تفسير سورة محمد
سورة محمد (الدرس السادس)

في الدرس السادس لــ سورة محمد من الآية (33-38) بيّنت الآيات في تأكيد الحثّ على الجهاد في سبيل الله والتزهيد في الدنيا
أولاً/ أهداف الدرس السادس سورة محمد:
- بيان حقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة.
- إبراز أهمي الجهاد في سبيل الله.
ثانياً/ التفسير والبيان:
- (33) (وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم) بالنفاق أو الرياء أو المن بالإسلام أو بالعجب.
- (35) (فَلاَ تَهِنُوا) لا تضعفوا عن قتال الكافرين الذين يصدون عن سبيل الله، (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) لا تدعوهم إلى الصلح والمسالمة خوراً وإظهاراً للعجز، (وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ) في الحجة الأغلبون بقوة الإيمان، (وَاللَّهُ مَعَكُمْ) بنصره وتأييده، (وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُم) لن ينقصكم أجور أعمالكم، ويستعمل الوتر بمعنى القتل والسلب ومحل النهي عن الدعوة إلى الصلح مع الكفار إذا لم تكن بالمسلمين حاجة بهما وإلا جاز الجنوح إلى السلم وهو مجمل قوله تعالى (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) الأنفال (61).
- (36) (لَعِبٌ وَلَهْوٌ) باطل وغرور لا ثبات لها ولا الإعتداد بها فكيف تمنعكم عن طلب نعيم الآخرة والسعي إليه.
- (37) (إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ) فيجهدكم بطلبها كلها، (تَبْخَلُوا) بها فلا تعطوها والإحفاء والإلحاف: المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء يقال أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئاً من الإلحاح وأحفى شاربه استأصله وأخذه أخذاً متناهياً وأصله من أحفيت البعير جعلته حافياً أي منسجح الخف من المشي حتى يرق، (وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُم) ويظهر أحقادكم لمزيد حبكم للمال.
- (38) (وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ) يبخل عن داعي نفسه لأن البخل فيه معنى المنع والإمساك ومعنى التضييق على من منع عنه المعروف فعدى (بعن) بالنظر للأول وب(على) بالنظر للثاني.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:
(سلم) وردت على (11) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الصلح قال تعالى (فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الإخلاص قال تعالى (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الإقرار قال تعالى (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الإسلام قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى اسم من أسماء الله قال تعالى (…السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ).
- الوجه السادس: وردت بمعنى الاستقرار والأمن قال تعالى (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ).
- الوجه السابع: وردت بمعنى اسم من اسماء الجنة قال تعالى (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ).
- الوجه الثامن: وردت بمعنى خيراً قال تعالى (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا).
- الوجه التاسع: وردت بمعنى الثناء قال تعالى (سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِين).
- الوجه العاشر: وردت بمعنى السلامة من الشر قال تعالى (اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا).
- الوجه الحادي عشر: وردت بمعنى التحية قال تعالى (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً).
رابعاً/ أسباب النزول آيات الدرس السادس سورة محمد:
سبب نزول الآية (33) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ…) أخرج ابن أبي حاتم قال: كان أصحاب رسول الله (ص) يقولون أنه لا يضر مع (لا إله إلا الله) ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل فنزلت الآية فخافوا أن يبطل الذنب العمل.
خامساً/ وقفات مع آيات الدرس السادس سورة محمد:
- الوقفة الأولى: في الآية (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ…) تنبيه من الله للمؤمنين وتحذير من أن يعملوا أعمالاً تبطل أعمالهم الصالحة مثل عصيان أوامر الله ورسوله كأوامر الجهاد والدعوة إلى الله وكذلك يحذرهم من النفاق والشرك واجتناب الكبائر قال تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء).
- الوقفة الثانية: في الآية (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ…) أن الله يحذر عباده جميعاً بأن الذي يكفر بالله ويصد عن سبيله ويستمر على ذلك دون توبة فإنه لن يغفر له ذلك أبدا فإذا بلغت الروح الحلقوم فلا توبه ولا مغفرة فقد ذهبت الفرصة التي لا تعود.
- الوقفة الثالثة: في الآية (فَلاَ تَهِنُوا…) تحذر المؤمنين من أن تستثقل عليهم تكاليف الجهاد الطويل ومشقته الدائمة وتهن عزائمهم دونها ويرغبون في السلم والمهادنة ليستريحوا من مشقات الجهاد فالتربية الإسلامية تعالج هذا القصور وهذه الخواطر إن وجدت وقد نجحت في شد العزائم وإضعاف بعض الرواسب السلبية التي قد توجب في بعض النفوس وتحديد مكانة المؤمنين في وسط المجتمعات وأنتم الأعلون ومعية الله مؤيدة وناصرة ومثبته ومقوية للعزائم وكما نشد عزائم المؤمنين نهون من شأن هذه الحياة الدنيا التي قد يسبب حبها بعض الوهن عند البعض.
- الوقفة الرابعة: في الآية (إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ…) إن الحياة الدنيا تكون كبيرة وعظيمة إذا كانت لها غاية يعمل المؤمن لتحقيقها تدفعه ليعمل أعمالاً عظيمة وترفع مكانته في الجنة قال رسول الله (ص) (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض)رواه البخاري. وتكون الحياة لعب ولهو وتفاخر بينكم إذا كانت بدون غاية ولا هدف وإن الإيمان والتقوى في الحياة الدنيا هو الذي يخرجها عن أن تكون لعباً ولهو ويطبعها بطابع الجد ويرفعها عن مستوى المتاع الحيواني إلى مستوى الخلافة الراشدة المتصلة بالملأ الأعلى.
- الوقفة الخامسة: في الآية (إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا…) إن ما يبذله المؤمن المتقي من عرض هذه الحياة الدنيا ليس ضائعاً ولا مقطوعاً فعنه ينشأ الأجر الأوفى في الدار الأبقى ومع هذا فإن الله لا يسأل الناس أن يبذلوا أموالهم كلها ولا يشق عليهم في فرائضه وتكاليفه لعلمه سبحانه بشح نفوسهم فطرة وخلقه.
- الوقفة السادسة: في الآية (هَاأَنتُمْ هَؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ…) فإن الله يواجه المؤمنين بواقع حالهم تجاه دعوتهم إلى البذل في سبيل الله ويعالج شح النفوس بالمال وبالوسائل القرآنية كما عالج شحها في ذات النفس عند الجهاد.
- الوقفة السابعة: (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء) إن ما يبذله المؤمنون ما هو إلا رصيد لهم مذخور يجدونه يوم يحتاجونه يوم المحشر مجردين من كل ما يملكون فلا يجدون إلا ذلك الرصيد المذخور وأما الله فهو الغني عن كل المخلوقات.
- الوقفة الثامنة: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) إن اختبار الله لكم لحمل دعوته تكريم ومن وعطاء فإذا لم تنهضوا بتكليف هذه المكانة فإن الله يسترد ما وهب ويختار غيركم لهذه المهمة ممن يقدر فضل الله.
سادساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات:
- الحكم الأول: إن المؤمنين مأمورين على الدوام بلزوم الطاعة لأوامر الله ورسوله الواردة في القرآن والسنة.
- الحكم الثاني: إن الوفاة على الكفر توجب الخلود في النار.
- الحكم الثالث: لا تجوز الدعوة إلى السلم والمصالحة أو المهادنة تذللاً وإظهار للضعف ما دام المسلمون اقوياء.
- الحكم الرابع: من استغل الحياة الدنيا لعبادة الله وطاعته سواءً العبادة الشعائرية أو العبادة الوظيفية في بناء الحياة الدنيا والآخرة فتكون لها قيمة ووزن ومن لم يستغلها فتصبح لعباً ولهو وضياع.
- الحكم الخامس: أمر الله المؤمنين بالإنفاق في سبيل الله بقدر طاقاتهم ولا يجوز لهم أن يبخلوا بما في وسعهم.
- الحكم السادس: وجوب تحمل المسؤولية في إدارة الحياة بجد واجتهاد وبذل المال والجهد في تحقيق ذلك.