الإشارات الكونية في سورة الإسراء

جاءت الإشارات القرآنية لتبيان عدد من الحقائق الكونية الغائبة عن الناس، وقد وردت بتعبيرات دقيقة، شاملة ، جامعة، مفصلة، ومجملة تستحث حدس الإنسان بالتوجه نحو هذه الإشارات، وتقوده إلى إعمال العقل، والفكر، حيث أن تلك الإشارات محيط تستقي منه المعرفة الإنسانية كل ما غاب عن علمها عبر الزمان، والمكان، وتبقى هذه الإشارات الرافد الحقيقي للمعرفة الإنسانية، وبصيص النور الذي يقود الإنسان إلى اكتشاف، ومعرفة، وإدراك ما غاب عن إدراكه، وقد وردت مفرقة بين سور القرآن الكريم حسب مقتضى السياق، والإخبار، والأحداث، فهناك آيات كونية عديدة تضمنتها عدة سور، ففي سورة الإسراء إشارات يمكن إيجازها فيما يلي:
من الإشارات الكونية في سورة الأسراء
وردت في سورة الإسراء عدد من الآيات الكونية، لخصنا لكم أبرزها فيما يلي:
- الإشارة إلى آيتي الليل، والنهار _أي نورهما_ حيث كان الليل نيرِّاً، فمحى الله آية الليل، وجعل آية النهار مبصرة.
- الإشارة إلى ما وهب الله _سبحانه، وتعالى_ الماء من قدرات تمكنه من حمل الفلك في البحر بقانون الطفو.
- الإشارة إلى تسبيح كل شيء في هذا الوجود لله _تعالى_ ماعدا عصاة الجن، والأنس قال تعالى: ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ).
الإشارة الكونية في هذه الآية من سورة الإسراء
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا} [الإسراء:12]
*آية الليل، والنهار:-
الليل، والنهار آيتان كونيتان عظيمتان من آيات الله في الخلق، تشهدان بدقة بناء الكون، وانتظام حركة كل جرم فيه، وأحكام السنن الضابطة له، ومنها تلك السنن الحاكمة لحركات الأرض، والشمس، والتي تتضح بجلاء في التبادل المنتظم للفصول المناخية، والتعاقب الرتيب لليل، والنهار، وما يصاحب ذلك كله من دقة الأحكام البالغَين.
إضاءة السماء في ظلمة الليل كانت آية الليل ومحوها: هو حجبها عنا على الرغم من الظلام الشامل للكون، والذي لم يدركه الإنسان إلا بعد ريادة الفضاء منذ مطلع الستينات من القرن العشرين، وعلى الرغم من محدودية الحزام الرقيق الذي يري فيه نور النهار بسمك لا يتعدى المائتين كيلو متر فوق مستوى سطح البحر في نصف الكرة الأرضية المواجهة للشمس.
وقد لاحظ العلماء في سماء الأرض عدداً من الظواهر المنيرة في ظلمة الليل الحالك نورد منها
- ظاهرة توهج الهواء في طبقات الجو العليا: وهي عبارة عن نور باهت متغير ينتج عن عدد من التفاعلات الكيميائية في نطاق إحاطة المحيط بالأرض من ارتفاع 90 إلى ١٠٠٠ كم فوق مستوى سطح البحر، وهو نطاق مشحون بالإليكترونات مما يساعد على رجع الموجات الراديوية إلى الأرض.
- ظاهرة أنوار مناطق البروج: وتظهر على هيئة مخروط من النور الباهت الرقيق الذي يرى في جهة الغرب بمجرد غروب الشمس كما يرى في جهة الشرق قبل طلوعها بقليل؛ وتفسر تلك الأنوار بعكس ضوء الشمس غير المباشر، وتشتته على بعض الأجرام الكونية التي تعترض سبيله أثناء تحركها متباعدة عن الأرض، أو مقتربة منها.
- ظاهرة أضواء النجوم: وتصدر من النجوم في مواقعها المختلفة، ثم تتشتت في المسافات الفاصلة بينها حتى تصل إلى غلاف الأرض الغازي.
- ظاهرة الفجر القطبي، وأطباقه: وتعرف هذه الظاهرة أيضا باسم الأضواء القطبية أو باسم فجر الليل القطبي، وهي ظاهرة نورانية ترى بالليل في سماء المناطق القطبية، وحول القطبية.
من الدلالات العليمة في النص القرآني بسورة الإسراء
(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء:44]
ودلالة هذه الآية هي التسبيح، والذي ينقسم إلى قسمين: تسبيح فطري تسخيري، وتسبيح اختياري، وهما كالتالي:
أولاً: التسبيح الفطري التسخيري للملائكة:
الملائكة خلق غيبي من عباد الله المكرمين، ومن جنده المقربين، خلقهم الله تعالى من نور، وفطرهم على الطهر، والعصمة وعلى البراءة من بواعث الشهوات، ومن مبرات الغضب، ودواعي الحقد، والحسد، ولذلك فهم مواظبون على عباده الله، وتسبيحه، وحمده، وتقديسه، وطاعته، لا يفترون عن ذلك؛ وإلى جانب ذلك فهم يقومون بالاستغفار للمؤمنين الموحدين، وتبليغ رسالة الله إلى المصطفين من عباده من الأنبياء، والمرسلين بأمانة تامة، وقد ذكر القرآن تسبيح الملائكة في (٩) آيات ومن صوره، مايلي:
- التسبيح الفطري التسخيري للأحياء غير المكلفين: منذ فترة قصيرة أدرك المتخصصون في علم سلوك الحيوان أن للعديد من المخلوقات العليا مثل القردة، وغيرها من الحيوانات الأرضية، وأسود البحر، وغيرها من الحيوانات البحرية، والطيور، وغيرها من الحشرات، حيث أن القرآن الكريم قد أشار على أن كل خلق من خلق الله له قدر من الإدراك الخاص به، والذي يعينه على النطق بالكلام، والشعور بالإحساس؛ وعلى التفاهم مع أقرانه، وعلى معرفة خالقه، وعلى الخضوع له بالطاعة، والعبادة، والذكر، والتسبيح تسبيحا فطريا تسخيرا لا إرادة له فيه؛ ولكنه يدركه، ويعيه وأن هذا الإدراك الفطري يعين كل مخلوق أيضا على التميز بين العابدين الصالحين، والعاصيين المقصرين الأمثلة (الهدهد، ونملة سليمان).
- تسبيح أجساد الكائنات الحية: هو صورة من صور التسبيح الفطري التسخيري للجمادات، ومن أعجب الاكتشافات العلمية الحديثة أن الأحماض الأمينية: وهي للنبات الأساسية_ لها القدرة على ترتيب ذواتها ترتيبا يمينيا، أو يساريا، وأنها في جميع أجساد الكائنات الحية تترتب ترتيبا يساريا، ولكن الكائن الحي إذا مات فإن الأحماض الأمينية في بقايا جسده تعيد ترتيب ذراتها ترتيبا يمينيا بمعدلات ثابتة تمكن الدارسين من تقدير لحظة وفاة الكائن الحي بتقدير نسبة الترتيب اليميني إلى اليساري في جزيئات الأحماض الأمينية المكونة لأي فضلة عضوية متبقية عنه.
- تسبيح الذرات، والجزيئات، والعناصر والمركبات في صخور الأرض وجبالها: إن الجمادات -الجبال وصخورها والمعادن المكونة لتلك الصخور، والجزيئات، والذرات المكونة لتك المعادن، واللبنات الأولية المكونة لتلك الذرات- كلها يسبح الله تعالى بلغته وأسلوبه وطريقته الخاصة به، وقد أمكن الاستماع إلى أصوات ذبذبات اللبنات الأولية للمادة في الذرة؛ وقد ورد ذكر تسبيح الجبال في القرآن الكريم ضمنيا مع تسبيح كل شيء في السماوات، والأرض كما ورد مجدداً في آية الأنبياء (٧٩) والجبال تمر مع الأرض مر السحاب، وتتراوح معها في دورانها حول محورها، وتجري معها في مدارها حول الشمس؛ وقد ذكر القران تسبيح الرعد بحمد الله.
ثانياً/ التسبيح الإرادي الاختياري للمكلفين من عقلاء الأحياء من الأنس، والجن:
والتسبيح من العبادة، وتسبيح العقلاء المكلفين من الجن، والأنس: هو تسبيح إرادي اختياري يقوم به الصالحون منهم، ويحرم منه الكفار، والمنافقون، والمشركون.