الدرس الثالث (سورة الأحزاب)
من الآية (7 إلى 11) عن أخذ الله الميثاق من أولي العزم من الرسل
في الدرس الثالث من سورة الأحزاب بهذه المقالة سنتحدث عن أخذ الله الميثاق من أولي العزم من الرسل والتي كانت من الآية الـ 7 وحتى الـ 11 فأتمنى لكم الاستفادة منها:
أولاً/ أهداف الدرس
- إبراز الميثاق الذي أخذه الله من أولي العزم من الرسل.
- بيان سؤال الله للصادقين عن صدقهم.
ثانياً/ التفسير والبيان
- (7) (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ…) اذكر وقت أخذنا من جميع النبيين العهد الوثيق بتبليغ الرسالات وإقامة الدين الحق أو بتصديق بعضهم بعضاً في أصول الشرائع وخص خمسة منهم بالذكر وهم أولوا العزم من الرسل لفضلهم على سائرهم وقدم ذكر نبينا (ص) لمزيد فضله عليهم وعلى سائر النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، (مِّيثَاقًا غَلِيظًا) عهداً وثيقاً قوياً على الوفاء.
- (9) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) لمزيد فضله تعالى على المؤمنين في صرفه أعدائهم عنهم وهزيمته إياهم حين تحزبوا عليهم وذلك في شوال سنة (5) أو (4) من الهجرة وتسمى غزوة الأحزاب وغزوة الخندق، (إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ) وهم: قريش وبنو أسد وغطفان وبنو عامر وبنو سليم وقريظة وكانوا زهاء (12) ألفاً ولما سمع رسول الله (ص) بإقبالهم أمر بحفر خندق حول المدينة بإشارة سلمان الفارسي، (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا) هي ريح الصبا وكانت شديدة البرودة (وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا) هم الملائكة ولم يقاتلوا في هذه الغزوة وإنما القوا الرعب في قلوب المشركين.
- (10) (وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ) مالت عن سننها حيرة ودهشة شاخصة لا تلتفت إلى شيء إلا إلى عدوها، وزاغ البصر: كلا وكلالة من استدامة شخوصه من شدة الهول، (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) بانت عن أماكنها من الصدور حتى بلغت الحلاقم وهو كناية عن شدة إضطراب القلوب ووجبنها من عظم الفزع والخوف، (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) الظنون المختلفة ظن المنافقون أن المسلمين يستأصلون وأيقن المؤمنون حقاً أن وعد الله حق وأنهم هم المنصورون، والوجف صوت خفقان القلب ورجفه.
- (11) (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) في ذلك المكان الدحض (الزلق) اختبر الله المؤمنين بالخوف والجوع وشدة الحصار ليتبين المخلصون من المنافقين، (وَزُلْزِلُوا) اضطربوا كثيراً من شدة الفزع.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
(نِعَم) وردت على (9) أوجه:
- الوجه الأول: وردت بمعنى المنة بدحر الأحزاب قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى دين الله قال تعالى (وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب) وقال تعالى (فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى سعة الرزق والرخاء المادي والأمن قال تعالى (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الثواب قال تعالى (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى السلطان قال تعالى (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً).
- الوجه السادس: وردت بمعنى النبوة قال تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث).
- الوجه السابع: وردت بمعنى الرحمة قال تعالى (فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم).
- الوجه الثامن: وردت بمعنى الإحسان قال تعالى (وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى).
- الوجه التاسع: وردت بمعنى الإسلام والعتق قال تعالى (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ).
رابعاً/ أسباب النزول
سبب نزول الآية (9) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ…) أخرج البيهقي في الدلائل عن حذيفة قال: لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعوداً وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا وبنو قريضه أسفل منا نخاف على ذرارينا وما أتت قط علينا ليلة اشد ظلمة ولا أشد ريحاً منها فجعل المنافقون يستأذنون النبي (ص) فيقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة فما يستأذن أحد منهم إلا أذن له فيتسللون إذ استقبلنا النبي (ص) رجلاً رجلاً حتى أتى علي فقال أتني بخبر القوم فجئت فإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضربهم وهم يقولون الرحيل الرحيل فجئت فأخبرته خبر القوم وأنزل الله الآية.
خامساً/ غزوة الأحزاب
تضمنت الآيات في مجال التذكير بنعمة الله وإحسانه إلى عباده المؤمنين بنصرهم في الغزوة موضوعات خمسة من (11-27):
- الموضوع الأول: وصف الغزوة الآيات من (9-11).
- الموضوع الثاني: موقف المنافقين واليهود من المسلمين الآيات من (12-21).
- الموضوع الثالث: موقف المؤمنين في التضحية والفداء الآيات من (22-24).
- الموضوع الرابع: نصر المؤمنين وهزيمة الكافرين الآية (25).
- الموضوع الخامس: تأديب يهود بني قريضه الآيتان (26-27).
سادساً/ وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: في الآية (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ…) إنه ميثاق واحد مطرد من لدن نوح عليه السلام إلى خاتم النبيين محمد (ص) ميثاق واحد ومنهج واحد وأمانة واحدة يتسلمها كل واحد منهم حتى يسلمها، وقد عممها النص أولاً (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ) ثم خصص صاحب القرآن الكريم وصاحب الدعوة العامة إلى العالمين (وَمِنكَ) ثم عاد إلى أولي العزم من الرسل (وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) عرض أصحاب الميثاق ثم وصف الميثاق نفسه (وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا).
- الوقفة الثانية: في الآية (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ…) والصادقون هم المؤمنون فهم الذين قالوا كلمة الصدق واعتقدوا عقيدة الصدق ومن سواهم كاذبون.
- الوقفة الثالثة: في الآية (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ…) يبدأ السياق القرآني الحديث عن حادث الأحزاب بتذكير المؤمنين بنعمته عليهم أن رد عنهم الجيش الذي هّم أن يستأصلهم لولا عون الله وتدبيره اللطيف ومن ثم يجمل في الآية الأولى طبيعة ذلك الحادث وبدئه ونهايته قبل تفصيله وعرض مواقفه لتبرز نعمة الله التي يذكرهم بها ويطلب إليهم أن يتذكروها ليشعروا أن الذي حماهم هو الله سبحانه وهو الذي يحمي القائمين على دعوته في كل زمان ومكان.
- الوقفة الرابعة: في الآية (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ…) إن الآية ترسم صورة الهول الذي روع والكرب الذي شملها والذي لم ينج منه أحد من أهلها وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريضه من كل جانب من اعلاها واسفلها فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب وإنما الذي أختلف هو استجابة تلك القلوب وظنها بالله وسلوكها في الشدة وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج ومن ثم كان الابتلاء كاملاً والإمتحان دقيقاً والتمييز بين المؤمنين والمنافقين حاسماً لا تردد فيه وننظر اليوم فنرى الموقف بكل سماته وانفعالاته ماثلاً أمامنا كأننا نراه من خلال هذا النص القصير (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا).
الوقفة الخامسة: في الآية (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ…) ثم تزيد سمات الموقف بروزاً وتزيد خصائص الهول فيه وضوحاً عند ما حددت الآية أن ما حدث ابتلاء الله للمؤمنين التمحيص النفوس وتصفية الصفوف.
سابعاً/ الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: وجوب الصبر والثبات عند الشدائد.
- الحكم الثاني: إبراز تمايز الصفين صف المؤمنين وصف المنافقين.
- الحكم الثالث: الثقة بنصر الله.