في الدرس الخامس من سورة آل عمران بيّنت الآيات عن أهمية الشهادة بوحدانية الله وسوف نشرحها لكم في هذه السطور بالتفصيل
التفسير والبيان لآيات الدرس الخامس سورة آل عمران
- (قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ) قائما العدل في قسمه وحكمه وتدبير أمر خلقه والقسط والإقساط العدل ومنه قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين) ويطلق القسط على الجور والفاعل قاسط ومنه قوله تعالى (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا).
- (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) إن الشريعة المرضية عند الله تعالى هي الاستسلام والانقياد إليه والدخول في طاعته وفسر قتادة الإسلام بأنه شهادة الا إله إلا الله والإقرار بما جاي من عند الله وهو دين الله الذي شرعه وبعث به رسله ودل عليه أوليائه فلا يقبل غيره ولا يجزي بالإحسان إلا به وهو الدين الحنيف الذي جاء به خاتم الرسل (ص).
- (الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ) هم اليهود والنصارى وقد اختلفوا في الإسلام أو التوحيد من بعد قيام الدلائل على صحة وشهادة كتبهم (بغياً) حسداً وطلباً للرياسة (حاجوك) خاصمك الكفار يا محمد في الدين .
- (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ) أخلصت عبادتي لله وحده وأطعته وانقدت له وعبر عن الذات بالوجه لأنه اشرف الأعضاء وبه يحصل التوجه على كل شيء.
- (قُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ) هذه الآية أصرح الأدلة على عموم بعثته (ص) للخلق كافة وقد نطقت بذلك الآيات والأحاديث الصحيحة قال تعالى (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)الأعراف (7) وقال تعالى (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)الفرقان (1) وقال الرسول (ص) (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمه يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار)رواه مسلم، وقال الرسول (ص) (بعثت إلى الأحمر والأسود)أخرجه ابن سعد ،والأميون من ليس لهم كتاب والمراد مشركوا العرب.
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(حسب) وردت على (9) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى المحاسبة والمسائلة على الأعمال قال تعالى (فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَاب).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الكثرة قال تعالى (جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الجزاء قال تعالى {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُون}[الشعراء:113]
- الوجه الرابع: وردت بمعنى العذاب قال تعالى (وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى حافظا قال تعالى (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا).
- الوجه السادس: وردت بمعنى الحسيب الشهيد قال تعالى (كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا).
- الوجه السابع: وردت بمعنى العدد قال تعالى (وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ).
- الوجه الثامن: وردت بمعنى المنازل والأبراج قال تعالى (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا).
- الوجه التاسع: وردت بمعنى الظن قال تعالى (ولاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سبقوا أنهم لا يعجزون….) وقال تعالى (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا).
أسباب النزول
سبب نزول الآية (18) (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ….) لما ظهر الرسول (ص) بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه (ما اشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان فلما دخلا على النبي (ص) عرفاه بالصفة والنعت فقالا له أنت محمد؟ قال نعم قالا وأنت أحمد ؟ قال نعم قالا أنا نسألك عن شهادة فإن أنت أخبرتنا آمنا بك وصدقناك فقال لهما الرسول (ص) اسألاني فقالا أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله فأنزل الله على نبيه (ص) (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ) فأسلم الرجلان وصدقا رسول الله (ص).
المقارنة بين متع الحياة الدنيا ومتع الجنة
وقفات مع آيات الدرس الخامس سورة آل عمران
- الوقفة الأولى: إن سياق السورة من أولها كان يستهدف تقرير حقيقة التوحيد توحيد الألوهية والقوامة وتوحيد الكتاب والرسالة ويصور موقف المؤمنين حقا وموقف المنحرفين الذين في قلوبهم زيغ من آيات الله وكتابه ويهدد المنحرفين بمصير كمصير الذين كفروا في الماضي والحاضر ثم يكشف عن الدوافع التي تلهي عن الاعتبار لدى الغافلين ويصور حال المتقين مع ربهم والتجائهم إلى الله، وفي هذا القسم من الدرس يبين أن حقيقة التوحيد تستلزم مصداقاً لها من واقع الحياة البشرية وهو الإقرار بعبودية الله وحده وتحكيمه في شأن العباد كله واستسلامهم لإلههم وطاعتهم للقيوم عليهم واتباعهم لكتابه ورسوله (ص).
- الوقفة الثانية: إن الإسلام الذي هو الاستسلام والطاعة والإتباع لله وحده هو تحكيم منهج الله في أمر العباد كله وطاعتهم لما يحكم به واتباعهم لرسوله في منهجه.
- الوقفة الثالثة: إن شهادة الله بأنه لا إله إلا هو تعني أنه سبحانه لا يقبل من العباد إلا العبودية الخالصة له المتمثلة في الإسلام الذي يعني الاعتقاد والقول والعمل في أحكام دينه الذي يحويه كتابه وأما شهادة الملائكة وأولي العلم فهي متمثلة في طاعتهم لأوامر الله وحده والتلقي عنه وحده والتسليم بكل ما يجيئهم من عنده بدون تشكك ولا جدال تثبت لهم أنها من عند الله.
- الوقفة الرابعة: إن اختلاف أهل الكتاب ليس عن جهل بحقيقة الأمر فقد جاءهم العلم القاطع بوحدانية الله وتفرده بالألوهية وبطبيعة البشرية وحقيقة العبودية ولكنهم إنما اختلفوا (بغيا بينهم) واعتداء وظلما حينما تخلوا عن قسط الله وعدله التي تتضمنه عقيدته وشريعته وكتبه.
- الوقفة الخامسة: بعد التوضيح والتبيين لأهل الكتاب فلا عذر لهم عن الاعتراف بوحدة الألوهية ووحدة القوامة ووحدة الرسالة واتباع منهاجه ورسوله وتحكيم كتابه في جميع مجالات حياتهم الدنيوية والأُخروية.
- الوقفة السادسة:(فَإنْ حَآجُّوكَ….) في التوحيد وفي الدين (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ)، (أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) والتعبير بالإتباع له مغزى هنا فليس هو مجرد التصديق إنما هو الإتباع كما أن التعبير بإسلام الوجه ذو مغزى كذلك فليس هو مجرد النطق باللسان أو الاعتقاد بالجنان إنما هو كذلك الاستسلام استسلام الطاعة والإتباع وإسلام الوجه كناية عن هذا الاستسلام والوجه أعلى وأكرم ما في الإنسان فهي صورة الانقياد الطائع الخاضع المتبع المستجيب.
- الوقفة السابعة:(وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ) فهم سواء هؤلاء وهؤلاء المشركون وأهل الكتاب هم مدعوون إلى الإسلام بمعناه الذي شرحنا مدعون للإقرار بتوحيد الله ووحدة الألوهية ووحدة القوامة مدعون بعد هذا الإقرار إلى الخضوع لمقتضاه وهو تحكيم كتاب الله ونهجه في الحياة، (فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ) فالهدى يتمثل في صورة واحده هي صورة الإسلام بحقيقته تلك وطبيعته (وَّإِن تَوَلَّوْاْ….) فعند البلاغ تنتهي تبعية الرسول (ص) وكان هذا قبل الأمر بالتعامل مع الكفار بالخيارات الثلاثة: إما الإسلام أو الصلح بالخضوع لنظام الإسلام والبقاء على دينهم أو قتالهم، (وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد) يتصرف في أمرهم وفق بصره وعلمه وأمرهم إليه على كل حال.
الأحكام المستنبطة من آيات الدرس الخامس سورة آل عمران
- الحكم الأول: وجوب الإيمان بأن العلماء العاملين في أعلى سلم البشرية بعد الأنبياء والرسل قال تعالى (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ…).
- الحكم الثاني: وجوب الاعتقاد بأن الدين الإسلامي هو المعيار الوحيد لقبول أعمال العباد عند الله أو عدم قبوله وأن الاختلاف في أصوله غير مقبول ولا يجوز ويمكن يكون الخلاف في فروعه قال تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ).
- الحكم الثالث: أن إقامة العدل والأمر به واجب ابتداءً من داخل الأسرة وانتهاء بالدولة.