2025-03-12 9:45 م
إدارة الموقع
2025-03-12 9:45 م
تفسير سورة آل عمران

سورة آل عمران (من الدرس السابع والثلاثون حتى الدرس الأربعون)

في هذه المقالة سوف نعرض لكم عدد من الدروس التي جاءت في سورة آل عمران وذلك من الدرس الواحد والأربعون حتى الدرس الرابع والأربعون..

الدرس السابع والثلاثون من الآية (165-168) في سورة آل عمران

هذه الآيات وضحت بعض أخطاء المؤمنين في غزوة أحد

 التفسير والبيان لآيات الدرس السابع والثلاثون من سورة آل عمران

  1. (165) (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم…) أي حين نالكم من المشركين يوم أحد نصف ما نالهم منكم قبل ذلك يوم بدر رجعتم وقلتم من أين لنا هذا القتل والخذلان ونحن مسلمون نتقي غضبا لله وفينا رسوله، (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ) أي الذي نالكم من شؤم بسبب مخالفتكم أمر الرسول (ص).
  2. (166) (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ) من سنن الله التي لا تتخلف عن خلقه مهما كانت منزلة من تجري عليه السنن فإنما تجري بعلم الله تعالى والمؤمنون يعلمون بأن ما أصابهم من مصيبة فبما قدمت أيديهم وتزيدهم المصيبة ايماناً بالله.
  3. (167) (وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ…) يجعلهم يظهرون وينكشفون أمام الناس بسبب هذه الأحداث، (وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ) قال عبدالله بن عمرو بن حرام: (اخرجوا قاتلوا معنا وإن لم تخرجوا لتقاتلوا معنا اخرجوا لتدافعوا عن أنفسكم وأموالكم وذلك لأن المشركين لو انتصروا لابد بأنهم سيدخلون المدينة ويعبثون بمن فيها وما فيها) اخرجه ابن اسحاق والزهري، (قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ) تعلل المنافقون بتجربة سابقة بأن أهل المدينة إذا هاجمها قوم يدفعون من داخلها فينتصرون وإذا خرجوا للقتال خارجها هزموا وبناء على هذا الإعتقاد رأى عبدالله ابن أبي القتال في المدينة لذلك لم يعتبر ذلك قتالاً لإعتقاده بأن الخروج للقتال ليس فيه احتمال للنصر فرد الله عليهم بقوله (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ) بسبب أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم بأنهم لم يخرجوا للقتال لأن المعركة محسومة سابقاً بانتصار المشركين وهزيمة المؤمنين ولكن الذي يبطنونه في قلوبهم عدم ايمانهم بالحق الذي جاء به الرسول (ص) ولهذا فإن الصدق هو أن يوافق القول العمل والواقع، والواقع القضية الإيمانية: نية في القلب وحركة في العمل تثبت الإيمان وأما المنافقون فلسانهم لا يوافق قلوبهم وهذا وهو السبب في أنهم كانوا أقرب إلى الكفر.
  4. (168) (الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ) فعندما عاد عبدالله بن أبي بقصد خذلان جيش المسلمين في أحد بالعودة من أثناء الطريق وافقه بعض من المنافقين والبعض لم يوافقه فخرجوا للقتال مع الرسول (ص) ثم قتلوا فقالوا لو كانوا اطاعونا ما قتلوا فرد الله عليهم بقوله (قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين).

الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه

(قعد) وردت على (7) أوجه

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى التخلف قال تعالى (الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ…) (وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى المستقر قال تعالى (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ…).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى الجلوس ضد القيام قال تعالى (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا).
  4. الوجه الرابع: وردت بمعنى المكث قال تعالى (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون).
  5. الوجه الخامس: وردت بمعنى الإجتماع قال تعالى (فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) (فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين).
  6. الوجه السادس: وردت بمعنى القواعد العجّز من النساء قال تعالى (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء).
  7. الوجه السابع: وردت بمعنى الترصد قال تعالى (وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ).

أسباب نزول آيات الدرس السابع والثلاثون سورة آل عمران

سبب نزول الآية (165) (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم…) أخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب (ض) قال: عوقبوا يوم أحد بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر اصحاب النبي (ص) وكسرت رباعيته وهشمت البيضة (الخوذة) على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله الآية.

 وقفات مع آيات الدرس السابع والثلاثون سورة آل عمران

  1. الوقفة الأولى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ…) إن هنا ناموس ثابت وسنن حتمية وهناك وراء الناموس الثابت والسنن الحتمية إرادة فاعلة ومشيئة طليقة وهناك وراء الناموس والسنن والإرادة والمشيئة حكمه مدبرة يجري كل شيء في نطاقها.
  2. الوقفة الثانية: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ…) فقد عرف المسلمون سنن الله وشروطه في النصر والهزيمة فخالفوا سننه وشروطه فتعرضوا للألم والقرح التي تعرضوا له ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد فقد كان وراء المخالفة والألم تحقيق قدر الله في تمييز المؤمنين من المنافقين في الصف وتمحيص قلوب المؤمنين وتجلية ما فيها من غبش في التصور ومن ضعف أو قصور.
  3. الوقفة الثالثة: (الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ…) إن المنافقين جعلوا من تخلفهم حكمة ومصلحة ويجعلون من طاعة الرسول (ص) واتباعه مغرمً ومضرة وهم بهذا يفسدون التصور الإسلامي الناصع لقدر الله ولحتمية الأجل ولحقيقة الموت والحياة وتعلقهما بقدر الله وحده.

ما أرشدت إليه الآيات

  1. أولاً: أن الآية (165)عقدت مقارنة بين نتائج غزوة بدر وأحد محورها أن المسلمين أصيبوا اصابة شديدة يوم أحد بقتل سبعين منهم مع انهم يوم بدر أصابوا من المشركين ضعفي ذلك العدد فقتلوا منهم سبعين واسروا سبعين والأسير في حكم المقتول.
  2. ثانياً: ومن الخطأ قولهم: من أين أصابنا هذا الإنهزام والقتل ونحن نقاتل في سبيل الله ونحن مسلمون وفينا النبي والوحي وهم مشركون والسبب أن هزيمتهم كانت بسبب أنفسهم وهو مخالفة الرماة.
  3. ثالثاً: وما أصابهم يوم أحد من القتل والجرح والهزيمة إنما هو بعلم الله وقضائه وقدره لحكمه في ذلك وهي تربيتهم وتحذيرهم من المخالفة وتمييز المؤمنين من المنافقين.
  4. رابعاً: ودل قوله (أَوِ ادْفَعُواْ) على أن الدفاع عن الاوطان مثل القتال في سبيل الله.
  5. خامساً: ويؤكد أن المرابط المستعد للقتال في ثغر اسلامي مدافع لأنه لولا مكان المرابطين في الثغور لجاء إليها العدو.
  6. سادساً: ومن دلائل عدم ايمان المنافقين أنهم قالوا أن إخوانهم إما من النسب أو بالنفاق لو قعدوا بالمدينة ما قتلوا.

الدرس الثامن والثلاثون من الآية (169-175) سورة آل عمران

بينت هذه الآيات منزلة الشهداء المجاهدين في سبيل الله.

 التفسير والبيان

  • (169) (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا…) أنتم تخافون الموت ولكن هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله ليسوا بميتين لأن حياتهم حياة موصولة ولكن بقانون غير القانون الذي يحكم الحياة في الدنيا والرزق الذي منحوا إياه لبقاء حياتهم قانونه غير قانون الرزق الذي يحافظ على بقاء الحياة في الدنيا قال الرسول (ص) (نسمة المؤمن طائر يعلو في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه) أخرجه البيهقي والدارمي.
  • (170) (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ…) البِشر هي عادة الفرحة وهي تبدو على وجه الإنسان فساعة يكون الإنسان فرحاً فالفرحة تظهر وتشرق في وجهه ولذلك نسميها البشارة لأنها تصنع في وجهه البشر شيئاً من الفرح مما يعطيه بريقاً ولمعاناً وجاذبية ويتمنى الشهداء لإخوانهم الذي لم يستشهدوا بعد أن يلحقوا بهم بسبب الشهادة لينالوا ما نالوا من النعيم وهذا من الإحساس بحق الأخوة التي قال عنها الرسول (ص) (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
  • (172) (الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ…) فإن الله بعد تأديب المؤمنين بالهزيمة في أحد بسبب التقصير فإنه أراد أن يخفف حدة الحزن على المؤمنين ويكسر شوكة الفرح والنصر من المشركين فأذن لرسوله بأن يلاحق المشركين إلى حمراء الأسد فاستجاب المؤمنون لذلك رغم ما اثخنوا بالجراح (القرح) الألم أو الجرح، (لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ) فما داموا قد أحسنوا الإستجابة فلهم أجر عظيم لأن ما حدث منهم من أمر المخالفة قد أخذوا عليه العقوبة.
  • (173) (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ…) وعندما نادى رسول الله (ص) في أصحابه لملاحقة الكفار إلى حمراء الأسد أشاع المنافقون بأن أبا سفيان قد جمع عدداً كبيراً لمهاجمة المؤمنين ولكنه زاد المؤمنين ايماناً وواصلوا مطاردة الكافرين فعادوا بالأجر العظيم ولم يصابوا بأي أذى. روى البخاري عن ابن عباس (ض) أنه قال (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها ابراهيم عليه السلام حين القي في النار وقالها محمد (ص) حين قال لهم الناس (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) وقالها جعفر الصادق (عجبت من إنسان أدركه الخوف ولم يفزع) إلى قوله تعالى (حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل) لأني سمعت الله يعّقبها بقوله (فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) وعجبت لمن أغتم ولم يفزع إلى قوله تعالى (لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين) فإني سمعت الله يعّقبها بقوله (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِين) وعجبت لمن مكر به ولم يفزع إلى قوله تعالى (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد) فإني سمعت الله يعّقبها بقوله (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا) وقوله (وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) وعجبت لمن طلب الدنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قوله تعالى (مَا شَاء اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ) فإني سمعت الله يعّقبها بقوله (إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ…).
  • (175) (يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ) أي يخوفكم أولياءه بأن يعظمهم في قلوبكم وعلى سبيل المثال أبو سفيان وأصحابه وهي عامة.

 الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه

(رزق) وردت على (8) أوجه

  • الوجه الأول: وردت بمعنى العطاء قال تعالى (بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون) (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون) (وأَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم) (وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا).
  • الوجه الثاني: وردت بمعنى الطعام قال تعالى (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً) (قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ) (لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ).
  • الوجه الثالث: وردت بمعنى الغداء والعشاء خاصة قال تعالى (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا).
  • الوجه الرابع: وردت بمعنى الشكر قال تعالى (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُون).
  • الوجه الخامس: وردت بمعنى المطر قال تعالى (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون).
  • الوجه السادس: وردت بمعنى النفقة قال تعالى (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
  • الوجه السابع: وردت بمعنى الثواب قال تعالى (قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا).
  • الوجه الثامن: وردت بمعنى الجنة قال تعالى (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى).

أسباب النزول

سبب نزول الآية (169) (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ…) روى أحمد وأبو داؤود والحاكم عن ابن عباس (ض) قال: قال: رسول الله (ص) (لما أصيب إخوانكم في أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طيور خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديلها من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلها ومشربها وحسن مقيلهم قالوا يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله أنا ابلّغهم عنكم) فنزلت الآية.

وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: إن أهداف دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه لملاحقة قريش بعد معركة أحد تتمثل بالآتي:
    1. رفع معنويات الجيش الإسلامي الذي قاتل بأحد
    2. ليزيل من قريش نشوة النصر والإغترار به
    3. إعلان للعالم أجمع بأن المسلمين ينطلقون في قتالهم من منطلق العقيدة وحدها
  2. الوقفة الثانية: إن الجوانب البشرية في النفس له علاج ووصفه فالوهن له علاج ووصفة والكرب له علاج ووصفة وطلب السعادة في الدنيا له علاج ووصفة، والوصفة التي نحن بصددها هنا قال تعالى (وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) والنعمة يعطيك الله على قدر عملك والفضل من الله هو أن يزيدك عطاء ولم يمسس السوء أحداً من المؤمنين الذين طاردوا المقاتلين من قريش.
  3. الوقفة الثالثة: إن الله كشف للمؤمنين عن مصير الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله أنهم أحياء لهم خصائص الأحياء فهم يرزقون عند ربهم وهم فرحون بما آتاهم الله من فضله وهم يستبشرون بمصائر من ورائهم من المؤمنين وهم يحفلون الأحداث التي تمر بمن خلفهم من إخوانهم فهذه خصائص الأحياء من متاع واستبشار واهتمام وتأثر وتأثير.
  4. الوقفة الرابعة: إن الحسرة على فراق الشهداء لا وزن لها وهم أحياء موصولون بالأحياء وبالأحداث فوق ما نالهم من فضل الله وفوق ما نالهم من الرزق والمكانة ولكن لا نعرف نوع الحياة التي يحيياها الشهداء إلا ما بلغنا من وصفها في الأحاديث الصحيحة قال الرسول (ص) (أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل) رواه مسلم

 الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: قال الجمهور لا يغسل الشهيد ولا يكفن ولا يصلى عليه ولكن تزال النجاسة الحاصلة من غير الدم لأنها ليست من أثر الشهادة بدليل حديث جابر المتفق عليه أن النبي (ص) أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلهم ولم يصلى عليهم).
  2. الحكم الثاني: أجمع العلماء على أن الشهيد إذا حمل حياً ولم يمت في المعترك وعاش وأكل ثم مات فإنه يصلى كما قد صنع بعمر (ض) وقال الجمهور يغسل جميع الموتى إلا من قتله أهل الحرب.
  3. الحكم الثالث: إذا صبّح العدو قوماً في منازلهم ولم يعلموا به فقتل منهم فيغسلون ويكفنون ويصلى عليهم لأنهم لم يقتلوا في المعترك بين الصفين.
  4. الحكم الرابع: القتل في سبيل الله والشهادة له ثواب عظيم عند الله حتى أنه يكفر الذنوب إلا الدين كما قال الرسول (ص) (القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين) رواه مسلم ويلحق بالدين أي حقوق أخرى للناس مادية أو معنوية.

الدرس التاسع والثلاثون من الآية (176-179) في سورة آل عمران

وهذا الدرس وضح كيف أزال الله الحزن من قلب النبي صلى الله عليه وسلم

 التفسير والبيان لآيات الدرس التاسع والثلاثون من سورة آل عمران

  1. (176) (وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) هو توضيح من الله لرسوله (ص) بأنهم لم يسارعوا في الكفر تقصيراً منك فانت قد أديت واجبك ويضيف سبحانه (إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً…) ولم يقل سبحانه لن يضروك أو لن يضورا المؤمنين لا بل قد جعل سبحانه وتعالى المعركة معه وهو القوي ذو الجبروت إنه هنا يطمئن الرسول (ص) والمؤمنين وعن عبد الله بن عمرو بن العاص (ض) أن النبي (ص) تلا قول الله عز وجل في ابراهيم (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) وقول عيسى عليه السلام (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) فرفع يديه وقال (اللهم أمتي أمتي) وبكى فقال الله عز وجل (يا جبريل اذهب الى محمد وربك أعلم فاسأله ما يبكيك؟) فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله (ص) بما قال وهو أعلم فقال الله يا جبريل أذهب إلى محمد فقل (إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك) رواه مسلم ، (ُيرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم) يريد لهم أن يستنفدوا رصيدهم كله وأن يحملوا أوزارهم كلها وأن يستحقوا عذابهم كله وأن يمضوا مسارعين في الكفر إلى نهاية الطريق إذاً فالعاقبة فيما فعلوا وأحدثوا خلاف ما خططوا.
  2. (177) (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئًا…) الإشترى صفقة والصفقة تقتضي ثمناً ومثمناً والثمن هنا هو الإيمان لأن الباء تدل على المتروك والمثمن هو الكفر لأنه هو المأخوذ فهل أخذوا الكفر ودفعوا الإيمان ثماناً له؟ وهل معنى ذلك أن الإيمان كان موجود لديهم؟ نعم كان عندهم الإيمان لأن الإيمان القديم إيمان الفطرة وإيمان العهد القديم الذي أخذه الله في عالم الذر قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ…) [الأعراف:[172-173] وقال الرسول (ص) (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) رواه البخاري ووردت في الآيات وصف العذاب بعظيم وأليم ومهين في اذلال ودك النفس البشرية.
  3. (178) (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ…) حسِبَ يحسَب بمعنى ظن وهو أمر وهمي وليست حَسَبَ يحسِب من الحساب وهو العدد، والله يذكرهم أن ظنونهم بإبقاء حياتهم خير لهم ليست حقاً بل هي حدس وتخمين لا يرقى إلى اليقين إن العمر زمن والزمن وعاء للأحداث فإذا كانت هذه الأحداث شراً فأن العمر يكون شراً وليس خيراً لصاحبه وإذاً فإن بقاء الكافر في الدنيا لا يزيد إلا شراً على نفسه وليس خيراً لها.
  4. (179) (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ…) مقصود بها أن الله لم يكن ليدع المؤمنين ويتركهم عرضة لإختلاط المنافقين بهم بدون أن يتميز المنافقون بشيء من الاشياء فوسائل اكتشاف المنافقين متعددة منها:
    • التكاسل عن أداء الواجبات
    • معرفتهم بلحن القول
    • المواقف العملية من خلال الأحداث، وهذه هي أقوى وسيلة لكشف حقيقة النفاق، (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ…) فلا بد من التفريق بين الغيب والأمر المخفي في الكون. فالغيب: هو ما غاب عن الكل وهذا ما استأثر الله بعلمه وهو الغيب المطلق وهو سبحانه وتعالى يطلع عليه بعضاً من خلقه من الرسل قال تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ…) وأما الأمر المخفي في الكون وكان غيباً على بعض من الخلق ثم يصبح مشهود لخلق آخرين فلا يقال أنه غيب، أو أن الغيب قسمان:
      • القسم الأول: غيب جعل الله له في كونه مقدمات إن استعملناها وصلنا إليه ككثير من الاكتشافات وإذا أراد الله أن يورد سراً ما ولم نبحث عنه فهو يعطيه لنا مفاجئة من باب فيض الجود لا بذل المجهود
      • القسم الثاني: ليست له مقدمات وهذا ما استأثر الله بعلمه إلا أنه قد يفيض به على بعض خلقه كما قال تعالى في الآية السابقة، (فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيم) فالله سبحانه إذا خاطب قوماً بوصف ثم طلب منهم هذا الوصف مثل قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ) معنى ذلك أنه يطلب منهم الإلتزام بمواصفات الإيمان على مر الزمان.

 الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه

(غيب) وردت على (7) أوجه

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى الغيب المطلق الغير المشاهد قال تعالى (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِين).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى الظلمة قال تعالى (وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى الموت على رئي بعض المفسرين قال تعالى (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ).
  4. الوجه الرابع: وردت بمعنى العَرض والمال والنفس قال تعالى (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ…).
  5. الوجه الخامس: وردت بمعنى الظن قال تعالى (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيد).
  6. الوجه السادس: وردت بمعنى الوحي قال تعالى (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِين).
  7. الوجه السابع: وردت بمعنى ما خفي عن المشاهدة قال تعالى (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ…).

أسباب النزول

سبب نزو ل الآية (179) (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ…) قال أبو العالية: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرقون بها بين المؤمن والمنافق فأنزل الله هذه الآية اسباب النزول للواحدي.

وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: إن هذا الختام هو أنسب ختام لاستعراض الغزوة التي اصيب فيها المسلمون هذه الإصابة والتي رجع منها المشركون بالنصر والغلبة رد على الشبهة الكاذبة أو الأمنية العاتية لماذا يارب يصاب الحق وينجو الباطل ولقد وقع بالفعل أن قال المسلمون يوم أحد في دهشة واستغراب (أَنَّى هَـذَا)؟ ففي هذا المقطع الختامي يجئ الجواب الأخير ليريح القلوب المتعبة بأن ما حدث حكمة وتدبير يملي للباطل ليمضي إلى نهاية الطريق وليرتكب ابشع الجرائم وليحمل اثقل الأوزار ولينال أشد العذاب ويبلى الحق ليميز الخبيث من الطيب ويعظم الأجر لمن يمضي مع الإبتلاء ويثبت.
  2. الوقفة الثانية: (وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ…) إنه يواسي النبي (ص) ويدفع عنه الحزن الذي يساور خاطره وهو يرى الغالبين من الكفار يسارعون فيه ويمضون بعنف واندفاع وسرعة كأنما هنالك هدف منصوب لهم يسارعون إلى بلوغه فالذين يسارعون في الكفر يحاربون الله وهم أضعف من أن يضروا الله شيء وهم إذا لن يضروا دعوته ولن يضروا حملة هذه الدعوة مهما سارعوا في الكفر وإنما يتركهم الله يذهبون ناجين (يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ) يريد لهم أن يستنفدوا رصيدهم كله (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم).
  3. الوقفة الثالثة: (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ…) ولقد كان الإيمان في متناول أيديهم دلائله مبثوثة في صفحات الكون وفي أعماق الفطرة ثم إن الدعوة إلى الإيمان بعد هذا كله قائمة على لسان الرسل وقائمة في طبيعة الدعوة وما فيها من تلبية الفطرة ومن صلاحية للحياة والناس وبهذا التصرف فهم أضعف أن يضروا الله شيء باشترائهم الكفر بالإيمان ولن يضروا أولياءه ودعوته.
  4. الوقفة الرابعة: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ…) ولو كانوا يستحقون أن يخرجهم من غمرة النعمة بالإبتلاء الموقظ لبتلاهم ولكنه لا يرى بهم خيراً وقد اشتروا الكفر بالإيمان وسارعوا في الكفر واجتهدوا فيه فلم يعودوا يستحقون أن يوقظهم الله من هذه الغمرة غمرة النعمة والسلطان بالإبتلاء (وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِين).
  5. الوقفة الخامسة: (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ…) ويقطع النص القرآني بأنه ليس من فعل سنة الله أن يدع الصف المسلم مختلطاً غير مميز يتوارى المنافقون فيه وراء دعوى الإيمان ومظهر الإسلام بينما قلوبهم خاوية من بشاشة الإيمان ومن روح الإسلام وكان هذا يقتضي أن يطهر الصف ليخرج منه الخبيث ليتميز عن الطيب لأن دور هذه الأمة عظيم وهو حمل منهاج الله إلى البشرية كافة فكان لابد من التمحيص للصف حتى يقوى على تحمل المهمة الموكلة إليه.
  6. الوقفة السادسة: تمخضت المعركة والتعقيب القرآني عليها عن حقائق ضخمة متنوعة وهي:
    1. الحقيقة الأولى: عرض المنهاج الإلهي للحياة البشرية وفي طريقته في العمل في حياة البشر.
    2. الحقيقة الثانية: طبيعة النفس البشرية وطبيعة الفطرة الإنسانية وطبيعة الجهد البشري ومدى ما يمكن أن يبلغه في تحقيق المنهج الإلهي.
    3. الحقيقة الثالثة: توضح حقيقة الإرتباط الوثيق في منهج الله بين الواقع والنفس المسلمة والمجتمع المسلم وبين كل معركة يخوضها مع أعدائه في أي ميدان والارتباط بين العقيدة والتصور والخلق والسلوك والتنظيم السياسي والإقتصادي والإجتماعي وبين النصر أو الهزيمة في كل معركة.
    4. الحقيقة الرابعة: طبيعة منهج التربية الإسلامي وهي التربية بالأحداث.
    5. الحقيقة الخامسة: واقعية المنهج الإلهي واظهر مثال على واقعيته مبدأ الشورى.
    6. الحقيقة السادسة: ثبات منهج الله وقيمه موازينه وهو مقياس لكل السلوك وأما البشر قد يصيبون وقد يخطئون.

 الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: الإعتقاد بأن الذين يكفرون بالله ويصدون عن سبيله لن يضروا الله شيء وإنما يضرون أنفسهم فقط.
  2. الحكم الثاني: الإيمان بأن عقوبة الله للكافرين الصادين عن سبيل الله محققه لا محالة ولكن الله قد يعجلها في الدنيا ثم في الآخرة أو يؤخرها إلى الآخرة.
  3. الحكم الثالث: الإيمان بأن الله لابد أن يصف الصف المسلم من خلال الأحداث.

الدرس الأربعون من الآية (180-184) في سورة آل عمران

وضحت هذه الآيات بعض قبائح اليهود

 التفسير والبيان لآيات الدرس الأربعون من سورة آل عمران

  • (180) (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ…) إن الذين يبخلون بفضل الله يظنون أن البخل خير لمجرد أنه يكدس عندهم الأموال وليس ذلك صحيحاً لأن الله يقول (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي ان ما بخلوا به يصنعه الله طوقاً في رقبة البخيل قال الرسول (ص) (من اتاه الله مالاً فلم يؤدي زكاته مثّل له شجاعاً أقرعً له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يعني (شدقيه) يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا قوله تعالى (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ…) رواه البخاري.
  • (181) (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ…) الاسباب التي دفعت اليهود ليقولوا (إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء…) هي كالتالي:
    1. غرورهم بما أنعم الله عليهم من المال فاغتروا حتى لقبوا أنفسهم بملوك الإقتصاد.
    2. عندما أصابتهم سنة جدب فقالوا السماء بخلت علينا ويد الله مغلولة فلم تعطينا رزقاً قال الله تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ…) [المائدة:64] .
    3. عندما أنزل الله تعالى (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا…) [الحديد:11] قالوا لو كان الله غنياً لما تودد الينا لنقرضه (سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ…) لماذا يكتب الله ما قالوا مع أن علمه أزلي لا ينسى قال تعالى (لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى) [طه:52] لتكون الكتابة حجة عليهم وكأن الكتابة ليست كما نظن فقط ولكنها تسجيل للصوت والصورة وللأنفاس ويأتي يوم القيامة ليجد كل انسان ما فعله مسطوراً قال تعالى (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء:14]، (ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيق) فالتعبير بالذوق لشدة وقع العذاب لأن الذوق حاسة لا تختفي من أي انسان لأنه من داخل الذات لذلك يكون ابلغ من الإيلام قال تعالى (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً… فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون) [النحل:112] .
  • (182) (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد) أي ليس بذي ظلم لهم أصلاً حتى يعذبهم بدون جرم بل هو عادل ومن العدل أن يثيب المطيع ويعذب العاصي وصيغة ظلام نسب كعطار ولبان.
  • (183) (عَهِدَ إِلَيْنَا) أمرنا وأوصانا في التوراة، (ِبقُرْبَانٍ) ما يتقرب به إلى الله من أنواع البر كالغفران والرجحان من قولك قربت قرباناً سمي به المتقرب به إلى الله تعالى من نعم وغيرها.
  • (184) (وَالزُّبُرِ) أي الكتب جمع زبور وهو الكتاب المقصور على الحكم والمواعظ كزبور داؤود عليه السلام من الزّبر وهو الزجر لزجره عن الباطل وأما الكتاب فهو ما تضمن الأحكام والحِكَم.

 الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه

(ظلم) وردت على (7) أوجه

  • الوجه الأول: وردت بمعنى الظالم الذي يظلم الناس قال تعالى (وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد) (الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ) (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِين).
  • الوجه الثاني: وردت بمعنى الشرك قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم).
  • الوجه الثالث: وردت بمعنى التعدي على حدود الله وأوامره قال تعالى (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِين).
  • الوجه الرابع: وردت بمعنى النقص قال تعالى (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا).
  • الوجه الخامس: وردت بمعنى الضرر قال تعالى (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون).
  • الوجه السادس: وردت بمعنى الجحود قال تعالى (فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُون) (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا).
  • الوجه السابع: وردت بمعنى السارق قال تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم) (قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِين).

أسباب نزول آيات الدرس الأربعون من سورة آل عمران

  • سبب نزول الآية (180) (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ…) جمهور المفسرين على أنها نزلت في مانعي الزكاة وروى عطية عن ابن عباس أن الآية نزلت في احبار اليهود الذين كتموا صفة محمد (ص) ونبوته وأراد بالبخل كتمان العلم الذي اتاهم الله تعالى) اسباب النزول للواحدي.
  • سبب نزول الآية (181) (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ…) أخرج ابن ابي حاتم عن ابن عباس (ض) قال أتت اليهود النبي (ص) حين أنزل الله (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) فقالوا: يا محمد أفتقر ربك حتى يسأل عباده فأنزل الله (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ…).

 وقفات مع الآيات

  • الوقفة الأولى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ…) إن ورود الآية هنا في هذا السياق يرجح أنها متصلة بما بعدها من الآيات في شأن اليهود فهم (قبحهم الله) الذين قالوا (إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء) وهم الذين قالوا (إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) وإن مدلول الآية عام فهو يشمل اليهود الذين بخلوا بالوفاء بتعهداتهم كما يشمل غيرهم ممن يبخلون بما آتاهم الله من فضله ويحسبون أن هذا البخل خير لهم يحفظ لهم أموالهم فلا تذهب بالإنفاق.
  • الوقفة الثانية: (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ…) وسوء تصور اليهود للحقيقة الإلهية شائع في كتبهم المحرفة ولكن هذه تبلغ مبلغاً عظيم من سوء التصور ومن سوء الأدب معاً ومن ثم يستحقون هذا التهديد المتلاحق (سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ) لنحاسبهم عليه فما هو بمتروك ولا منسي ولا مهمل إلى جانب تسجيل آثامهم السابقة (وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ) وقد حفظ تاريخهم سلسلة أثيمة في قتل الأنبياء آخرها محاولتهم قتل المسيح عليه السلام وجزائهم (ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيق) ولماذا عذاب الحريق (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) جزاء وفاقا لا ظلم فيه ولا قسوة (وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد).
  • الوقفة الثالثة: (الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا) وهي مجابهة قوية تكشف عن كذبهم والتوائهم وإصرارهم على الكفر وتبجحهم بعد ذلك وافترائهم على الله وهنا يلتفت إلى الرسول (ص) مسلياً ومواسيً (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ…) فما هو أول رسول يتلقى بالتكذيب والأجيال المتعاقبة بل هو من ضمن الأجيال المتعاقبة (وخاصة من بني اسرائيل تلقوه بالتكذيب ورسلاً جاءهم بالبيانات المتضمنة للتوجيهات الإلهية وجاؤها بالكتاب المنير كالتوراة والإنجيل).

الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: إن الرضا بالمعصية معصية وإن لم يشهدها قال الرسول (ص) (إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها فأنكرها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) رواه أبو داؤود.
  2. الحكم الثاني: إن المقترف للذنب والمناصر له سواء في الإثم.

سورة آل عمران (من الدرس الواحد والأربعون حتى الرابع والأربعون)

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى