تفسير سورة الأنعام
تفسير سورة الأنعام .. الدرس التاسع

سنواصل معكم في هذه المقالة دروس وتفسير سورة الأنعام وذلك من الآية الـ 40 وحتى الآية الـ 45 وسنوضح لكم أيضا أهداف الدرس، وأسباب النزول، والكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه وغيرها.
أهدف الدرس التاسع من سورة الأنعام
إبراز حجة الله على المشركين في اعترافهم بالله عند الشدائد وسيرجعون إليه يوم القيامة، خاضعين نادمين عما اقترفوه.
التفسير والبيان
- (42) (فَأَخَذْنَاهُمْ) فكذبوا رسلهم فانتقمنا منهم، (بِالْبَأْسَاء) وهي الفقر والضيق في المعيشة، (وَالضَّرَّاء) وهي الأسقام والعلل العارضة للأجسام، (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون) يتذللون لله تعالى ويتوبون من كفرهم من الضراعة وهي الذلة والهيئة المنبئة عن الإنقياد والطاعة.
- (43) (جَاءهُمْ بَأْسُنَا) أتاهم عذابنا.
- (44) (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) من النعم الكثيرة بدل البأساء والضراء إلزاماً للحجة واستدراجاً لهم وفي الحديث: (إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا وهو مقيم على معاصيه فإنما هو استدراج) رواه احمد والطبراني. (مُّبْلِسُون) آيسون من النجاة والرحمة من الإبلاس وهو اليأس والقنوط أو مكتئبون متحسرون.
- (45) (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ) آخرهم الذي يدبرهم والدابر: التابع من خلف والمراد أنهم استأصلوا بالعذاب استئصالا.
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(أخذ) وردت على (5) أوجه:
- الوجه الأول: وردت بمعنى العذاب قال تعالى (…فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء…) وقال تعالى (فَأَخَذَهُمُ اللّهُ) وقال تعالى (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى…) وقال تعالى (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد) وقال تعالى (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى القبول قال تعالى (قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي…) وقال تعالى (إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ…) وقال تعالى (وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ) وقال تعالى (وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) وقال تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الحبس قال تعالى (فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ) وقال تعالى (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ) وقال تعالى (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى القتل قال تعالى (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ…).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى الأسر قال تعالى (فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ…) وقال تعالى (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ).
وقفات مع آيات الدرس التاسع من سورة الأنعام
- الوقفة الأولى: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ…) لقد عرف الواقع البشري كثير من هذه الأمم التي قص القرآن الكريم على الإنسانية خبر كثيرً منها قبل أن يولد التاريخ الذي صنعه الإنسان فالتاريخ الذي سجله بنو الإنسان حديث المولد صغير السن لا يكاد يعي إلا قليل من التاريخ الحقيقي للبشر على ظهر هذه الأرض ولقد ابرز القرآن الكريم من الأمم التي أخذها الله بالبأساء والضراء ليرجعوا إلى أنفسهم لعلهم تحت وطأت الشدة يتضرعون إلى الله (وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون).
- الوقفة الثانية: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ…) يصور القرآن الأرزاق والخيرات والمتاع والسلطات متدفقة كالسيول بلا حواجز ولا قيود وهي مقبلة عليهم بلا عنا ولا كد ولا حتى محاولة إنه مشهد عجيب يرسم حالة في حركة على طريقة التصور القرآني العجيب (حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ) وغمرتهم الخيرات والأرزاق المتدفقة واستغرقوا في المتاع والفرح بها بلا شكر ولا ذكر (أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون) فكان أخذهم على غزة وهم في سهو ومكر فإذا هم حائرون منقطعوا الرجاء في النجاة عاجزون عن التفكير في أي نجاة
- الوقفة الثالثة: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ…) ودابر القوم هو آخر واحد منهم يدبرهم يجيء آخرهم فإذا قطع هذا فأوائلهم أولى (الَّذِينَ ظَلَمُواْ) هم الذين يشكرون مع الله غيره ويظلمون الناس، (وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين) تعقيب على استئصال الظالمين بعد هذا الإستدراج الإلهي والكيد المتين.
الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: الإعتقاد بوجود العناد لدى الكفار قال تعالى (وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) وهو دليلاً على الكفر والإصرار على المعصية متأثرين بالشيطان.
- الحكم الثاني: إن الإنعام على عبد أو أمة ليس دليل الرضاء عليهم وإنما إذا وجدت النعمة مع البقاء على المعصية كان ذلك دليل الإستدراج.
- الحكم الثالث: الإيمان بأن هلاك الأمم عبرة وعظة حتى لا يستشري الفساد.
- الحكم الرابع: وجوب ترك الظلم لما يؤدي إليه من العذاب الدائم.
- الحكم الخامس: وجوب حمد لله تعالى الذي يعاقب الظلمة حتى لا يدوم الفساد.