الدرس الأول (سورة الأحزاب)
من (الآية 1 إلى 4) الأمر بتقوى الله واتباع الوحي والتوكل على الله
أولاً/ أهداف الدرس
- توجيه الله لرسوله (ص) بعدم التأثر من الكافرين والمنافقين.
- أمر الله لرسوله (ص) بأتباع ما يوحى إليه والتوكل على الله.
ثانياً/ تسميتها
سميت سورة الأحزاب لاشتمالها على وقعة الخندق أو الأحزاب الذين تجمعوا حول المدينة من مشركي قريش وغطفان بالتواطؤ مع المنافقين ويهود بني قريظة لحرب المسلمين ومحاولة استئصالهم، كما سميت الفاضحة لأنها فضحت المنافقين وأبانت شدة إيذائهم للرسول (ص) في أزواجه وتأليبهم عليه في تلك الواقعة.
ثالثاً/ محتوى السورة
اشتملت السورة على بعض الآداب الاجتماعية والأحكام الشرعية وأخبار في السيرة عن غزوتي الأحزاب وبني قريظة وعن المنافقين وهي كالتالي:
أولا/ الآداب الاجتماعية التي شملتها السورة، وهي آداب الدعوة في:
- الولائم
- الحجاب وعدم التبرج
- تعظيم النبي (ص) في بيته ومع الناس
- القول السديد.
ثانياً/ الأحكام التشريعية في السورة كثيرة وجاءت منها مايلي:
- الأمر بتقوى الله وعدم طاعة الكافرين والمنافقين
- وجوب اتباع الوحي
- حكم الظهار
- إبطال عادة التبني وعادات التوريث بالحلف أو الهجرة وجعل الرحم والقربة أساس الميراث.
- تعداد المحارم
- عدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
- فرض الحجاب الشرعي وتطهير المجتمع من مظاهر التبرج الجاهلي
- عدم الزام المطلقة قبل الدخول بالعدة
- تخيير نساء النبي صلى الله عليه وسلم بين الفراق والبقاء معه
- تخصيص زوجاته صلى الله عليه وسلم بمضاعفة الأجل والثواب عند الطاعة ومضاعفة العذاب عند المعصية
- تحريم إذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين
- بيان خطورة أمانة التكليف وعقاب المسيء وإثابة المحسن.
ثالثاً/ أخبار السيرة:
- ففي السورة بيان توضيحي عن غزوة الأحزاب + الخندق + عزوة بني قريظة بعد نقضهم العهد مع النبي (ص).
- كشف فضائح المنافقين والتحذير من مكائدهم وتهديدهم مع المرجفين في المدينة على جرائمهم بالطرد والتعذيب.
- تذكير المؤمنين بنعم الله العظمى التي أنعم بها عليهم في وقعة الخندق بعد اشتداد الخطب ورد كيد أعدائهم بالملائكة والريح.
- بيان قصة زيد بن حارثة مولى النبي (ص) وزينب بن حجش وطلاقها من زيد وزواج النبي (ص) بها.
رابعاً/ التفسير والبيان
- (1) (اتَّقِ اللَّهَ) دُم على التقوى وازداد منها وهو رسول الله
- اتقى المتقين (وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ) ودُم على عدم اطاعتهم فيما يطلبونه منك من رفض ذكر آلهتهم وأن تقول أنها تشفع وتنفع وهو تخصيص بعد تعميم لإقتضاء المقام والاهتمام به.
- (3)(وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) حافظا متولياً كل أمورك.
- (4) (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) مثلاً ضربه الله للمُظاهر من امرأته والمتبني ولد غيره تمهيداً لما بعده. أي كما لم يخلق الله للإنسان قلبين في جوفه لم يجعل المرأة الواحدة زوجاً للرجل وأماً له والمرء دعياً للرجل وابناً له، (وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ) بتحريمهن على أنفسكم تحريماً مؤبداً يقال ظاهر من امرأته وتظهّر وظهّر إذا قال لها أنت علي كظهر أمي يريد به تحريمها عليه كأمه وقد رد الله تعالى عليهم في سورة المجادلة بقوله (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ…) المجادلة (2)، (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ) جمع دعي وهو الذي يدّعي ابناً لغير أبيه وكان الرجل يتبنى ولد غيره ويجري عليه أحكام البنوة النسبية ومنها حرمة تزوج مطلقته كما تحرم زوجة الابن النسبي على أبيه فابطل الله حكم هذا الظهار وابطل التبني (ذَلِكُمْ) أي ما ذكر منها (قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ) أي مجرد قول باللسان لا يحكي الواقع (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ) القول الثابت المحقق (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل) يرشد إلى سبيل الحق.
خامساً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
(كفر) وردت على (5) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الكفر والإنكار قال تعالى (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ…).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الكفر والجحود قال تعالى (فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِين).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى كفر النعمة قال تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُون).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى البراءة قال تعالى عن ابليس (إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى التغطية قال تعالى (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ..)
سادساً/ أسباب النزول
سبب نزول الآية (1) أخرج ابن جرير عن ابن عباس (ض) إن أهل مكة ومنهم الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة دعوا النبي (ص) أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم وخوفه اليهود والمنافقون بالمدينة إن لم يرجع قتلوه فنزلت الآيات وهناك رواية أخرى.
سابعاً/ وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: هذه السورة تتناول قطاعاً حقيقياً من حياة المسلمين في فترة تمتد من بعد غزوة بدر الكبرى إلى ما قبل صلح الحديبية وتصور هذه الفترة من حياة المسلمين في المدينة تصويراً واقعياً مباشراً وهي مزدحمة بالأحداث التي تشير إليها خلال هذه الفترة والتنظيمات التي أنشأتها أو أقرتها في المجتمع الإسلامي الناشئ وتتضمن السورة الأشواط الآتية:
- الشوط الأول: يتضمن توجيه الله لرسوله بتقوى الله وعدم طاعة الكافرين والمنافقين واتباع ما يوحى إليه من ربه والتوكل عليه وحده.
- الشوط الثاني: يتناول بيان نعمة الله على المؤمنين إذا رد عنهم كيد الأحزاب والمهاجمين.
- الشوط الثالث: فيه بيان تخيير أزواج النبي (ص) بين متاع الحياة الدنيا وزينتها وبين ايثار الله ورسوله والدار الآخرة.
- الشوط الرابع: فيه إشارة غير صريحة إلى موضوع تزويج زينب بنت جحش من زيد بن حارثة مولاه وما عقب ذلك من الطلاق لها وتزوج الرسول (ص) لها بعد طلاق زيد لها.
- الشوط الخامس: بيان حكم المطلقات قبل الدخول وبيان تنظيم الحياة الزوجية للنبي (ص) وتنظيم علاقة المسلمين ببيوت النبي (ص) وتقرير حجاب زوجات الرسول (ص).
- الشوط السادس: يتضمن سؤال الناس عن الساعة وعرض بعض مشاهدها.
- الشوط السابع: تضمن عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال.
- الوقفة الثانية: في الآية (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ…) إن التوجيه الأول للرسول (ص) إلى تقوى الله فتقوى الله والشعور برقابته واستشعار جلاله هي القاعدة الأولى التي يناط بها كل التكاليف، والتوجيه الثاني هو النهي عن طاعة الكافرين والمنافقين، والتوجيه الثالث (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ…)، والتوجيه الرابع (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً).
- الوقفة الثالثة: في الآية (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ…) إنه قلب واحد فلابد له من منهاج واحد يسير عليه ومن تصور كلي واحد للحياة والوجود يستمد منه، وميزان واحد يزن به القيم ويقوم به الأحداث والأشياء.
- الوقفة الرابعة: في قوله تعالى (وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ) إن الإسلام وهو ينظم الحياة الأسرية والاجتماعية جعل يرفع عن المرأة الظلم ويبني تلك العلاقات بالعدل واليسر وجعل مما شرع هذه القاعدة (وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ) فإن قولة اللسان لا تغير الحقيقة الواقعية.
الوقفة الرابعة: أبطل الإسلام التبني وهي دعوة الأبناء لغير أباءهم فقد كانت كذلك تنشأ من التخلخل في بناء الأسرة وفي بناء المجتمع كله. كان يوجد في المجتمع أبناء لا يعرف لهم أباء وكان الرجل يعجبه أحد هؤلاء فيتبناه ويلحقه بنسبه فيتوارث وأياه توارث النسب.
ثامناً/ الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: إيجاب التقوى والمداومة عليها ومتابعة طاعة الله أمر عام مفروض على جميع البشر (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ).
- الحكم الثاني: تحريم طاعة الكافرين والمنافقين (وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ).
- الحكم الثالث: وجوب اتباع الوحي من القرآن الكريم والسنة المطهرة (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ).
- الحكم الرابع: وجوب التوكل على الله بعد اتخاذ الأسباب (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً).
- الحكم الخامس: أبطل الإسلام حكم الجاهلية في الظهار وهو تحريم الزوجة التي ظاهرها زوجها على التأبيد وأبدله بحكم التحريم المؤقت حتى تتم الكفارة (وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ).
- الحكم السادس: تحريم التبني (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ) لأنه يصادم الحقيقة.