معلمات وطبيبات المستقبل
كتبت: أ. فائدة شرف أحمد (موجهة تربوية _مديرة مدرسة أم هانئ سابقاً)

أكتب هذه السطور نيابة عن بنات جيلي من الطالبات اللواتي التحقن بالتعليم العام لأول مرة في حياتهن في مدرسة القرية (مدرسة السلام شرار بني يوسف) في الثمانينات من القرن الماضي بفضل من الله أولاً، ثم دعم وتشجيع الأستاذ محمد علي إسماعيل (رحمه الله) الذي بث في الناس التوعية بأهمية تعليم البنات وإلتحاقهن بمدارس التعليم في المنطقة، فنسأل الله أن يتقبل عمله هذا ضمن العلم الذي ينتفع به ويجعله في ميزان حسناته
معلمات وطبيبات المستقبل
سأكتب باختصار عن ذلك الدعم والتشجيع في مرحلتين :
- الأولى: عندما كنت طالبة في المدرسة.
- الثانية: عندما تعينت مديرة لمدرسة أم هانئ للبنات في قريتي شرار بني يوسف.
المرحلة الأولى:
- عندما كنت طالبة في المدرسة وذلك بعد افتتاح مدرسة السلام في القرية (قرية شرار بني يوسف) امتلأت المدرسة بالطلاب من القرية وكل القرى المجاورة، أما الطالبات فلم يلتحق بالمدرسة سوى عدد قليل جداً في تلك الفترة.
- فقام الأستاذ محمد علي بتوعية الناس بأهمية تعليم البنات وضرورة أن تأخذ البنات حقهن في التعليم مثل الأولاد، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، وهذا يشمل الذكر والأنثى بوجوب معرفة ما فرض الله من العقائد والعبادات أولاً، ثم استحباب دراسة العلوم النافعة للمسلم في شؤون الحياة تالياً.
- فبادر والدي حفظه الله بتسجيلي ومعي بنات عمي سلطان رحمه الله، ثم تزايد التحاق البنات بالمدرسة تدريجياً بعد ذلك.
- أتذكر أول موقف تشجيع لي من الأستاذ محمد علي حين قام بنقلي من الصف الأول إلى الصف الثاني الابتدائي، وكان شعوراً لا يوصف من الفرح والحماس للدراسة، (حيث درست منهج الصف الأول والثاني الابتدائي في عام واحد)
- كنا نتلقى الدروس مع الطلاب في نفس الفصول (حيث تم تخصيص الجزء الأخير من الفصل للطالبات) وهذا بسبب قلة عدد الطالبات، ولعدم وجود فصول دراسية خاصة بهن في تلك الفترة؛ ولهذا السبب كان حريصاً على متابعتنا في الفصل كل يوم (حيث خصص لنا دفاتر متابعة مع المدرسين)، وكان يتفقد سلوك الطلاب معنا، ويسألنا باستمرار عن أي مضايقات تحدث لنا في الفصل أو في المدرسة بشكل عام.
- طابور الصباح كان يتم للطلاب في ساحة المدرسة، أما الطالبات فكان يتم في فصل مغلق ( وكنت أقوم بإعداد برنامج الطابور الصباحي المخصص للطالبات فقط) وكان الأستاذ يحضر معنا ليتابع الفقرات ويوجهنا إلى تعديل بعض الأمور، والاستمرارية على النشاط والانضباط، وكان يقول لنا (أنتن اليوم طالبات وغداً باذن الله طبيبات ومعلمات)
- في نهاية المرحلة الابتدائية (الصف السادس الابتدائي) حضرت لجنة من مكتب التربية والتعليم بتعز لتوجيه المدرسين وتقييم مستوى الطلبة والطالبات في المدرسة، وكانت اللجنة تَمُر على جميع الفصول وتسأل وتناقش الطلاب، حتى وصلت اللجنة إلى فصلنا، وسأل موجه مادة العلوم أسئلة عن الجهاز الهضمي وطلب رسمه على السبورة .. فلم يقم أي طالب، فالتفت الموجه إلينا (وكان عددنا 11 طالبة ) وطلب منا نحن البنات الإجابة على السؤال والرسم على السبورة، فغلب الحياء جميع الطالبات، فتدخل الأستاذ محمد وكسر الحاجز النفسي وقال لنا (لا حياء في العلم ) وطلب مني الإجابة والرسم على السبورة ..
- فتقدمت وكتبت إجابة السؤال، ولما انتهيت من الرسم صفق الجميع تشجيعاً لي..
- حينها قال الموجه : بأن البنات ماشاء الله مجتهدات ومثابرات.
- تكرر مثل هذا الموقف في المرحلة الإعدادية حين زيارة الموجه الأستاذ عبد الواحد عبدالله نعمان رحمه الله الذي كان يعمل موجهاً لمادة اللغة العربية في ذلك الوقت.
- انتقلت إلى المرحلة الثانوية في نفس المدرسة، وكان الأستاذ محمد علي (في ذلك الوقت) قد انتقل إلى عمل إداري في قسم التوجيه بمكتب التربية والتعليم بالمديرية، وخلفه في إدارة المدرسة عمي الأستاذ سلطان أحمد رحمه الله، ولما وصلت إلى الصف الثالث الثانوي انتقلت للدراسة في معهد خديجة للمعلمات، وحصلت على شهادة الدبلوم العالي للمعهد.
المرحلة الثانية:
عندما تعينت مديرة لمدرسة أم هانئ للبنات في القرية، مع تزايد أعداد الطالبات الملتحقات بالمدرسة (مدرسة السلام) وانتقالهن من المدرسة الابتدائية والمتوسطة إلى المرحلة الثانوية نشأت فكرة فصل الطالبات عن الطلاب في فصول دراسية لوحدهن
وكان هذا الموضوع يحتل أهمية كبيرة لدى مجلس الآباء في المدرسة (الذي كان يرأسه والدي شرف أحمد حفظه الله)، وحانت الفرصة لتنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع عندما تابع الأستاذ محمد علي اعتماد (مدرسة أم هانئ للبنات) وأنشأ مبنى خاص للمدرسة، وتم تكليفي بإدارة المدرسة.
في البداية كنت متخوفة من هذا التكليف، لكن الأستاذ محمد خاطبني قائلا: “يا ابنتي أنتِ جديرة بهذا التكليف، ولديك القدرة على القيام بمهام إدارة المدرسة.. ولا تهتمي بأمور المتابعة في مكتب التربية فهناك من سيقوم بهذه المهمة”
وبالفعل تم تكليف أحد العاملين في قطاع التعليم من أبناء القرية (الأستاذ أحمد مقبل رحمه الله) بمتابعة كل الشؤون الإدارية للمدرسة لدى مكتب التربية والتعليم في المديرية والمحافظة (وهذه من صفات الأستاذ رحمه الله أنه عند تكليفك بأمر لا يتركك لوحدك؛ وإنما يساندك في كل المواقف ).
- بدأت عملي في إدارة مدرسة البنات مستعينة بالله، ثم مساندة والدي وعمي والأستاذ محمد علي، في حل كل العوائق ومتطلبات العمل أولاً بأول، وبفضل الله تزايدت أعداد البنات الملتحقات بالمدرسة في كل مراحل التعليم الأساسي والثانوي كون المدرسة خاصة بالبنات فقط.
- تفرغت لإدارة المدرسة طيلة 25 عاماً إلى أن انتقلت إلى مهمة إدارية أخرى في مجال التوجيه بقطاع التعليم وبالله التوفيق.