2024-12-19 9:18 م
إدارة الموقع
2024-12-19 9:18 م
تفسير سورة الأنعام

تفسير سورة الأنعام من الدرس السادس عشر وحتى الخامس والعشرين

تفسير وبيان آيات سورة الأنعام من الآية 68 حتى الآية 107 والتي قسمت إلى عدة دروس حسب المواضع والمواضيع التي تناولتها الآيات الكريمة وفيما يلي تجدون تفسير الآيات من الدرس السادس عشر وحتى الدرس الخامس والعشرين.

الدرس السادس عشر من سورة الأنعام

سوف يتناول هذا الدرس الآيات من (68 وحتى الـ 70) وبينت فيه الإعراض عن مجالس المستهزئين بالقرآن وعذابهم وبيان موقف الداعية من مجالس المستهزئين بالقرآن الكريم.

أهداف الدرس السادس عشر من سورة الأنعام

يهدف هذا الدرس إلى بيان موقف الداعية من مجالس المستهزئين بالقرآن الكريم

التفسير والبيان

  • (68) (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا) أي استهزاء وطعناً فيها وأصل الخوض العبور في الماء ثم استعير للأخذ بالحديث فقيل: تخاوضوا في الحديث أ يأخذوا فيه وأكثر ما يستعمل الخوض فيما كان على وجه اللعب والعبث والخطاب لكل من يتأتى مخاطبته أو للرسول (ص) والمراد به أمته.
  • (70) (غَرَّتْهُمُ) خدعتهم وأطمعتهم بالباطل (وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ) أي وذكر الناس بالقرآن أو بالحساب مخافة أن تسلم نفس إلى الهلاك أو تحبس أو ترتهن أو تفضح أو تحرم الثواب بسبب كفرها وذنوبها، من البسل بمعنى المنع بالقهر أو التحريم أو الحبس والرهن أو الإستسلام ومنه أسد باسل لمنعه فريسته من الإفلات وشراب بسيل أي متروك وهذا بسيل عليك أي محرم (وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ) وإن تفتدي تلك النفس بكل فداء لا يقبل منها ما تفتدي به. والعدل: الفداء وهو كقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ)، (أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ) أُسلموا إلى الهلاك أو بأحد المعاني السابقة للإبسال بسبب أعمالهم القبيحة، (حَمِيمٍ) ماء بالغ نهاية الحرارة يتجرجر في بطونهم وتنقع به أمعائهم.

الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه

(نفس) وردت على (7) أوجه

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى الإنسان قال تعالى (وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ…) وقال تعالى (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ…) وقال تعالى (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى مكون من مكونات الشخصية الإنسانية قال تعالى (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ…) وقال تعالى (وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى منكم قال تعالى (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ).
  4. الوجه الرابع: وردت بمعنى بعض قال تعالى (فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ) أقتلوا بعضكم بعضاً.
  5. الوجه الخامس: وردت بمعنى الروح قال تعالى (وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ).
  6. الوجه السادس: وردت معنى العقوبة قال تعالى (وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ).
  7. الوجه السابع: وردت بمعنى علم الغيب قال تعالى (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ).

أسباب النزول

سبب نزول الآية (68) (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا…) روى الطبراني عن سعيد بن جبير ومجاهد أنهما قالا في قوله تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَ…) الذين يكذبون بآياتنا.

وقفات مع آيات الدرس السادس عشر من سورة الأنعام

  1. الوقفة الأولى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا…) لقد كان هذا الأمر للرسول (ص) وأن يكون أمراً لمن وراءه من المسلمين فكان هذا الأمر بأن لا يجلس النبي (ص) في مجالس المشركين متى رأهم يخوضون في آيات الله ويذكرون دينه بغير توقير والمسارعة إلى ترك هذه المجالس، (وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ) بمجرد أن يتذكر أمر الله ونهيه وكان المسلمون كذلك مأمورين بهذا الأمر. والقوم الظالمون المقصود بهم هنا القوم المشركون كما هو التعبير الغالب في القرآن الكريم.
  2. الوقفة الثانية: (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ…) إن السياق يكرر المفاصلة بين المؤمنين والمشركين كما قررها من قبل بين الرسول (ص) وبين المشركين ويقرر اختلاف التبعة واختلاف المصير (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ…) فليست هناك تبعة مشتركة بين المتقين والمشركين فهما أمتان مختلفتان وإن اتحدتا في الجنس والقوم فهذا الا وزن له في ميزان الله ولا في اعتبار الإسلام إنما المتقون أمة والظالمون أمة وليس على المتقين شيء من تبعة الظالمين وحسابهم ولكنهم إنما يقومون بتذكيرهم رجاء أن يتقوا مثلهم وينضموا إليهم وإلا فلا مشاركة في شيء.
  3. الوقفة الثالثة: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا…) ونفهم من الآيات الأمور الآتية:
    1. الأول: أن الرسول (ص)والمسلمين أن يهملوا شأن الذين يتخذون دينهم هزواً ولعباً.
    2. من أمثلة الذين يتخذون دينهم هزواً ولعباً:
      • الذين يسخرون من الغيب.
      • الذين يستصغرون شأن الزكاة.
      • الذين يعتبرون الخلق والحياء والعفة يتنافى مع الإنفتاح.
      • الذين يعتبرون استقامة الأسرة مضادةً للتقدم.
      • الذين يعتبرون الأحكام التي تحافظ على عفة المرأة واستقامتها نوع من الأغلال 6- الذين يفصلون بين الدين والسياسة…
    3. ثانياً: أن الرسول (ص) والمسلمين مأمورون لابد أن يقوموا بنكيرهم إما لهدايتهم أو إقامة الحجة عليهم (وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ…) فكل نفس واحدة تبسل (أي ترتهن وتؤخذ) بما كسبت وليس لها من دون الله ولي ولا شفيع.
    4. ثالثاً: قوله تعالى في المشركين (الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا…) فهل هو دينهم ؟ إن النص ينطبق أيضاً على الذي دخل الإسلام ثم اتخذ دينه هذا هزواً ولعباً ويسمى هؤلاء منافقون.
    5. رابعاً: حدود مجالسة الظالمين بأنها لمجرد التذكير والتحذير.

الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: وجوب الإعراض عن مجالسة المستهزئين بالقرآن والنبي أو بأحكام الإسلام.
  2. الحكم الثاني: إذا علم الرجل من الآخر منكراً وعلم أنه لا يقبل منه نصحاً فعليه أن يعرض عنه.
  3. الحكم الثالث: ليس على المؤمنين من حساب المشركين والعصاة بعد نهيهم عن النكران.
  4. الحكم الرابع: الإستهزاء بالدين يعتبر كفر بالله.
  5. الحكم الخامس: لا يقبل في الآخرة فداء ولا شفاعة شفيع إلا بإذن الله.

الدرس السابع عشر من سورة الأنعام

هذا الدرس سيشمل تفسير الآيات من (71 حتى 73) وفيها بينت مزايا الإيمان بالله ومخازي المشركين..

أهداف الدرس السابع عشر من سورة الأنعام 

إبراز أهمية عبادة الله وحده ونبذ الشرك بجميع صوره وأشكاله.

التفسير والبيان

  • (71) (وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا)أي نرجع إلى الشرك الذي كنا فيه. يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها قد رد على عقبيه مثل رجع القهقرى، (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ) أنرد إلى الشرك ردًّاً مثل الذي ذهبت به المردة فالقتة في المهامة والقفار تائهاً ضالاً عن الجادة لا يدري ما يصنع له، رفقة تدعوه إلى الطريق المستقيم قائلة له: إئتنا، فلا يجيبهم والكلام من باب التمثيل (َأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ) أمرنا بأن نخلص العبادة.
  • (73) (وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ) وقضائه المعروف بالحقيقة كائن حين يقول سبحانه لشيء من الأشياء (كُن فَيَكُونُ) ذلك الشيء ويحدث (وَيَوْمَ) خبر مقدم (قَوْلُهُ) مبتدأ مؤخر (الْحَقُّ) صفة (فِي الصُّوَرِ) هو قرن ينفخ فيه الملك نفخة الصعق والموت، ونفخة البعث والنشور ،ولله أعلم بحقيقته واستقر الملك لله تعالى وحده في ذلك اليوم فلا ملك لسواه (وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه).

الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه

(ملك) وردت على (8) أوجه:

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى سلطان الله المطلق قال تعالى (قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ…).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى القدرة قال تعالى (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا…).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى الإمارة قال تعالى (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا…).
  4. الوجه الرابع: وردت بمعنى الملكية قال تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُون).
  5. الوجه الخامس: وردت بمعنى العمد قال تعالى (قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا…).
  6. الوجه السادس: وردت بمعنى عظم ما يعطي المؤمن بالجنة قال تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا).
  7. الوجه السابع: وردت بمعنى ملك اليمين قال تعالى (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ).
  8. الوجه الثامن: وردت بمعنى السلطان في الدنيا قال تعالى (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا…).

أسباب النزول:

سبب نزول الآية (71) (قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ…) قال السدي: قال المشركون للمسلمين اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد فأنزل الله الآية.

وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: (قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ…) قل لهم يا محمد مستنكراً ما هم عليه من دعوة غير الله والإستعانة به واسلام مقاليدهم لهواء الذين يدعونهم من دونه وهم لا يملكون نفعاً ولا ضراً سواء ما كانوا يدعونه وثناً أو صنماً أو روحاً أو ملكاً أو شيطاناً أو إنساناً فكلهم سواء في أنهم لا ينفعون شيئاً ولا يضرون فهم أعجز من الضر والنفع وكل حركة إنما تجري بقدر الله فما لم يأذن به الله لا يكون ولا يكون إلا قدره وما جرى به قضاؤه من الأمور فهو إرتداد على الاعقاب ورجوع إلى الوراء بعد التقدم والإرتقاء.
  2. الوقفة الثانية: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ…) إنه مشهد حي شاخص للضلالة والحيرة التي تنتاب من يشرك بعد التوحيد، ومن يتوزع قلبه بين الإله الواحد والآلهة المتعددة من العبيد، ويتفرق إحساسه بين الهدى والضلال، ولفظة الإستهواء لفظ مصور بذاته لمدلوله. ولكن هناك من الجانب الآخر اصحاب له مهتدون يدعونه إلى الهدى وينادونه (ائْتِنَا) وهو بين الإستهواء وهذا الدعاء (حَيْرَانَ) لا يدري أين يتجه ولا أي الفريقين يجيب، إنه العذاب النفسي يرتسم ويتحرك حتى ليكاد يحس ويلمس من خلال التعبير.
  3. الوقفة الثالثة: (وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ…) فالأصل الإستسلام لربوبية رب العالمين وسلطته وتربيته وتقويمه ثم تجي العبادة الشعائرية وتجيء الرياضات النفسية لتقوم على قاعدة الإستسلام، فإنها لا تقوم إلا إذا رسخت هذه القاعدة ليقوم عليها البناء (وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُون) إن الإستسلام لرب العالمين ضرورة وواجب، فهو الذي تحشر إليه الخلائق.
  4. الوقفة الرابعة: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ…) إن الإيقاع الأخير في الفقرة يحشد السياق والمؤثرات من الحقائق الأساسية في العقيدة: حقيقة الحشر وحقيقة الخلق وحقيقة السلطان وحقيقة العلم بالغيب والشهادة وحقيقة الحكمة والخبرة من خصائص الألوهية التي هي الموضوع الرئيسي في السورة.

 الأحكام المستنبطة من الآيات

دلت الآيات على ما يأتي:

  1. الثبات على الحق والهداية بعد معرفتهما والبعد عن الضلال والشرك بعد تفنيد ما فيهما من زيغ وانحراف.
  2. هدي الله في آياته القرآنية هو الهدى والحق والمسلم مأمور باتباع هدى الله.
  3. العبادة لا تكون إلا لمن يملك النفع والضر وهو الله وحده هو الخالق بحق.
  4. دل قوله تعالى (كُن فَيَكُونُ) على سرعة الخلق والتكوين وسرعة البعث والحساب.
  5. ومن دلالات الآيات المذكورات على أن الله هو المعبود بحق.
  6. أثبتت الآيات أن النفخ في الصور لإماتة الخلائق وبعثها.

الدرس الثامن عشر من سورة الأنعام 

هذا الدرس يشمل تفسير الآيات من (74 حتى 79) ووضحت الجدال بين ابراهيم عليه السلام وبين أبيه آزار.

أهداف الدرس الثامن عشر من سورة الأنعام

بيان بعض الوسائل التعليمية التي استخدمها نبي الله إبراهيم عليه السلام. 

التفسير والبيان

  1. (74) (آزَرَ) لقب لأبي ابراهيم عليه السلام المسمي (تارخ) أو هو اسم آخر له، (أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً) جمع صنم هو التمثال والوثن بمعنى واحد وهو الذي يتخذ من حجر أو خشب أو معدن على صورة أنسان أي تتخذها آلهة تعبدها من دون الله الذي خلقك ورزقك وهي لا تنفع ولا تضر ولا تستحق الألوهية بل هي مما تصنعون بأيديكم.
  2. (75) (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ…) أي كما أريناه الحق في خلاف ما عليه قومه من الشرك نريه ربوبيته تعالى وملكيته للسماوات والأرض والملكوت: الملك العظيم مصدر زيدت فيه الواو والتاء للمبالغة في الصفة كالرحموت من الرحمة وهو مختص بملكه تعالى كما ذكره الراغب.
  3. (76) (جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) ستره الليل وتغّشاه بظلمته ، وأصل الجن: الستر عن الحاسة ومنه الجن والجنة والجُنة وهي ما يتقي به المحارب ضربة قرنه والجَنة هي البستان الذي تستر بأشجاره الأرض، (قَالَ هَـذَا رَبِّي) قال هذا على سبيل الفرض وإرخاء العنان مجاراة مع عبادة الأصنام والكواكب ليكر عليه بالإبطال ويثبت أن الرب لا يجوز عليه التغيير والإنتقال وكذا يقال لما بعده، (فَلَمَّا أَفَلَ) غاب وغرب، (قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِين) لا أعبد الأرباب أو لا أحب عبادة المنقلبين من حال إلى حال ومن مكان إلى مكان.
  4. (77) (رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا) مبتدأ في الطلوع منتشر الضوء من البزوغ وهو الطلوع والظهور.
  5. (79) (لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) أي للذي أوجدهما وانشأهما على غير مثال سابق (حَنِيفًا) مائلاً عن الأديان الباطلة والعقائد الزائغة كلها إلى الدين الحق.

الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه

(جنن) وردت على (7) أوجه:

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى الستر قال تعالى (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا…).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى الجنة البستان في الدنيا قال تعالى (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ…).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى الجنة في الآخرة دار السلام قال تعالى (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ…).
  4. الوجه الرابع: وردت بمعنى الجن قال تعالى (لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين).
  5. الوجه الخامس: وردت بمعنى الجنون قال تعالى (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) وقال تعالى حاكياً عن المشركين (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُون).
  6. الوجه السادس: وردت بمعنى الجنين في بطن أمه قال تعالى (وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ…).
  7. الوجه السابع: وردت بمعنى جني الثمار قال تعالى (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَان) وقال تعالى (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا).

 وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ…) إنه مشهد رائع هذا الذي يرسمه السياق القرآني في هذه الآيات مشهد الفطرة وهي تنكر تصورات الجاهلية في الأصنام وتستنكرها وهي تنطلق بعد إذ نفضت عنها هذه الخرافة في شوق عميق دافع تبحث عن الإله الحق الذي تجده في ضميرها ولكنها لا تتبينه في وعيها وإدراكها ولكن هدى الله هو الذي يوصلها إلى الحقيقة.
  2. الوقفة الثانية: (أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً…) كلمة يقولها ابراهيم عليه السلام لأبيه بلطف ولين ولكن العقيدة فوق روابط الأبوة والبنوة وفوق مشاعر الحلم والسماحة وابراهيم هو القدوة التي أمر الله المسلمين من بنيه أن يتأسوا بها.
  3. الوقفة الثالثة: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ…) بمثل هذه الفطرة السليمة وهذه البصيرة المفتوحة وعلى هذا النحو من الخلوص للحق ومن انكار الباطل في قوة نري ابراهيم حقيقة هذا الملك (ملك السماوات والأرض) وتطلعه على الأسرار المكنونة في صميم الكون وتكشف له عن الآيات المبثوثة في صحائف الوجود بين قلبه وفطرته وموحيات الإيمان ودلائل الهدى في هذا الكون العجيب لينتقل من درجة الإنكار على عبادة الآلة الزائفة إلى درجة اليقين الواعي بالإله الحق.
  4. الوقفة الرابعة: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا…) إنها صورة لنفس ابراهيم وقد ساورها الشك بل الإنكار الجازم لما يعبد أبوه وقومه من الأصنام وقد باتت قضية العقيدة هي التي تشغل باله وتزحم عالمه صورة يزيدها التعبير شخوصاً بقوله (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) كأنما الليل يحتويه وحده وكأنما يعزله عن الناس حوله ليعيش مع نفسه وخواطره وتأملاته (فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ…) إنه يغيب عن هذه الخلائق فمن ذا يرعاها إذً، ومن ذا يدبر أمرها فإذً ليس رباً.
  5. الوقفة الخامسة: (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا…) وكما فعل مع الكوكب فعل مع القمر ثم فعل مع الشمس فإذا كان الكوكب يأفل والقمر يأفل والشمس تأفل عند إذاً يجد ابراهيم في نفسه المفاصلة الكاملة بينه وبين قومه في كل ما يعبدون من آلهة زائفة ويبرأ في حسم لا مواربة فيه من وجهتهم ومنهجهم وما هم عليه من الشرك ويتوجه إلى الله وحده فهو الإتجاه إلى فاطر السماوات والأرض الإتجاه الحنيف الذي لا ينحز إلى الشرك وهي الكلمة الفاصلة واليقين الجازم والإتجاه الأخير فلا تردد بعد ذلك ولا حيرة فيما تجلى للعقل من تصور مطابقة للحقيقة (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ…).

الأحكام المستنبطة من الآيات

ومن أجل إثبات ألوهية الله ناظر إبراهيم أربع مناظرات:

  1. الأولى: مناظرته مع أبيه (يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا) (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً…).
  2. الثانية: مناظرته مع قومه وهو قوله (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ).
  3. الثالثة: مناظرته مع ملك زمانه فقال (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ…).
  4. الرابعة: مناظرته مع الكفار بالفعل (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ…).

الدرس التاسع عشر من سورة الأنعام

هذه الآيات فيها تفسير من (الآية 80 حتى الآية 83) المحاجه بين ابراهيم وقومه.

أهداف الدرس التاسع عشر من سورة الأنعام 

إبراز الحق الذي يحمله إبراهيم والباطل الذي يحمله قومه.

التفسير والبيان

  • (80) (وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ) خاصموه في التوحيد (إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا) أي إلا وقت مشيئة ربي شيئاً من المكروه يصيبني من جهتها والاستثناء متصل بتقدير الوقت.
  • (81) (سُلْطَانًا) حجة وبرهان (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ) أي فأي الفريقين حقيقي بالأمن من عذاب الله يوم القيامة الذي عُبد من بيده النفع والضر أم الذي عُبد من لا يضر ولا ينفع بلا دليل ولا برهان.
  • (82) (وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) أي لم يخلطوا ايمانهم بشرك كما يفعل المشركون حيث يزعمون أنهم يؤمنون بالله وأن عبادتهم لغيره من اتمام إيمانهم وأحكامه لكونها من أجل التقرب والشفاعة.

الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه

(حجج) وردت على (2) وجهين:

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى الخصومة قال تعالى (وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ…) وقال تعالى (قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ…).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى البرهان قال تعالى (قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ…).

وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: (وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ…) إن الفطرة حين تنحرف تضل، ثم تتمادى في ضلالها وتتسع الزاوية ويبعد الخط من نقطة الإبتداء حتى ليصعب عليها أن تثوب وهؤلاء قوم ابراهيم عليه السلام يعبدون اصناماً وكواكب ونجوماً فلا يتفكرون ولا يتدبرون. هذه الرحلة التي تمت في نفس ابراهيم ولم يكن هذا داعياً لهم لمجرد التفكر والتدبر بل جاءوا يجادلونه ويحاجونه وهم على هذا الوهن الفطري في تصوراتهم وفي ضلالهم، ولكن ابراهيم المؤمن الذي وجد الله في قلبه وعقله ومن الوجود كله من حوله يواجههم مستنكراً في طمئنينة ويقين (قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا).
  2. الوقفة الثانية: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ…) إنه منطق المؤمن الواثق المدرك لحقيقة هذا الوجود، إنه إن كان أحد جدير بالخوف فليس هو ابراهيم وليس هو المؤمن الذي يضع يده في يد الله ويمضي في الطريق وكيف يخاف آلهة عاجزة كائنة ما كانت هذا الآلهة ولا يخافون هم أنهم أشركوا بالله مالم يجعل له سلطاناً ولا قوة من الأشياء والأحياء فأي الفريق أحق بالأمن الذي يؤمن بالله ويكفر بالشركاء أو الذي يشرك بالله مالا سلطان له ولا قوة أي الفريق أحق بالأمن لو كان لهم شيء من العلم والفهم.
  3. الوقفة الثالثة: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ…) الذين آمنوا وأخلصوا انفسهم لله لا يخلطون بهذا الإيمان شركاً في عبادة ولا طاعة ولا اتجاه. هؤلاء لهم الأمن وهؤلاء هم المهندون ، ولقد كانت هذه الحجة التي الهمها الله ابراهيم ليدحض بها حجتهم التي جاؤوا بها يجادلونه، وعندما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة الكرام وقالوا أينا لم يظلم نفسه فقال الرسول (ص) (ليس كما تظنون وإنما هو كما قال لقمان لأبنه (يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم) رواه ابن جرير.

الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: أن الله تعالى علم ابراهيم عليه السلام كل أنواع الحجج العقلية التي أفحم بها قومه وأبطل شبهاتهم ومزاعمهم بدليل قوله تعالى (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ…).
  2. الحكم الثاني: اعتقادنا بأن الأنبياء عليهم السلام قاموا بواجباتهم في الدعوة إلى الله لأثبات التوحيد وابطال الشرك.
  3. الحكم الثالث: إن المحاجة والجدال محمود كل منهما إذا كان يقصد به تقرير الدين الحق وهما مذمومان إذا كانا لتقرير الدين الباطل.
  4. الحكم الرابع: الإيمان بأن الله تعالى هو الذي رفع ابراهيم درجات بسبب أنه آتاه الحجة (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء).

الدرس العشرون من سورة الأنعام

هذا الدرس فيه تفسير الآيات من (84 حتى 90) ذكر الله تعالى في هذه الآيات عبده وخليله، إبراهيم عليه السلام، وذكر ما مَنَّ الله عليه به، من العلم والدعوة، والصبر، وذكر ما أكرمه الله به من الذرية الصالحة، والنسل الطيب.

أهداف الدرس العشرون من سورة الأنعام

عرض بعض الأنبياء والرسل والحث على الإقتداء بهداهم.

التفسير والبيان

  • (85) (وَإِلْيَاسَ) هو من اسباط هارون أخي موسى بن عمران عليهم السلام.
  • (87) (اجْتَبَيْنَاهُمْ) اصطفيناهم للنبوة.
  • (88) (لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون) أي لبطل وسقط عنهم.
  • (89) (وَالْحُكْمَ) أي القضاء بين الناس بالحق أو الحكمة: وهي علم الكتاب ومعرفة ما فيه من الأحكام أو الإصابة في القول أو العمل (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا) أي بهذه الثلاثة (هَـؤُلاء) أي أهل مكة (فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا) أي أعددنا ووفقنا للإيمان بها والقيام بحقوقها (قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِين) وهم أصحاب النبي (ص).
  • (90) (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) أي بطريقتهم من الإيمان بالله وتوحيده وأصول الدين اقتده دون فروع الشرائع القابلة للنسخ فإنهم يختلفون فيها فلا يمكن الإقتداء بهم فيها والهاء للسكتة.

 الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(هدي) وردت على (14) وجهاً:

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى الطريق التي سار عليها الرسل قال تعالى (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى البيان قال تعالى (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى الإسلام قال تعالى (إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيم).
  4. الوجه الرابع: وردت بمعنى الإيمان قال تعالى (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى…).
  5. الوجه الخامس: وردت بمعنى الداعي قال تعالى (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم).
  6. الوجه السادس: وردت بمعنى المعرفة قال تعالى (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون).
  7. الوجه السابع: وردت بمعنى الرسل والكتب قال تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى…).
  8. الوجه الثامن: وردت بمعنى الإرشاد قال تعالى (عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيل).
  9. الوجه التاسع: وردت بمعنى القرآن قال تعالى (وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى).
  10. الوجه العاشر: وردت بمعنى التوراة قال تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى…).
  11. الوجه الحادي عشر: وردت بمعنى الرجوع عن المعصية قال تعالى (أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون).
  12. الوجه الثاني عشر: وردت بمعنى سالكون قال تعالى (…وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُون).
  13. الوجه الثالث عشر: وردت بمعنى يصلح قال تعالى (وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِين).
  14. الوجه الرابع عشر: وردت بمعنى الإلهام قال تعالى (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى).

وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ…) في الآيات ذكر سبعة عشر نبياً ورسولاً (غير نوح وابراهيم) وإشارة إلى آخرين (وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ) والتعقيبات على هذا الموكب (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين) (وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِين) (وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم) وكلها تعقيبات تقرر إحسان هذا الرهط الكريم واصطفائه من الله وهدايته إلى الصراط المستقيم وذكر هذا الرهط على هذا النحو واستعراض هذا الموكب في هذه الصورة كلها تمهيد للتقريرات التالية: (ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء…) وهذا تقرير لينابيع الهدى في هذه الأرض فهدى الله للبشر يتمثل فيما جاءت به الرسل وينحصر للمستيقنين منه والذي يجب اتباعه في هذا المصدر هو هدى الله، وأنه هو الذي يهدي إليه ويختار من عباده من شاء.
  2. الوقفة الثانية: (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ…) وهذا هو التقرير الثاني فقرر في الأول مصدر الهدى وقصره على هدى الله الذي جاءت به الرسل، وقرر في الثاني: أن الرسل الذين ذكرهم والذي أشار إليها هم الذي آتاهم الله الكتاب والحكمة والسلطان والنبوة (وَالْحُكْمَ) يجي بمعنى الحكمة كما يجيء بمعنى السلطان كذلك، وكلا المعنيين محتمل في الآية وكلهم أوتي السلطان على معنى أن ما معه من الدين هو حكم الله وأن الدين الذي جاؤوا به يحمل سلطان الله على النفوس وعلى الأمور.
  3. الوقفة الثالثة: (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ…) وهو التقرير الثالث فهؤلاء الرهط الكرام الذين يقودون موكب الإيمان هم الذين هداهم الله وهداهم الذي جاءهم من عند الله فيه القدوة لرسول الله (ص) ومن آمن به فهذا الهدى وحده هو الذي يسير عليه وهذا الهدى وحده هو الذي يحتكم إليه وهذا الهدى وحده هو الذي يدعوا إليه ويبشر به قائلاً لمن يدعوهم: (لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا).
  4. الوقفة الرابعة: (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِين) لا يختص به قوم ولا جنس ولا قريب ولا بعيد، إنه هدى الله لتذكير البشر كافة ومن ثم فلا أجر عليه يتقاضاه وإنما أجره على الله سبحانه وتعالى.

الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: فهم الحكمة من جعل الأنبياء في الآية ثلاث أقسام:
    1. القسم الأول: داؤود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وهؤلاء جمعوا بين النبوة والرسالة وبين الحكم والنبوة فوصفهم بالمحسنين.
    2. القسم الثاني: زكريا ويحيى والياس، وهؤلاء امتازوا بالزهد في الدنيا فوصفهم الله بالصالحين.
    3. القسم الثالث: اسماعيل واليسع ويونس ولوط وهؤلاء لم يكونوا ملوكاً كالقسم الأول ولا زهاد كالقسم الثاني وإنما لهم أفضلية على العالمين في زمانهم.
  2. الحكم الثاني: أن الله قد ميز ابراهيم عليه السلام بالحوار والجدال: فيجادل أبوه آزر وجادل النمرود ملك زمانه وجادل قومه قولاً بإقامة الحجة عليهم وعملاً بتكسير الأصنام.

الدرس الواحد والعشرون من سورة الأنعام

عرض هذا الدرس تفسير الآية من (الـ 91 حتى الـ 92) وفيها إثبات النبوة وإنزال الكتب على الأنبياء.

أهداف الدرس الواحد والعشرون من سورة الأنعام

مهمة القرآن وبيان أهمية تقدير الله وتعظيمه.

التفسير والبيان

  • (91) (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما عظموا الله حق تعظيمه أو ما عرفوه سبحانه حق معرفته أي معرفته الحقة في اللطف بعباده والرحمة بهم ولم يراعوا حقوقه تعالى في ذلك، بل أخلوا بها إخلالاً عظيماً إذ أنكروا بعثة الرسل وإنزال الكتب. ومرادهم بذلك : الطعن في رسالته (ص) وأصل القدر معرفة المقداربالسبر والحزر ثم استعمل في معرفة الشيء على أتم الوجوه حتى صار حقيقة فيه (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ) أي أوراقاً مكتوبة مفرقة لتتمكنوا من إبداء ما تريدون إبداءه منها، وإخفاء الكثير منها ومنه نعوت محمد (ص) والقرطاس: ما يكتب فيه (قُلِ اللّهُ) أي قل: الله تعالى أنزله أو أنزله الله إن لم يجيبوك بأنه تعالى أنزل التوراة (فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُون).
  • (92) (مُبَارَكٌ) القرآن (أُمَّ الْقُرَى) مكة والمراد أهلها وسميت بذلك لأنها قبلة أهل القرى ومحجهم (وَمَنْ حَوْلَهَا) من أهل المشارق والمغارب لعموم بعثته (ص) للناس كافة.

 الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(قدر) وردت على (6) أوجه:

  • الوجه الأول: وردت بمعنى العظمة قال تعالى (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وقال تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر).
  • الوجه الثاني: وردت بمعنى ضيق قال تعالى (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ).
  • الوجه الثالث: وردت بمعنى القوة قال تعالى (أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَد).
  • الوجه الرابع: وردت بمعنى خلق قال تعالى (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى).
  • الوجه الخامس: وردت بمعنى جعل قال تعالى (قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ) وقال تعالى (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا).
  • الوجه السادس: وردت بمعنى يعلم قال تعالى (وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ).

أسباب النزول

  1. سبب نزول الآية (91) (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ…) قال محمد بن كعب القُرضي: أمر الله محمد (ص) أن يسأل أهل الكتاب عن أمره وكيف يجدونه في كتابهم فحملهم حسد محمد (ص) أن كفروا بكتاب الله ورسوله وقالوا ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله هذه الآية / اسباب النزول للواحدي.
  2. وقال ابن عباس (ض) (إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ) يعني مشركي قريش ورجح هذا /الزحيلي.

 وقفات مع آيات الدرس الواحد والعشرون من سورة الأنعام

  • الوقفة الأولى: (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ…) لقد كان المشركون في معرض العناد واللجج يقولون: إن الله لم يرسل رسولاً من البشر ولم ينزل كتاباً يوحي به إلى البشر بينما كان إلى جوارهم في الجزيرة أهل الكتاب من اليهود ولم يكونوا ينكرون عليهم أنهم أهل كتاب ولا أن الله أنزل التوراة على موسى (س) إنما كانوا يقولون ذلك القول في زحمة العناد واللجج ليكذبوا برسالة محمد (ص) لذلك يواجههم القرآن بالتنديد بقولتهم: (مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ) كما يواجههم بالكتاب الذي جاء به موسى من قبل.
  • الوقفة الثانية: (إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ…) وهذا القول الذي كان يقوله مشركو مكة في جاهليتهم، يقوله: أمثالهم في كل زمان ومكان ومنهم الذين يقولونه الآن ممن يزعمون أن الأديان من صنع البشر وأنها تطورت وترقت بتطور البشر وترقيهم، لا يفرقون في هذا بين ديانات هي من تصورات البشر أنفسهم كالوثنيات كلها قديماً وحديثاً ترتقي وتنحط بإرتقاء أصحابها وانحطاطهم ولكنها تظل خارجه عن دين الله كلها قديماً وحديثاً، وبين ديانات جاء بها الرسل من عند الله وهي ثابتة على أصولها الأولى جاء بها كل رسول فتقبلتها فئة وعتت عنها فئة ثم وقع الإنحراف عنها والتحريف فيها فعاد الناس إلى جاهليتهم في انتظار رسول بذات الدين الواحد حتى جاء محمد بن عبدالله برسالة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يده ولا من خلفة تنزيل من حكيم حميد.
  • الوقفة الثالثة: (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ…) إنها سنة من سنن الله أن يرسل الرسل وأن ينزل عليهم الكتب وهذا الكتاب الجديد الذي ينكرون تنزيله هو كتاب مبارك وصدق الله فإنه والله مبارك ، مبارك بكل معاني البركة… إنه مبارك في أصلة، باركه الله وهو ينزله من عنده، ومبارك في محله الذي علم الله أنه له أهلاً (قلب محمد الطاهر الكريم الكبير) (أنزله على قلبك…) ومبارك في حجمه ومحتواه فإن هو إلا صفحات قلائل بالنسبة لضخام الكتب التي يكتبها البشر ولكنه يحوي من المدلولات ما لا تحتويه ملايين من الكتب الضخام.
  • الوقفة الرابعة: (مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ…) فهو يصدق ما بين يديه من الكتب التي نزلت من عند الله في صورتها التي لم تحرف فيما حرفته المجامع وقالت إنه من عند الله وهو يصدقها لأنها جاءت بالحق الذي جاء به في أصول العقيدة وفي أصول العبادات وفي أصول الأخلاق وفي أصول المعاملات.

 الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: وجوب تعظيم الله ومن مقتضى تعظيمه الإعتراف بإنزاله الكتب السماوية على رسله.
  2. الحكم الثاني: الواجب على العلماء اظهار جميع ما علموه من أحكام الله ويحرم عليهم اظهار بعضها وكتمان البعض.
  3. الحكم الثالث: الإعتقاد بأن القرآن كتاب مبارك كثير الخير والعطاء.
  4. الحكم الرابع: الإيمان بعموم رسالة محمد (ص) للجن والإنس.
  5. الحكم الخامس: الإيمان بالآخرة من أصول الدين.

الدرس الثاني والعشرون من سورة الأنعام

هذا الدرس شمل شرح تفسير من الآية ( 93 حتى الـ 94) وبينت فيه الآيات افتراء الكذب على الله وعقابه.

أهداف الدرس الثاني والعشرون من سورة الأنعام

بيان أن أعظم الكذب على الله هو أن تجعل لله نداً وهو خلقك.

التفسير والبيان

  • (93) (فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) شدائده وسكراته جمع غمرة وهي الشدة وأصلها الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها ثم استعمل في الشدائد والمكاره (أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ) أي قائلين لهم أخرجوا أرواحكم وهو كناية عن العنف في السياق والإلحاح والتشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال وجواب (لو) مقدر أي رأيت أمراً فضيعاً هائلاً (عَذَابَ الْهُونِ) الهوان والذل.
  • (94) (وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ) أي ما اعطيناكم وملكناكم في الدنيا من الأولاد والأموال والخدم وجئتمونا فرادى، والخَوَل: ما اعطاه الله من النعم وملكها الإنسان (لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) لقد تقطع الإتصال الذي كان بينكم في الدنيا واضمحل ففاعل تقطع ضمير يعود إلى الإتصال المدلول عليه بلفظ (شركاء) وبينكم منصوب على الظرفية وقرئ بالرفع أي لقد تقطع وصلكم، وبين مصدر يستعمل في الوصل وفي الفراق بالإشتراك.

 الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(خرج) وردت على (3) أوجه:

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى الخروج من الداخل قال تعالى (وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ…).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى الأجر قال تعالى (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ…).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى الجعل قال تعالى (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا…).

 أسباب النزول

  1. سبب نزول الآية (93) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا…) أخرج ابن جرير الطبري عن عكرمة (وَمَنْ أَظْلَمُ) قال نزلت في مسيلمة الكذاب (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله …) قال نزلت في عبدالله بن سعد ابن أبي السرح كان يكتب للنبي (ص) فيملي عليه (عزيز حكيم) فيكتب (غفور رحيم) ثم يقرأ عليه فيقول : نعم سواء فرجع عن الإسلام ولحق بقريش.
  2. سبب نزول الآية (94) (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى…) أخرج ابن جرير وغيره عن عكرمة قال: قال: النضر بن الحارث سوف تشفع لي اللات والعزى فنزلت الآية.

وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا…) الذين يفترون على الله الكذب أو يدعون أنهم أوحي إليهم إدعاء لا حقيقة له أو يزعمون أنهم مستطيعون أن يأتوا بمثل هذا القرآن. مشهد هؤلاء الظالمين الذين لا يقاس إلى ظلمهم هذا الظلم وهم في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم إليهم بالعذاب ويطلبون أرواحهم وقد تركوا كل شيء ورائهم وضل عنهم شركائهم.
  2. الوقفة الثانية: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ…) وجزاء الإستكبار والعذاب المهين وجزاء الكذب على الله هذا التأنيب الفاضح وكله مما يضفي على المشهد ضلال مكروباً تأخذ بالخناق من الهول والكئابة والضيق.
  3. الوقفة الثالثة: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى…) فما معكم إلا ذواتكم مجردة كذلك تلقون ربكم أفراداً لا جماعات كما خلقكم أول مرة أفراداً ينزل أحدكم من بطن أمه فرداً عرياناً أجرد غلبان.
  4. الوقفة الرابعة: (وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ…) تركتم كل شيء من مال وزينة وأولاد ومتاع وجاه وسلطان كله هناك متروك وراءكم ليس معكم شيء منه ولا تقدرون منه على قليل أو كثير.
  5. الوقفة الخامسة: (وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ…) هؤلاء الذين كنتم تزعمون أنهم يشفعون لكم في الشدائد وكنتم تشركونهم في حياتكم وأموالكم وتقولون إنهم سيكونون عند الله شفعائكم فأين ذهب الشركاء والشفعاء (لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ…) تقطع كل شيء كل ما كان موصولاً كل سبب وكل حبل (وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُون) وغاب عنكم كل ما كنتم تدعونه في شتى الدعاوي ومنها أولئك الشركاء ومالهم من شفاعة عند الله أو تأثير في عالم الأسباب.

الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: الاعتقاد على أن قبض أرواح الكافرين في منتهى الشدة والعنف وأما قبض أرواح المؤمنين فيكون في سهولة ويسر.
  2. الحكم الثاني: الإيمان بأن الأموال وما يملكه الإنسان من نعم الدنيا لا تنفعه إذا لم يكن قد سخرها وفق منهج الله.
  3. الحكم الثالث: الإعتقاد بأن أي شفيع لم يأذن له الله بالشفاعة لا ينفع وأن الشفاعة تطلب من الله.
  4. الحكم الرابع: الإيمان بأن المعبودات من دون الله لا تملك النفع ولا الضر لأنفسها ولا لغيرها.

الدرس الثالث والعشرون من سورة الأنعام

هذا الدرس يحوي تفسير الآيات من (الـ 95 حتى الـ 99) وتحدث عن قدرة الله الباهرة في الكون وحكمته. 

أهداف الدرس الثالث والعشرون من سورة الأنعام

عرضت الآيات بعض مظاهر قدرة الله الباهرة وحكمته

 التفسير والبيان

  • (95) (إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى) شروع في ذكر دلائل كمال القدرة والعلم والحكمة الإلاهية بعد تقرير دلائل التوحيد والنبوة (وفالق) أي شاق يشق الحبة اليابسة كالحنطة فيخرج منها النبات الأخضر النامي ويشق النواة اليابسة فيخرج منها النخلة والشجر النامية (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) أي يخرج ما ينمو من الحيوان والنبات مما لا ينمو كالنطفة والحبة (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) أي النطفة والبيضة من الحيوان وهي معطوفة على فالق (فَأَنَّى تُؤْفَكُون) فكيف تصرفون عن عبادته، وتشركون ما لا يقدر على شيء من فعلة.
  • (96) (فَالِقُ الإِصْبَاحِ) الإصباح: مصدر سمي به الصبح، أي شاق ظلمة الليل بالصبح وهي الغبش في آخر الليل الذي يلي الفجر المستطيل الكاذب عن بياض النهار فيضيء الوجود ويضمحل الظلام ويذهب الليل بسواده ويجيء النهار بضيائه (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا) يسكن إليه من يتعب بالنهار ويستأنس به لإسترواحه فيه (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا) أي يجريان في الفلك بحساب مقدر معلوم لا يتغير ولا يضطرب حتى ينتهيا إلى أقصى منازلهما بحيث تتم الشمس دورتها في السنة ويتم القمر دورته في الشهر، وبذلك تنتظم المصالح المتعلقة بالفصول الأربعة وغيرها، والحسبان: مصدر حسبت المال حسباً أحصيته عدداً.
  • (98) (أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) من آدم عليه السلام وهو تذكير بنعمة أخرى فإن رجوع الناس إلى أصل واحد أدعى إلى التواد والتراحم (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) فلكم موضع مستقر في الأرحام وموضع استيداع في الأصلاب وقرأ (مستقر) بكسر القاف أي فمنكم مستقر في الأرحام.
  • (99) (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا) أي أخرجنا من النبات الذي لا ساق له نبات غض أخضر وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة وخضر بمعنى أخضر (نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا) أي سنابل فيها الحب يركب بعضه بعضا كما في الحنطة والشعير وسائر الحبوب (وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ) والطلع أول ما يبدو ويخرج من ثمر النخل كالكيزان وقشره يسمى الكّفُّرى (بمعنى كافور النخيل والعنب) وما في داخله يسمى الإغريض لبياضه (البَرَد) والقنوان العراجين وهو العذق وهو للتمر بمنزلة العنقود للعنب (دَانِيَةٌ) متدلية أو قريبة من يد المتناول (وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ) عطف على (نبات) أي وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب (مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ) أي بعضه متشابه في الهيئة واللون والطعم وغير ذلك مما يدل على كمال قدرة الله الصانع كما قال تعالى (يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ) [الرعد:4] (وَيَنْعِهِ) وانظروا إلى حال نضجه وإدراكه نظر استدلال واستبصار كيف يعود شيئا قوياً بعد الضعف، جامعاً لمنافع شتى مصدر (يَنعَت) الثمر كأينعت تَينَعُ وتِينَع ينعاً ويُنوُعاً إذا نضجت.

الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(نشأ) وردت على (3) أوجه:

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى خلق قال تعالى (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ…) وقال تعالى (وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِين) وقال تعالى (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء) وقال تعالى (هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ…) وقال تعالى (كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِين).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى يتربى في الزينة قال تعالى (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ…).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى أقوم قال تعالى (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً).

 وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: (إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى…) إنها المعجزة لا يدري سرها أحد فضلاً عن أن يملك صنعها أحد معجزة الحياة نشأة وحركة وفي كل لحظة تنفلق الحبة الساكنة عن نبتة نامية وتنفلق النواة الهامدة عن شجرة صاعدة والحياة الكاملة في الحبة والنواة النامية في النبتة والشجرة سر مكنون لا يعلم حقيقته ومصدره إلا الله ومن البدأ أخرج الله الحي بتحول الذرات الميتة إلى مواد عضوية حية تدخل في كيان الأجسام الحية في كل لحظة فكيف تصرفون عن هذا الحق الواضح للعقول والقلوب والعيون.
  2. الوقفة الثانية: (فَالِقُ الإِصْبَاحِ…) إن فالق الحب والنوى هو فالق الإصباح أيضاً وهو الذي جعل الليل للسكون وجعل النهار للمعاش، وجعل الشمس والقمر محسوبة حركتهما مقدر دورتهما مقدر ذلك كله بقدرته التي تهيمن على كل شيء ويعلمه الذي يحيط بكل شيء.
  3. الوقفة الثالثة: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا…) تتمة لمشهد الفلك الدائر بشمسة وقمره ونجومه تتمة لعرض المشهد الكوني الهائل والرائع مرتبطاً بحياة البشر ومصالحهم واهتماماتهم من الاهتداء بالنجوم في ظلمات البر والبحر أو ظلمات التصور والفكر بفتح أسرار الآفاق والأنفس،
  4. الوقفة الرابعة: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ…) إنها اللمسة المباشرة في هذه المرة اللمسة في ذات النفس البشرية الواحدة الموحدة للكنة والحقيقة في الذكر والأنثى تبدأ الحياة فيها خطواتها الأولى للتكاثر بالخلية الملقحة فنفس هي مستودع لهذه الخلية في صلب الرجل ونفس هي مستقر لها في رحم الأنثى ثم تأخذ الحياة في النمو والإنتشار بألوانها وأجناسها ولغاتها وشعوبها وقبائلها وقد فصل الله هذا في القرآن لمن يفقه هذه الآيات فينتفع بها.
  5. الوقفة الخامسة: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء…) ودور الماء الظاهر في انبات كل شيء دور واضح يعلمه البدائي والمتحضر ويعرفه الجاهل والعالم ولكن دور الماء في الحقيقة أخطر وابعد مدى من هذه الظاهرة الذي يخاطب بها القرآن الناس عامة فقد شارك الماء ابتداء (بتقدير الله) في جعل تربة الأرض السطحية صالحة للإنبات ثم ظل الماء يشارك في إخصاب هذه التربة (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا) وكل نبات يبدأ أخضر وهذه النبتة الخضراء (نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا) كالسنابل وأمثالها (وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ) وقنوان جمع قنو وهو الفرع الصغير وفي النخلة أو هو العذق الذي يحمله التمر (وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ) هذا النبات كله بفصائله وسلالاته مشتبها وغير متشابه (انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) انظروا بالحس البصير والقلب اليقظ انظروا إليه في ازدهاره وازدهائه عند كمال نضجه انظروا إليه واستمتعوا بجماله وطعمه وطعامه لتشكروا الله عز وجل وتقووا ايمانكم بقدرته وعظمته ورحمته.

الأحكام المستنبطة من الآيات

تضمنت الآيات خمسة أنواع من الأدلة على وجود الله الصانع وعلمه وحكمته وقدرته:

  1. النوع الأول: مأخوذ من دلالة أحوال النبات والحيوان (فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى…).
  2. النوع الثاني: مأخوذ من الأحوال الفلكية وهذا دليل على قدرة الله (فَالِقُ الإِصْبَاحِ…).
  3. النوع الثالث: ظاهرة سماوية فإن الله خلق النجوم لمنافع العباد (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا…).
  4. النوع الرابع: الإستدلال بأحوال الإنسان خلق البشر من نفس واحدة.
  5. النوع الخامس: مأخوذ من طريقة الإنبات وتنوع النبات واختلاف أصناف الفواكه والثمار وهو انزال المطر من السماء لإنبات ما ذكر في الآية.

الدرس الرابع والعشرون من سورة الأنعام

بين هذا الدرس تفسير الآيات من (الـ 100 حتى الـ 103) ووضحت االمزاعم المنسوبة إلى الله (الجن والولد والصاحبة) كونه لا تدركه الإبصار.

أهداف الدرس الرابع والعشرون من سورة الأنعام

  1. رد مزاعم المشركين مما ينسبونه إلى الله.
  2. اعتبار عبادتهم بناء على هذا المعتقد باطلة واشراك مع الله غيره.
  3. إثبات عجز البشر عن إدراك الذات الإلهية.

 التفسير والبيان

  1. (100) (وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ) شروع في بيان جحودهم في معاملتهم مع خالقهم بعد أن منّ عليهم بالإيجاد وبما يحتاجون إليه في المعاش أي وجعلوا الجن شركاء لله تعالى في الألوهية والعبادة وقد خلقهم من العدم، فكيف يجعل المخلوق شريكاً للخالق؟ والمراد بهم الملائكة حيث عبدوهم وقالوا: هن بنات الله ، وأطلق عليهم جن لإستتارهم أو المراد الشياطين ، حيث أطاعوهم في عبادة غير الله تعالى من الأصنام والطواغيت (وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ…) واختلقوا وافترو له سبحانه بنين وبنات يقال خرق الكذب يخرقه صنعه وأصل الخرق قطع الشيء على سبيل الفساد من غير تدبر ولا تفكر، وذلك كما أفترى بعض أهل الكتاب أن عزير ابن الله وأن المسيح ابن الله ، فالمشركون واليهود والنصارى سواء في الافتراء على الله بغير علم سبحان الله عما يصفون.
  2. (101) (بَدِيعُ) مبدع ومخترع (أَنَّى يَكُونُ) كيف أو من أين يكون؟
  3. (102) (وَكِيل) رقيب ومتولي
  4. (103) (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) لا تحيط بعظمته وجلاله على ما هو عليه أبصار الخلائق في الدنيا والآخرة أو تدركه الأبصار إدراك احاطه بكنهه وحقيقته، فإن ذلك محال. والإدراك بهذا المعنى أخص من الرؤية التي هي مجرد المعاينة، فنفيه لا يقتضي نفي الرؤية إذ نفى الأخص لا يقتضي نفي الأعم فأنت ترى القمر ولا تدرك حقيقته، ولذلك أثبت أهل السنة رؤية المؤمنين له تعالى في الآخرة كما قال تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة) [22-23] القيامة، وذهب بعض السلف إلى أن الآية مخصوصة بالدنيا (وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) أي وهو يدرك القوة التي تدرك بالمبصرات ويحيط بها علماً إذ هو خالق القوى والحواس.

الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه

(شرك) وردت على (3) أوجه:

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى الشرك بالله تعالى قال تعالى (وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ…) وقال تعالى (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا…) وقال تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ…).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى الشرك في الطاعة من غير عبادة قال تعالى (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا…).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى الرياء قال تعالى (وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).

وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: (وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ…) وقد عرفت الوثنيات المتعددة في الجاهليات المتنوعة أن هناك كائنات شريرة تشبه فكرة الشياطين وخافوها سواء كانت أرواحاً شريرة أو ذوات شريرة وقدموا لها القرابين اتقاء شرها ثم عبدوها، والوثنية العربية واحدة من هذه الوثنيات التي وجدت فيها هذه التصورات الفاسدة في صورة عبادة الجن واتخاذهم شركاء لله ، والسياق القرآني يواجههم بسخف هذا الإعتقاد يواجههم بكلة واحدة (وَخَلَقَهُمْ) .
  2. الوقفة الثانية: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ…) إن الذي يبدع هذا الوجود إبداعاً من العدم هل تكون حاجته إلى الخلق؟ ويتكئ السياق في مواجهتهم على حقيقة الخلق لنفي كل ظل للشرك فالمخلوق لا يكون أبداً شريكاً للخالق وحقيقة الخالق غير حقيقة المخلوق كما يواجههم بعلم الله المطلق الذي لا تقابله منهم إلا أوهام وظنون (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم).
  3. الوقفة الثالثة: (ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ…) إن تفرد الله سبحانه بالخلق يفرده بالملك والمتفرد بالخلق والملك يتفرد كذلك بالرزق فهو خالق خلقه ومالكهم فهو كذلك يرزقهم من ملكه الذي ليس لأحد شرك فيه فإذا تقررت هذه الحقائق (الخلق والملك والرزق) تقررت ضرورة وحتماً أن تكون الربوبية والألوهية له سبحانه وتعالى.
  4. الوقفة الرابعة: (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ…) يعّقب السياق على هذا الوصف الذي لا تملك لغة البشر أن تشرحه أو تصفه بقوله (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ…) فهذا الذي جاء من عند الله بصائر والبصائر تهتدي وتهدي (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ) فإنما يجد الهدى والنور وليس وراء ذلك إلا عمى.

الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: دلت الآية (وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ…) على أنواع المشركين:
    • عبدة الأصنام.
    • عبدة الكواكب.
    • من يعتقد أن للعالم إلآهين إله الخير وإله الشر.
  2. الحكم الثاني: إبطال الشرك والشركاء لله والواحد الأحد.

الدرس الخامس والعشرون من سورة الأنعام

بينت فيه تفسير الآيات من (الـ 104 حتى الـ 107) وذلك عن مبصرات الوحي وقدرة الله على منع الشرك.

أهداف الدرس الخامس والعشرون من سورة الأنعام 

عرض أدلة صدق الرسالة والرسول.

بيان أن مهمة محمد عليه الصلاة والسلام هي التبليغ والإنذار لا القسر والإكراه ولا الرقابة على أعمال الناس.

التفسير والبيان

  1. (104) (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ) هي آيات القرآن وحججه التي يهتدون بها إلى الحق جمع بصيرة وهي للقلب بمنزلة البصر للعين فهي النور الذي يبصر به القلب، كما أن البصر هو النور الذي تبصر به العين واطلاق البصائر على هذه الآيات من اطلاق اسم المسبّب على المسبّب (وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظ) برقيب أحصى عليكم أعمالكم وإنما الله هو الذي يحصيها عليكم ويجازيكم عليها.
  2. (105) (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ) أي وكما فصلنا الآيات الدالة على التوحيد في هذه السورة تفصيلاً بديعاً محكماً نفصل الآيات ونبينها في كل موطن لتلزمهم الحجة (وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ) أي قرأت الكتب على أهل الكتاب ثم جئتنا تزعم أنه من عند الله والدرس كثرة القراءة وتذليله للحفظ وأصله من درس الحنطة يدرسها درساً ودراساً إذا داسها كأن التالي يدوس الكلام فيخف على لسانه وقرأ (دارست) أي قارأت أهل الكتاب من المدارسة بين الأثنين أي قرأت عليهم وقرأوا عليك.
  3. (106) (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين) لا تعتد بأقوالهم الباطلة التي من جملتها ما حكى عنهم آنفاً ولا تبال بها.

الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(بصر) وردت على (3) أوجه:

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى الحجة والبرهان قال تعالى (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ…).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى البصر بالقلب قال تعالى (فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى البصر بالعين قال تعالى (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) وقال تعالى (فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا…).

وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ…) فهذا الذي جاء من عند الله بصائر والبصائر تهتدي وتهدي وهذا بذاته بصائر تهدي فمن أبصر فلنفسه فإنما يجد الهدى والنور وليس وراء ذلك إلا العمى فمن يبقى على الضلال بعد هذه الآيات والبصائر إلا أعمى معطل الحواس مغلق المشاعر مطموس الضمير ويوجه الله النبي (ص) أن يعلن براءته من أمرهم ومغبته (وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظ).
  2. الوقفة الثانية: (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ…) إن الله يصرف آياته على هذا المستوى الذي لا عهد للعرب به لأنه ليس نابعاً من بيئتهم كما أنه ليس نابعاً من البيئة البشرية على العموم فينتهي هذا التصريف إلى نتيجتين متقابلتين في البيئة:
    • فأما الذين لا يعلمون فسيختلقون الكذب ويقولون درست هذا يا محمد مع أهل الكتاب وتعلمته منهم.
    • وأما الذين يعلمون حقاً فإن تصريف الآيات على هذا النحو يؤدي إلى بيان الحق لهم فيعرفونه (وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون) فتقع المفاصلة بين قوم مبصرين يعلمون وقوم عمي لا يعلمون.
  3. الوقفة الثالثة: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ…) فيصدر الأمر العلوي للنبي (ص) أن يتبع ما يوحى إليه وأن يعرض على المشركين ولا يلتفت لأقوالهم المتهافت ولا يشغل باله بتكذيبهم وعنادهم ولجاجهم فإن الله لو شاء أن يلزمهم الهدى لألزمهم ولو شاء أن يخلقهم ابتداء لا يعرفون إلا الهدى كالملائكة لخلقهم ولكنه سبحانه خلق الإنسان بهذا الإستعداد للهدى والضلال وتركه يختار طريقه ويلقى جزاء الإختيار في حدود المشيئة المطلقة التي لا يقع في الكون إلا ما تجري به ولكنها لا ترغم انساناً على الهدى أو الضلال، وخلقه على هذا النحو لحكمة يعلمها وليؤدي دوره في هذا الوجود كما قدره الله له باستعداداته هذه وتصرفاته (وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ).
  4. الوقفة الرابعة: (وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا…) وهذا التوجيه لرسول الله (ص) يحدد المجال الذي يتناوله اهتمامه وعمله كما يحدد هذا المجال لخلفائه وأصحاب الدعوة لدينه في كل زمان ومكان لكي لا يعلق صاحب الدعوة قلبه وأمله وعمله بالمعرضين عنها.

الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: الاعتقاد بأن الإنسان إذا أبصر الحق وآمن بدعوة الإسلام والقرآن فلنفسه وإياها نفع ومن عمي عنه فعلى نفسه الويل وإياها ضر.
  2. الحكم الثاني: وجوب تبليغ دعوة الله على الرسول (ص) وكل الدعاة من بعده.
  3. الحكم الثالث: الأمر بالإعراض عن المعاندين عند القيام بالدعوة إلى الله.

اقرأ أيضا .. تفسير سورة الأنعام من الدرس السادس والعشرين وحتى الأربعين 

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى