقوية المناعة.
من الدلالات العلمية للآية الكريمة ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ) النحل (٨١)
اولا في قوله تعالى (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا ): في هذا النص الكريم يمن علينا ربنا _تبارك وتعالى_ بأن جعل لنا مما خلق ظلالا وتثبيت العلوم المكتسبة، أن الظل يتكون نتيجة لأن الضوء المرئي الذي يتراوح طول موجاته بين مائة ميكرون (10.0) والمكرون جزء من مليون جزء من المتر يكون عاجز عن اختراق الأجسام المعتمة، وأنه لا يستطيع التحرك خلال الأوساط المتجانسة إلا في خطوط مستقيمة، وتتكون الظلال نتيجة لحجب الضوء المرئي أو مصدره عن منطقة ما من سطح الأرض بواسطة جسم معتم كالجبال أو الأشجار والسحب أو غيرها، والضوء المرئي يتكون من عدد غير محدود من الأطباق المتدرجة في طول الموجة، ولم يستطع الإنسان التعرف على جميع الأطياف السبعة والتي يجمعها لون (قوس قزح)، والاطياف هي:
- الأحمر.
- البرتقالي.
- الأصفر.
- الأخضر.
- الازرق.
- النيلي.
- البنفسجي.
الظل يقي الإنسان والحيوان من أشعة الشمس الحارة التي قد تسبب مرض لمن يتعرض لها بكثرة
ثانيا في قوله تعالى (وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا): الأكنان جمع كن وهو ما يسكن فيه كالغار، والسرب أي الحفر في الأرض وهو وقاء كل شيء وستره وكان الإنسان يأوي إلى الأكنة قبل ما يكشف الخيام وإعمار البيوت، ومن الثابت علميا أن خلق الأرض سبق خلق الإنسان، فعمر الأرض يقدر بحوالي خمسة بلايين سنة وعمر الإنسان على الأرض لا يتجاوز المائة ألف سنة.
ثالثا في قوله تعالى (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ): والسربال في اللغة هو القميص، وقد أجمع المفسرون أن السربال في هذه الآية يشمل كل لبس من الثياب أو الدروع أو غيرها، وواضح من القرآن الكريم أن الله تعالى قد علم أبونا أدم وحواء _ عليهما السلام_ منذ اللحظة الأولى لخلقهما أن من كرامة ستر بدنه يكون باللباس وذلك انطلاق من قوله تعالى {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون} [الأعراف:26]، واللباس بالكسر هو ما يلبس ولباس التقوى هو الحياء، وقد أمر الإسلام بستر البدن وعلم الإنسان صنع اللبوس وجعل بدن المرأة كله عورة يجب عليها ستره فيما عد الوجه والكفين وجعل الريش لستر بدنه إلا ما لابد من إظهاره.
من الدلالات العلمية للآية الكريمة {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [النحل:115]
- أولا تحريم اكل الميتة: إن موت الحيوان قبل تذكيته (أي دون إراقة دمه) يودي الى احتباس كل دمه في جسده مما يسبب تعفنه لأن الدم إذا خرج من الجسد يخرج مسببات التعفن فإذا أكل الإنسان منها يصاب بأمراض خطيره
- ثانيا في تحريم أكل الدم المسفوح كطعام: الدم هو هذا السائل الأحمر القاني الذي يتكون من أخلاط عديدة منها الخلايا الحمراء والخلايا البيضاء والصفائح وتشكل خلايا الدم الحمراء ٤٥٪/ (٤_٦) ملايين خلية في ملي متر مكعب وبقية النسبة مكونات الدم الاخرى ويتضح أن الدم سائل ناقل للأمراض الخطيرة مثل مرض نقص المناعة
- ثالثا تحريم أكل الخنزير وشحمه: الخنزير وصفه القرآن الكريم في أكثر من مقام بانه رجس وذلك في السور الاتية: البقرة (١٧٣) في المائدة (٣) في الأنعام (١٤٥) والنحل (١١٥)، وهذه كلمة جامعة لكل معاني القذارة والقبح والنجاسة والأتم وذلك لأن الخنزير حيوان كسول وجشع وقذر ورمام يأكل النبات والحيوان والجيف والقمامة كما يأكل فضلاته هو وفضلات غيره من الحيوانات وهذا من أسباب نقله العديد من الأمراض الخطيرة للإنسان.
- رابعا في تحريم أكل (ما أهل لغير الله به)، (وما أهل لغير الله): بعد الدراسات المختبرية العلمية أثبتت مجهريا أن نسيج اللحم المذبوح بدون تسميه وتكبير كان محتقنا بسئ من بقايا الدم المسفوح ومصابا بمستعرات عدد من الجراثيم بينما جاء اللحم المسمى عليه (يا لله الله أكبر) زكيا طاهر خاليا تماما من الدماء والجرائم.