تفسير سورة الأنفال
الدرس العاشر (سورة الأنفال)
من الآية (70-75) أصناف المؤمنين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى الإيمان والهجرة

في الدرس العاشر والأخير من سورة الأنفال والتي كانت من الآية 70 إلى 75 ذكرت أصناف المؤمنين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى الإيمان والهجرة..
أولاً/ أهداف الدرس
- إبراز مناصرة المؤمنين المهاجرين دون قيد أو شرط.
- بيان أن مناصرة المؤمنين الذين لم يهاجروا بشرط ألا يكون العدو المطلوب مناصرتهم منه من قوم معاهد.
ثانياً/ التفسير والبيان
- (71) (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) فأقدرك الله عليهم حسب ما رأيت يوم بدر فإن عادوا إلى الخيانة فسيمكنك الله منهم ويقّدرك الله عليهم.
- (72) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ) سبقوا إلى الهجرة بأن هاجروا قبل عام الحديبية وهو عام ست من الهجرة (وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ) هم أنصار الرسول (ص) وقد سماهم الأنصار لنصرتهم له ولدين الله (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) في النصرة والميراث روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام آخى بين هؤلاء المهاجرين والأنصار فكان المهاجري يرثه أخوه الأنصاري إذا لم يكن له بالمدينة ولي مهاجري وبالعكس واستمر ذلك إلى فتح مكة ثم توارثوا بالنسب بعد إذ لم تكن هجرة، (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ) ليس بين المؤمنين الذين لم يهاجروا وبين المهاجرين والأنصار ولاية الإرث إذا كان بينهم قرابة وعضوية لانقطاع حكمها بسبب عدم الهجرة وإنما بينهم بحكم الإسلام ولاية النصرة إلا على قوم معاهدين.
- (75) (وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ…) من بعد صلح الحديبة وقبل الفتح وهاجروا وهي الهجرة الثانية (فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ…) مثلكم بالنصرة والموالاة وإن كانوا أنزل درجة من السابقين في الهجرة، (وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ) وألوا القربات بعضهم أولى ببعض في الميراث فنسخ بهذه الآية ما كان بين المهاجرين والأنصار من التوارث بالهجرة والمؤخاة.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
(هجر) وردت على أربعة أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الهذيان بالباطل الغير معقول قال تعالى (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُون).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الترك قال تعالى (وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الانفراد والعزلة قال تعالى (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً) وقال تعالى (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) وقال تعالى (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الانتقال من بلد إلى بلد قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ) وقال تعالى (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) وقال تعالى (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً).
رابعاً/ أسباب النزول
- سبب نزول الآية (70) (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى) روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس (ض) قال: قال: العباس (فيَّ والله نزلت حين أخبرت رسول الله (ص) بإسلامي وسألته أن يحاسبني بالعشرين أوقية التي وجدت معي فأعطاني بها عشرين عبداً كلً تاجر بمالي في يده مع ما أرجو من مغفرة الله).
- سبب نزول الآية (73) (وَالَّذينَ كَفَرُواْ…) أخرج ابن جرير الطبري وأبو الشيخ ابن حيان عن السدي عن مالك قال: قال رجل نورث أرحامنا المشركين؟ فنزلت (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ).
- سبب نزول الآية (75) (وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ) أخرج ابن جرير عن ابن الزبير قال كان الرجل يعاقد الرجل ترثني وأرثك فنزلت الآية (وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ).
خامساً/ وقفات مع الآيات في سورة الأنفال
- الوقفة الأولى: إن الإسلام عندما يستبقى الأسرى لديه ليلمس في قلويهم مكامن الخير والرجاء والصلاح وليوقظ في فطرتهم أجهزة الاستقبال والتلقي والتأثر والاستجابة للهدى لا ليستذلهم انتقاما ولا ليسخرهم استغلالاً كما كانت تنتهجه فتوحات الرومان وكما كانت تنتهجه فتوحات الأجناس والأقوام الأخرى.
- الوقفة الثانية: إن العقيدة هي القاعدة التي يحكم العلاقات في داخل المجتمع المسلم وإضافة إلى ذلك فهناك علاقات أخرى هي علاقة القيادة والتنظيم الحركي (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ…) مع عدم إغفاله علاقة القربة والنسب.
- الوقفة الثالثة: إن هدف الدعوة إلى الله على مر التاريخ الإنساني هي اسلام العباد لرب العباد وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده بإخراجهم من سلطان العباد وحاكميتهم وشرائعهم وقيمهم وتقاليدهم إلى سلطان الله وحاكميته وشريعته وحدة في كل شأن من شؤون الحياة.
- الوقفة الرابعة: إن القاعدة النظرية التي يقوم عليها الإسلام على مدار التاريخ البشري هي قاعدة شهادة (الا إله الا الله) إفراد الله بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية، افراده بها اعتقاداً في الضمير وعبادة في الشعائر وشريعة في واقع الحياة.
- الوقفة الخامسة: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ…) فهؤلاء أفراد ليسوا أعضاء في المجتمع المسلم ومن ثم لا تكون بينهم وبينه ولاية ولكن هناك رابطة العقيدة وهذه لا ترتب وحدها على المجتمع المسلم تبعات تجاه هؤلاء الأفراد اللهم أن يعتدى عليهم في دينهم فيفتنوا مثلا عن عقيدتهم فإذا استنصروا المسلمين في هذه الحالة فلهم النصرة بشرط عدم الإخلال بعهد من عهود المسلمين مع الطرف الآخر.
- الوقفة السادسة: الآيات قسمت المؤمنين إلى أربعة أقسام:
- القسم الأول: المهاجرون الأولون قبل غزوة بدر إلى صلح الحديبية
- القسم الثاني: الأنصار أهل المدينة الذي آووا إخوانهم المهاجرين
- القسم الثالث: المؤمنون الذين لم يهاجروا
- القسم الرابع: المؤمنون الذين هاجروا بعد صلح الحديبية
سادساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات في سورة الأنفال
- الحكم الأول: ثبوت ولاية النصرة بين مؤمني دار الإسلام وبيان فضل المهاجرين السابقين على اللاحقين وجعل المتأخرين في الإيمان والهجرة بمنزلة المتقدمين في تضامنهم معهم.
- الحكم الثاني: ثبوت ولاية النصرة بين مؤمني دار الإسلام ومؤمني دار الحرب في حال مقاتلتهم أو اضطهاد الكفار لهم إلا إذا كان بين المجتمع المسلم وبين الكفار ميثاق صلح وسلام ولا يمكن مناصرتهم فيما عدا حالة المقاتلة لإثبات ولاية النصرة بين المسلمين في دار الإسلام والمسلمين في دار الحرب.
- الحكم الثالث: وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق في شريعة الإسلام وإن مس ذلك مصلحة بعض المسلمين.
- الحكم الرابع: وجوب موالاة المؤمنين.
- الحكم الخامس: إرث ذوي الأرحام وهو من لا سهم له في القرآن من قرابة الميت وليس بعصبة قول الحنفية والحنابلة أنهم يرثون إذا لم يوجد من أصحاب الفروض والعصبة محتجين بالآية فقد اجتمع في ذي الأرحام سببان: القرابة والإسلام فهم أولى ممن له سبب واحد وهو الإسلام ويقول الرسول (ص) (من ترك مالاً فلورثته ومن ترك كلاً فإلى الله ورسوله وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه) رواه أحمد في صحيح الجامع.
وقال المالكية والشافعية لا يرث من لا فرض له في كتاب الله من ذوي الأرحام وترد التركة إلى بيت المال وحجتهم أنهم لم يذكروا في القرآن في آيات المواريث والله يقول (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) والرسول (ص) يقول (إن الله أعطى كل ذي حق حقه).
وردوا على الذين استدلوا بالآية بأنها مجمله وآيات الإرث مفصلة، وورد في قانون الأحوال الشخصية رقم (24) لسنة 1976 والمعدل بالقانون رقم (20) لسنة 1992 ما يلي:
مادة (326) ذوو الأرحام أربعة أصناف على النحو التالي:- الصنف الأول: من ينتمي إلى الميت:
- أولاد البنت لهم ميراثها
- أولاد بنت أو بنات الابن لهم ميراثها.
- الصنف الثاني: من ينتمي إلى أبوي الميت وهم:
- أولاد الأخت
- أولاد بنات الأخ
- بنات الأخ
- أولاد الأخ لأم.
- الصنف الثالث: من ينتمي إلى جد الميت أو جدته وهم:
- بنت العم أو بنات العم
- العم أو العمة لأم
- الأخوال والخالات.
- الصنف الرابع: وهم:
- أب الأم
- أب أم الأب
- الأجداد والجدات المحجوبون.
- الصنف الأول: من ينتمي إلى الميت: