2024-12-19 8:50 م
إدارة الموقع
2024-12-19 8:50 م
تفسير سورة آل عمران

سورة آل عمران (الدرس الثاني)

حكم المتشابه في القرآن الكريم

سنتابع معكم في هذه السطور ايضا الدرس الثاني من آيات سورة آل عمران والتي جاءت تبيّن حكم المتشابه في القرآن الكريم

 التفسير والبيان سورة آل عمران

  • (آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ) آيات بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها ولا اشتباه من الأحكام بمعنى الاتقان يقال أحكمه اتقنه فاستحكم ومنعه من الفساد كحكمه حكماً وذلك لإحكام عبارتها عن احتمال التأويل والاشتباه ولمنع الخلق من التصرف فيها لظهورها ووضوحها في معانيها وإقامتها حجه من الله على عباده وعصمة لهم من الزيغ (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) أصله الذي يعّول عليه في الأحكام ويرجع اليه في الحلال والحرام ويرد إليه ما تشابه من الآيات وأشكل من معانيها وأم كل شيء أصله وعماده وقال الخليل: كل شيء ضم إليه سائر ما يليه يسمى في لغة العرب (أماً)
  • (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) المتشابه له عدة أقوال:
    • القول الأول: ما استأثر الله بعلمه كوقت الساعة والروح ….. (هذا قول الأحنف)
    • القول الثاني: ما لا يتضح معناه ألا بالنظر الدقيق وهو ما يشمل المجمل والمبهم ونحوه (هذا قول الشافعية)
    • القول الثالث: ما دل الدليل القاطع على أن ظاهره غير مراد ولم يقم دليل على تعيين المراد منه كآيات الصافات الأمثلة: الإستوى ،اليد ، القدم ، التعجب ، الضحك. والاشتباه هو ما اشبه كل واحد منها الآخر حتى التبسا .
  • (في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) ميل عن الاستقامة وانحراف عن الحق وطرح للقصد السوي
  • (ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ) الابتغاء الاجتهاد في الطلب والفتنه ما يدفع إليه الإنسان من شدة ،وابتغاء الفتنة طلب فتنة المؤمنين عن دينهم بالتشكيك والتلبيس واثارة الشبه ومناقضة المحكم بالمتشابه افتنوا اتباعهم الجهال بذلك
  • (وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ) وطلب تأويل الكتاب وتحريفه ،التأويل الباطل الذي يشتهونه، معنى التأويل يطلق على عدة معان :
    1. المعنى الأول: للتأويل التفسير كما يقول المفسرون تأويل هذه الآية كذا وكذا
    2. المعنى الثاني: معنى حقيقة الشيء وما يؤل اليه من الأَول وهو الرجوع الى الأصل ورد الشيء للغاية المراد منه ومنه قوله تعالى (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ)
  • (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) الثابتون المتمكنون فيه وهم الذين اتقنوا علمهم فلم يداخلهم فيه شك ولم تعرض لهم فيه شبهه قال الغزالي (أنما ينكشف للراسخين في العلم من اسرار القرآن بقدر غزارة علمهم وصفاء قلوبهم) وأصله في الأجرام أن يرسخ الجبل و الشجر في الأرض واستعمل في المعاني ومنه رسخ الإيمان في قلبه ثبت وأستقر فإذا فسر المتشابه بما استأثر الله بعلمه فالوقف على لفظ الجلالة ،وما بعده استئناف أي والراسخون في العلم يقولون آمنا به ويفوضون علمه الى الله سبحانه ، وإذا فسر بما لا يتضح معناه إلا بنظر دقيق فالحق الوقف على لفظ العلم أي أنه لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم دون أولئك الزائغين.

ويجوز الوقوف على لفظ الجلالة لأنه لا يعلمه كله إلا الله تعالى أو لا يعلمه في كنهه سواه واذا فسر بما قام الدليل القاطع على ان ظاهره غير مراد مع عدم قيام الدليل على تعيينه جاز الوقف والعطف عند من يجوز الخوض فيه وتأويله بما يرجع إلى الجادة في مثله وهم جمهور الخلف ووجب الوقف على لفظ الجلالة عند من يمنع الخوض فيه ويمنع تأويله وهم جمهور السلف.

ونقل ابن كثير أنه إذا أريد من التأويل المعنى الأول الذي اسلفناه فالوقف على لفظ العلم لأن الراسخون يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به وإن لم يحيطوا علماً بحقائق الأشياء على ما هي عليه وإذا أريد منه المعنى الثاني فالوقف على لفظ الجلالة لأن الحقائق لا يعلمها على الجلية إلا الله عز وجل.

الحكمة من انزال المتشابه على التفسير الأول الابتلاء به ليخضع العبد لسلطان الربوبية ويقر بالعجز والقصور وفي ذلك غاية التربية ونهاية المصلحة كما ابتلى الله سبحانه عباده لسائر التكاليف والعبادات.

وعلى التفسير الثاني وكذلك الثالث أن يشتغل أهل النظر والفقه في الدين برد المتشابه الى المحكم فيطول بذلك نظرهم ويتصل بالبحث عن معانيه فكرهم فيثابون على اجتهادهم كما أثيبوا على عباداتهم.

  • (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا) لا تملها على الحق والإيمان بك والتسليم لك وهو من قول الراسخين وقيل من كلامه تعالى أي قولوا ذلك.

 الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه

(أم) وردت على (4) أوجه

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى الأصل قال تعالى (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) (وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى) (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ)
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى المرجع والمصير قال تعالى {فَأُمُّهُ هَاوِيَة}
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى الوالدة قال تعالى (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ) (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا)
  4. الوجه الرابع: بمعنى من لها حق الاحترام والاجلال وعدم الجواز بالزواج بهن قال تعالى (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)

الدرس الأول: إثبات التوحيد وإنزال الكتاب

 وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى : أن الآيات المحكمات مثل قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا ….) [الأنعام:(151-153)، وقوله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ…..) وما بعدها من (23-26) الاسراء فهذه الآيات وغيرها وأمثالها تمثل أغلب القرآن في تبيان أحكام الفرائض وأصول الاعتقاد وأصول العبادات وأصول الأخلاق وأصول المعاملات والأمر والنهي والحلال والحرام كلها واضحه الدلالة على المعنى المراد ولا تحتمل أي معنى آخر هي أم الكتاب، أي اصل الكتاب وعماده ومعظمه وغيرها متفرعة عنها تابع لها فإن اشتبه علينا أية منها ردت إلى المحكم وحملت عليه كقوله تعالى في شأن عيسى (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ) يحمل على قوله تعالى {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيل}[الزخرف:59] وقال تعالى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون}[آل عمران:59]
  2. الوقفة الثانية: المتشابه مثل قوله تعالى (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ) (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) آل عمران [55]. وقوله عن ذاته تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:5] (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)الفتح[10] فهذه الآيات تحتمل عدة معان ويخالف ظاهر اللفظ منها المعنى المراد ، فربما وافقت المحكم وربما وافقت شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد.
  3. الوقفة الثالثة: أقسام متبعوا المتشابه أربعة اقسام:
    1. القسم الأول: هم الذين يتبعونه طلبا للتشكيك في القرآن وإضلال العوام وهؤلاء هم الزنادقة والقرامطة.
    2. القسم الثاني: هم الذين يتبعونه طلباً لاعتقاد ظواهر المتشابه كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما في الكتاب والسنه مما في ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن الله تعالى جسم مجسم.
    3. القسم الثالث: هم من يتبعونه على جهة ابداء تأويله وإيضاح معانيه وهؤلاء اختلفوا في جواز تأويله، فمذهب السلف ترك التعرض لتأويله مع قطعهم باستحالة ظواهرها ويؤمنون بها كما جاءت وهو الأولى ،ومذهب آخرين ابداء تأويلاتها وحملها على مقتضى اللسان العربي من غير قطع بتعيين ما أجمل منها.
    4. القسم الرابع: يكثرون السؤال عنها.
  4. الوقفة الرابعة: ومعنى المتشابه والمحكم هنا يختلف عن معناه في آيات أخرى فقد وصف القرآن كله بالمحكم في قوله تعالى (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) هود (1) والمراد أنه ليس فيه عيب وأنه كلام حق فصيح الألفاظ صحيح المعاني أحكم نظمه واتقن واشتمل على الحكمة، ووصف القرآن أيضاً بالمتشابه في قوله تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا) والمعنى أنه يشبه بعضه بعضا في الحسن والصدق والهداية والسلامة من النقائص والاختلاف كما قال تعالى (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)
  5. الوقفة الخامسة: أما الذين في قلوبهم زيغ ضلال وميل عن الحق إلى الباطل فيتبعون أهوائهم فيأخذون بالمتشابه الذي يتمسكون به ويمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة ويتركون المحكم الذي لا التباس فيه بقصد إيقاع الناس في الفتنه واضلالهم اتباعهم أيهاماً لهم أنهم يحتجون على مزاعمهم بالقرآن قال الرسول (ص) (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فحذروهم) رواه مسلم

الحكم المستنبط من الآيات في سورة آل عمران

وجوب الاعتقاد بأن آيات القرآن اكثرها محكم وبعضها متشابه وأن المتشابه لا يعلم المراد منه إلا الله باتفاق العلماء والمتمكنون من العلم على خلاف بين المفسرين لكن علمهم الله طريق العصمة من الزيغ في فهم المتشابه بدعائهم (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا….)( رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ) واما الزائغون فيتبعون ما تشابه منه.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى