تفسير سورة محمد
سورة محمد (الدرس الخامس)
ونتابع معكم بهذه المقالة الدرس الخامس لــ سورة محمد والتي جاءت في الآيات من (25-32) وكشفت حال المنافقين عند قبض أرواحهم وذكرت المؤمنين بحكمة الجهاد في سبيل الله
أولاً/ أهداف الدرس الخامس سورة محمد:
- موقف المنافقين بطاعتهم للذين كرهو ما أنزل الله.
- إبراز اتباعهم لما اسخط الله وكرههم رضوانهم.
ثانياً/ التفسير والبيان:
- (25) (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم) رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والضلال وهم المنافقون، (مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) بالدلائل الواضحة والمعجزات الظاهرة، (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُم) زين لهم إرتدادهم من التسويل وهو التزيين والتسهيل لما يحرص عليه وتصوير القبيح منه بصورة الحسن، (وَأَمْلَى لَهُم) أمدهم بالأماني والآمال وأسباب الغواية والضلال من الإملاء وهو الإبقاء ردحاً من الزمن أي برهة منه وقرئ (أملى) بالبناء للمفعول ولهم نائب الفاعل والجملة مستأنفة أي أمهلوا ومد في أعمارهم.
- (26) (ذَلِكَ) إرتدادهم (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنهم (قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا…) لبني قريضة وبني النظير من اليهود الكارهين لنزول القرآن على النبي (ص) مع علمهم بأنه من عند الله حسداً وطمعاً بنزوله على أحد منهم، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُم) إخفائهم ما يقولون.
- (27) (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلاَئِكَةُ…) فكيف تكون حالهم إذا توفتهم الملائكة وهم يضربون وجوههم وظهورهم بمقامع من حديد فاستخرجت أرواحهم بالعنف والشدة.
- (28) (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ…) ذلك التوفي على هذه الصورة بسبب أنهم اتبعوا ما أغضب الله من الكفر والنفاق وعصيان الأمر وكرهوا العمل بما يرضيه من الإيمان والجهاد وسائر الطاعات فأبطل أعمالهم.
- (29) (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ…) بل أحسب هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم حقد وعداوة للمؤمنين أن لن يظهر الله أحقادهم الشديدة للرسول (ص) والمؤمنين فتبقى مستورة والاستفهام للإنكار، والأضغان جمع ضغن وهو الحقد الشديد وأصل الكلمة من الضغن وهو الالتواء والإعوجاج في قوائم الدابة.
- (30) (فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ) بعلامات تسِمهم بها، (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) أسلوب من اساليبه المائلة عن الطريق المعروفة كأن يعدل عن ظاهرة من التصريح إلى التعريض والإبهام وكان المنافقون يصطلحون بينهم على ألفاظ يخاطبون بها الرسول (ص) مما ظاهره حسن ويريدون به القبيح ومما ظاهره الإتباع وهم بخلاف ذلك فلحنه بالكسر فهمه ويقال فَهِمته من لحن كلامه وفحواه ومعاريضه بمعنى واحد.
- (31) (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) ولنعاملنكم معاملة المختبر بالأمر بالجهاد ونحوه من التكاليف الشاقة، (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ) علمً شهودياً يشهده غيرنا مطابقاً لما تعلمه علماً غيبياً فيستخرج منكم ما جبلتم عليه مما لا يعلمه أحد منكم أو علماً يتعلق به الجزاء، (وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُم) ونظهرها ونكشفها.
- (32) (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) عادوه وخالفوه وهم بنو قريضة وبنو النظير أو قوم نافقوا بعد الإيمان أو المطعمون يوم بدر وأصل المشاقة أن تصير في شق غير شق صاحبك.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:
(دبر) وردت على (6) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الرجوع إلى ما كانوا عليه من الكفر والضلال قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم…).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الظهر قال تعالى (فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَار).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى عقيب الشيء قال تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُود).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الغروب قال تعالى (وَإِدْبَارَ النُّجُوم).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى ذهب قال تعالى (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَر).
- الوجه السادس: وردت بمعنى التفكر والتأمل قال تعالى (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ…).
رابعاً/ أسباب النزول آيات الدرس الخامس سورة محمد:
سبب نزول الآية (32) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ…) قال ابن عباس (ض) هم المطعمون يوم بدر.
خامساً/ وقفات مع آيات الدرس الخامس سورة محمد:
- الوقفة الأولى: من قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا…) التعبير يرسم معنى رجوعهم عن الهدى بعد ما تبين لهم في صوره حركة حسية حركة الإرتداد على الأدبار ويكشف ما ورائها من وسوسة الشيطان وتزيينه واغوائه والسبب في ذلك (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ…) لأنهم استجابوا لوسوسة الشيطان واطاعوه وأطاعوا أتباعه من اليهود فلا يمكن الجمع بين طاعة الله ورسوله وطاعة الشيطان وأتباعه وأوليائه.
- الوقفة الثانية: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُم) إذا كان الله يعلم اسرار المنافقين فأين يذهب تأمرهم واسرارهم وماذا يؤثر وهو مكشوف لعلم الله معرّض لقوة الله؟
- الوقفة الثالثة: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلاَئِكَةُ…) فهو مشهد مفزع مهين وهم يحتضرون ولا حول لهم ولا قوة وهم في نهاية حياتهم في هذه الأرض ومستهل حياتهم الأخرى وضربهم في أدبارهم مقابل إدبارهم عن الهدى والحق الذي جاء به محمد (ص).
- الوقفة الرابعة: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ…) فهم الذين أرادوا لأنفسهم هذا المصير بسبب اتباعهم لكل ما اغضب الله من النفاق والمعاصي وتأمرهم مع أعداء الإسلام ووقوفهم ضد الحق.
- الوقفة الخامسة: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ…) لقد كان المنافقون يعتمدون على اتقانهم فن النفاق والقرآن يسفه ظنهم أن هذا الأمر سيظل خافيا ويهددهم بكشف حالهم وإظهار أضغانهم على المسلمين فإن كان القرآن يكشف حال المنافقين وكذلك المواقف والأحداث في عهد الرسول (ص) فليوم المواقف والأحداث وحدها تكشف حال المنافقين وما يبطنون من النفاق.
- الوقفة السادسة: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ…) إن الله يطلع على حقائق النفوس ومعادنها ويعلم خفاياها ويعلم ما يكون من أمرها علمه بما هو كائن فعلاً فما هذا الإبتلاء ولمن يكون العلم من ورائه بما يكشف عنه؟ فإن الإبتلاء بالسراء والضراء وبالنعماء والبأساء وبالسعة والضيق وبالفرج والكرب كلها تكشف عما هو مخبئ من معادن النفوس وما هو مجهول من أمرها للناس ولأصحابها أما الله فهو يعلم ذلك قبل الكشف عنها بأمور مادية يراها الناس.
- الوقفة السابعة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ…) إنه قرار من الله مؤكد ووعد منه واقع أن الذين كفروا ووقفوا في وجه الحق أن يبّلغ إلى الناس وصدوا الناس عنه بالقوة والمال والخداع وشاقوا الرسول في حياته أو بعد وفاته بمحاربة دينه وشريعته ومنهاجه والمتبعين لسنته والقائمين على دعوته أن هؤلاء لن يضروا الله شيئاً فهم أضعف وأحقر من أن يضروا الله شيئاً (وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُم) فتنتهي إلى الخيبة والدمار كما تنتهي الماشية التي ترعى من النبات السام وهذا ما يبرز في كل زمان ومكان لمن يريد الإعتبار.
سادساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات:
- الحكم الأول: الإعتقاد بأن كل من ظهرت له الدلائل على صحة عقيدة الإسلام وشريعته ولم يؤمن بها فهو ممن زين له الشيطان سوء عمله وخطاياه.
- الحكم الثاني: الإيمان بأن الله فضح كيد الكافرين ضد الإسلام والمسلمين ويكشف ذلك لفضحهم.
- الحكم الثالث: معرفة ما يلقاه من يسخط الله ويكره رضوانه عند الإحتضار من ضرب الوجوه والأدبار.
- الحكم الرابع: الإعتقاد بأن ميدان الحياة ميدان اختبار لجميع الناس ويتحدد المصير على ضوء النجاح أو الفشل في الإختبار.