
في الدرس الرابع من سورة الأحزاب وضح الله كيف كشف حقيقة المنافقين و ذلك من الآية الـ 12 إلى الـ 15، وسوف نشرحها لكم في نقاط هذه المقال:
أولاً/ أهداف الدرس
- بيان حقيقة المنافقين من خلال المواقف.
- إبراز أن عهود المنافقين لا تثبت.
ثانياً/ التفسير والبيان
- (12) (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ) هم المنافقون والعطف بتغاير الصفات (غُرُورًا) باطلاً من القول، وغره خدعه واطمعه بالباطل فاغتر هو وكان القائلون بهذه المقالة نحو سبعين رجلاً من المنافقين.
- (13) (يَثْرِبَ) اسم المدينة المنورة قديماً، (لاَ مُقَامَ لَكُمْ) لا إقامة ولا مكان إقامة لكم ههنا، (فَارْجِعُوا) إلى بيوتكم بالمدينة، (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ) هم بنو حارثة ابن الحارث وبنو سلمة، (إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ) خالية ضائعة غير حصينة العورة التي يسهل دخولها وكل مكان ليس بممنوع ولا مستور فهو عورة والعورة في الأصل الخلل في البناء ونحوه، (فِرَارًا) هروباً من القتال مع المؤمنين.
- (14) (مِّنْ أَقْطَارِهَا) جوانبها ونواحيها، (سُئِلُوا الْفِتْنَةَ) طلب منهم مقاتلة المسلمين، (لآتَوْهَا) لأعطوها وفعلوها، (وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًا) ما تأخروا بالفتنة الا زماناً يسير قدر ما يأخذون أسلحتهم، والتلبث الإبطاء والتأخر وهو تمثيل لإسراعهم إلى القتال وهم في اشد حال إذا ما دعوا إلى مقاتلة المسلمين لفرط كراهتهم لهم فضلاً عن تعللهم باختلال البيوت مع سلامتها.
- (15) (لاَ يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ) لا يفرون ولا ينهزمون كني عن ذلك بتولي الأدبار لأن المنهزم الفار يولي ظهره ممن فر منه.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
(طوف) وردت على (7) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الطائفة الجماعة من الناس قال تعالى (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ…).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى السعي قال تعالى (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الجولان قال تعالى (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آن).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الطواف حول الكعبة قال تعالى (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى الخدمة قال تعالى (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ).
- الوجه السادس: وردت بمعنى العذاب قال تعالى (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُون).
- الوجه السابع: وردت بمعنى الوسوسة الشيطانية قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ).
رابعاً/ أسباب النزول
سبب نزول الآية (12) (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ…) أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عمرو المزني قال خط رسول الله (ص) عام الأحزاب فأخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدورة فأخذ الرسول (ص) المعول فضربها ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء بين لبتي المدينة فكبر وكبر المسلمون ثم ضربها الثانية فصدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لبتيها فكبر وكبر المسلمون ثم ضربها الثالثة فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لبتيها فكبر وكبر المسلمون فسئل عن ذلك فقال ضربت الأولى فأضاءت لي قصور الحيرة ومدائن كسرى وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت الثانية فأضاءت لي قصور الحمر من أرض الروم وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت الثالثة فأضاءت لي قصور صنعاء وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فقال المنافقون الا تعجبون يحدثكم ويمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق (الخوف) ولا تستطيعون أن تبرزوا فنزلت الآية.
خامساً/ وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: في الآية (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ…) فقد وجد هؤلاء في الكرب المزلزل والشدة الآخذة بالخندق فرصة للكشف عن خبيئة نفوسهم وهم آمنون من أن يلومهم أحد وفرصة للتوهين والتخذيل وبث الشك والريبة في وعد الله ورسوله فالواقع في ظاهره يصدقهم في التوهين والتشكيك فجهروا بحقيقة ما يشعرون غير مبقين ولا متحملين.
- الوقفة الثانية: في الآية (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) فهم يحرضون أهل المدينة على ترك الصفوف والعودة إلى بيوتهم بحجة أن إقامتهم أمام الخندق مرابطين هكذا لا موضع لها ولا محل وبيوتهم معرضة للخطر من ورائهم وهي دعوة خبيثة تأتي النفوس من الثغرة الضعيفة فيها ثغرة الخوف على النساء والذراري والخطر محدق والهول جامح والظنون لا تثبت ولا تستقر.
- الوقفة الثالثة: في قوله تعالى (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ…) وهنا يكشف القرآن عن الحقيقة ويجردهم من العذر والحجة (وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ) ويضبطهم متلبسين بالكذب والإحتيال والجبن والفرار (إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا).
- الوقفة الرابعة: في الآية (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا…) ذلك كان شأنهم والأعداء بعد خارج المدينة ولم تقتحم عليهم بعد ومهما يكن الكرب والفزع فالخطر المتوقع غير الخطر الواقع فأما الوقع إذا اقتحمت عليهم المدينة من أطرافها (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ) وطلبت إليهم الردة عن دينهم (لآتَوْهَا) سراعاً غير متلبثين ولا مترددين (إِلاَّ يَسِيرًا) إلا قليلاً من الوقت أو إلا قليلاً منهم يتلبثون شيئاً ما قبل أن يستجيبوا ويستسلموا ويرتدوا كفاراً فهي عقيدة واهنة لا تثبت وهو جبن غامر لا يملكون معه مقاومة.
- الوقفة الخامسة: في الآية (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ…) قال ابن هشام من رواية ابن إسحاق في السيرة هم بنو حارثة وهم الذين هموا أن يفشلوا يوم أحد مع بني سلمة حين همتا بالفشل يومها ثم عاهدوا الله الا يعودوا لمثلها أبداً فذكر لهم الذي أعطوا من أنفسهم، فأما يوم أحد فقد تداركه الله برحمته ورعايته وثبتهم وعصمهم من عواقب الفشل وكان ذلك درساً من دروس التربية في أوائل العهد بالجهاد فأما اليوم وبعد مرور الزمن الطويل والتجربة الكافية فالقرآن يواجههم هذا المواجهة العنيفة.
سادساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: بيان عدم الركون على المنافقين في المواقف.
- الحكم الثاني: توضيح خذلان المنافقين للمسلمين.