تفسير سورة التوبة (من الدرس الأول حتى الرابع)
أولاً/ أهداف سورة التوبة
تهدف سورة التوبة مع سورة الأنفال إلى ما يلي:
- إبراز العلاقات الدولية وأحكام السلم والحرب
- توضيح أحوال المؤمنين والكفار والمنافقين
- بيان أحكام المعاهدات والمواثيق ففي الأنفال الوفاء بها وفي التوبة نبذها
ثانياً/ متى نزلت سورة التوبة
نزلت هذه السورة بجملتها في العام التاسع للهجرة على الأرجح، وقد نزلت على ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى منها كانت قبل غزوة تبوك في شهر رجب من هذا العام
- المرحلة الثانية كانت في أثناء الاستعداد لهذه الغزوة وفي أثنائها
- المرحلة الثالثة كانت بعد العودة منها
أما مقدمة السورة من أولها إلى نهاية الآية (28) منها فقد نزلت متأخرة في نهاية السنة التاسعة قبيل موسم الحج هذا ما يمكن ترجيحه.
ثالثاً/ ما تضمنته سورة التوبة
تضمنت هذه السورة الأحكام النهائية للعلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم من الأمم كما تضمنت تصنيف المجتمع المسلم ذاته وتحديد قيمة ومقاماته وأوضاع كل فئة من فئاته.
والأحكام التشريعية في القرآن والسنة منها أحكاماً مرحلية وأحكام نهائية فعندما تفهم هذه الأحكام المرحلية على ضوء الأحكام النهائية تعطي تصورً واضحاً وإنزال كل حكم على الواقع بصورة دقيقة لا يحدث لبس ولا اشكال وعندما يقع الخلط بين الأحكام المرحلية مع الأحكام النهائية يحدث اللبس والإشكال في الفهم.
كانت هذه السورة سورة الحسم الكامل لأوضاع غير المسلمين وربما كانت أخطر سورة حشدت جيش الإيمان وأعدته للمعركة الفاصلة النهائية بين المسلمين وغيرهم سواء في داخل الدولة بتصفية جذور النفاق والقضاء على مكر اليهود. وفي الخارج التصدي لغطرسة الروم في غزوة تبوك وإرهابهم وجمدت تحركاتهم مما أدى إلى استقرار الدولة الإسلامية.
رابعاً/ مقاطع سورة التوبة
- المقطع الأول: من أولها إلى ختام الآية (28) تتضمن تحديد العلاقات النهائية بين المسلمين والمشركين عامة في الجزيرة العربية مع إبراز الأسباب الواقعية والتاريخية والعقدية التي يقوم عليها هذا التحديد.
- المقطع الثاني: الآيات من (29-37) فقد تضمن تحديد العلاقات النهائية بين المجتمع المسلم وأهل الكتاب عامة مع بيان الأسباب العقدية والتاريخية والواقعية التي تحتم هذا التحديد وتكشف كذلك عن طبيعة الإسلام وحقيقته المستقلة وعن انحراف أهل الكتاب عن دين الله الصحيح عقيدة وسلوكاً.
- المقطع الثالث: يبدأ بالنعي على المتثاقلين الذين دعوا إلى التجهز للغزوة فتثاقلوا إلى الأرض وتكاسلوا عن النفير وهؤلاء ليسوا كلهم من المنافقين وإنما وجد من المؤمنين من تثاقلوا ثم فزعوا بعد ذلك وبقي المنافقون على تثاقلهم وتكاسلهم.
- المقطع الرابع: من (42-101+ 107-110) يتضمن فضح المنافقين وأفعالهم في المجتمع المسلم ووصف أحوالهم النفسية والعملية ومواقفهم المتخاذلة والمعادية للرسول (ص) وأصحابه والتآمر وبث الفتنة والفرقة في صفوف المسلمين.
- المقطع الخامس: من (102-106) ويحتوي على تصنيف المجتمع المسلم إلى:
- السابقين من المهاجرين والأنصار وهم صلب المجتمع
- الأعراب وفيهم المخلصون والمنافقون من المدينة وآخرون خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
- وطائفة مجهولة الحال ومتآمرون يتسترون باسم الدين كما تضمن كيفية التعامل مع الفئات المذكورة.
- المقطع السادس: يتضمن تقرير البيعة الإسلامية مع الله على الجهاد في سبيلة وطبيعة هذا الجهاد وحدوده والواجب حياله.
الدرس الأول من الآية (1-6) في سورة التوبة
الدرس الأول لسورة التوبة من الآية 1 حتى الآية الـ7 وهذه تفسيرها والدروس المستفاد منها:
أولاً/ التفسير والبيان
سورة التوبة وتسمى سورة براءة وتسمى الفاضحة لأنها فضحت المنافقين ولم تكتب في أولها البسملة لعدم أمره (ص) بكتابتها إذ لم ينزل بها جبريل عليه السلام والأصل في ذلك التوقيف وقيل أنها هي والأنفال سورة واحدة.
- (1) (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ…) لما خرج الرسول (ص) إلى تبوك جعل المشركون ينقضون العهود التي كانت بينه وبينهم فأمره الله بنبذ عهودهم كما قال تعالى (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء) الأنفال (58) ففعل الرسول (ص) ما أُمر به أي هذه براءة واصلة من الله ورسوله إلى المشركين بسبب خيانتهم بنكث العهود التي كانت بينه وبينهم وأصل البراءة التباعد والتغّضي مما يكره مجاورته يقال برأ منه يبرأ براءة إذا تخلص منه وتباعد عنه ويقال برئ إذا أعذر وأنذر أي هذا أعذارً وإنذارً إلى الذين عاهدتم من المشركين.
- (2) (فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ولكي لا ينسب إلى المسلمين الغدر ونبذ العهود دون إعلان وإنذار أمهل الناكثون مدة أربعة أشهر يباح لهم فيها أن يسيروا في الأرض حيث شأوا آمنين من القتل والقتال ليتفكروا ويحتاطوا ويستعدوا ويعلموا أن ليس لهم بعدها إلا الإسلام أو القتال وبعث الرسول (ص) علياً (ض) بالأربعين الآية الأولى من هذه السورة فاعلمهم بها في يوم الحج الأكبر وهو يوم النحر في السنة التاسعة وقد كانت هي عاشر ذي القعدة بسبب النسيء الذي ابتدعه المشركون فيكون آخر مدة الإمهال اليوم العاشر من شهر ربيع الأول من السنة العاشرة وقيل إن يوم النحر من السنة التاسعة كان عاشر ذي الحجة فيكون نهاية المدة العاشر من ربيع الآخر من السنة العاشرة والسياحة في الأصل: جريان الماء وانبساطه على موجب طبيعته ثم استعملت في الضرب والاتساع في السير فيقال: ساح في الأرض سيحاً وسياحة إذا مر فيها مر السائح.
- (3) (وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) إيذان واعلام من الله ورسوله إلى الناس عامة يوم الحج الأكبر وهو يوم النحر بأن الله ورسوله قد برئا من عهود المشركين وأنها قد نبذت إليهم يقال آذنه الأمر وبه أعلمه.
- (4) (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم) لكن الذين لم ينكثوا العهد من المشركين (ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا) من شروطه (وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا) لم يعاونوا عليكم أحداً من أعدائكم كما أعانت قريش بني بكر على خزاعة وكانت خزاعة في عهد الرسول (ص) (فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) ولا تجروهم مجرى الناكثين إذا بقوا على ما هم عليه من الوفاء بالعهد وهم بنو ضمرة وبنو مدلج من كنانة وقد بقي في عهدهم تسعة أشهر فأتم إليهم عهدهم.
- (5) (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ) فإذا انقضت أو خرجت أشهر الأمان الأربعة المذكورة (فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ) الناكثين (حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ) وسميت حرماً لأنه تعالى جعلها مدة أمان لهم يحرم قتالهم فيها من السلخ بمعنى الكشط يقال سلخ الإهاب عن الشاة يسلُخه ويسلَخه سلخاً كشطه ونزعه عنها أو بمعنى الإخراج من قولهم سلخت الشاة عن الإهاب إذا أخرجتها منه ثم استعير للانقضاء (وَاحْصُرُوهُمْ) احبسوهم أو ضيقوا عليهم وامنعوهم من التصرف في البلاد (وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) في كل طريق يجتازون منه في أسفارهم حتى تأخذوهم من أي جهة تواجهوهم والمرصد: الموضع الذي يرقب فيه العدو.
- (6) (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ) بعد انسلاخ أشهر العهد أي استأمنك بعد انقضاء مدة الأمان وطلب جوارك وحمايتك أحد من المشركين الذين أمرت بقتالهم وقتلهم ليسمع القرآن ويتدبره ويطلع على حقيقة الإسلام فأجره وأمنه حتى يسمع كلام الله ولا يبقى له عذر ثم ابلغه موضع أمنه إن لم يسلم وهذه الآية محكمة غير منسوخة بآية (وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً) كما قال الحسن.
ثانياً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
(عهد) وردت على سبعة أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الأمانة قال تعالى (قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الميثاق قال تعالى (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا) وقال تعالى (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الأمر قال تعالى (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الحَلِف قال تعالى (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ) وقال تعالى (إِذَا عَاهَدتُّمْ) وقال تعالى (وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً) وقال تعالى (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى التوحيد قال تعالى (إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا).
- الوجه السادس: وردت بمعنى الوفاء بالأمانة قال تعالى (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ).
- الوجه السابع: وردت بمعنى الحلف قال تعالى (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِين).
ثالثاً/ وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: كانت هذه السورة سورة الحسم الكامل لأوضاع غير المسلمين وربما كانت أخطر سورة حشدت جيش الإيمان وإعداده للمعركة الفاصلة النهائية بين المسلمين وغيرهم سواء في داخل الدولة بتصفية جذور النفاق والقضاء على مكر اليهود أو في خارج الدولة بالتصدي لغطرسة الروم في غزوة تبوك التي أرهبتهم وجمدت كل تحركاتهم المشبوهة للقضاء على الإسلام والمسلمين.
- الوقفة الثانية: كان للتصفية الداخلية والحسم فيها والتصدي للعدو الخارجي الأثر الأكبر في استقرار الدولة الإسلامية والحفاظ على كيانها الدولي وإظهار هيبتها ومنعة حدودها.
- الوقفة الثالثة: إن الحكمة في إعطاء (براءة) لعلي (ض) لتبليغها عن الرسول (ص) مع أن المكلف بقيادة الحجيج هو أبو بكر الصديق (ض) أن برآءة تضمنت نقض العهد الذي كان النبي (ص) قد أبرمه معهم وكانت سير العرب ألا يحلّ العقد إلا الذي عقده أو رجل من أهل بيته فأراد النبي (ص) أن يقطع السنة العرب بالحجة التي يحتجون بها.
وكان على قد بلّغ بأربع:1- الا يطوف بالبيت عرياناً 2- ومن كان بينه وبين النبي (ص) عهد فهو إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر 3- ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة 4- ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا). - الوقفة الرابعة: أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر على الأرجح لأن يوم النحر فيه الحج كله ولأن الوقوف بعرفة في ليلته والرمي والنحر والحلق والطوف بنهاره وقيل هو يوم عرفة لحديث مخرمة أن النبي (ص) قال (يوم الحج الأكبر يوم عرفة) والعمرة الحج الأصغر.
- الوقفة الخامسة: أن السورة ترسم صورة متكاملة عن المجتمع المسلم في فترة ما بعد الفتح وتصف تكوينه العضوي والذي يتكون من الفئات التالية:
- السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار (القاعدة الصلبة)
- المنافقون بالمدينة
- الأعراب والذين يعيشون خارج المدينة ومنهم المؤمنون ومنهم المنافقون
- المؤمنون الضعفاء
- الوقفة السادسة: إن السورة كشفت عن وجود ظواهر ضعف بالمجتمع المسلم بالمدينة المنورة: الشح بالمال والنفس والنفاق والتآمر على المسلمين والتردد والتهيب من مواجهة المخاطر وعدم الوضوح العقدي عند البعض والذين يتأثرون بالمنافقين (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ).
رابعاً/ الأحكام المستنبطة من الآيات في سورة التوبة
- الحكم الأول: حكم الوفاء بالعهود فالعهود التي عقدها الرسول (ص) والمسلمون مع المشركين كانت عهود مطلقة غير مؤقته بزمن وعهود مؤقته بزمن أقل من أربعة أشهر وعهود مؤقته بزمن أكثر من أربعة أشهر فكان الحكم على النحو التالي:
العهود المطلقة غير المقيدة بزمن والعهود المؤقتة بزمن أقل من أربعة أشهر فقد قيدت بأربعة أشهر.
والعهود المقيدة بزمن أكثر من أربعة أشهر تم الوفاء لهم بالزمن المحدد وهذا أصح الأقوال الذي أختاره الطبري وابن كثير - الحكم الثاني: جواز نقض العهد في حالتين:
- الحالة الأولى: إذا انقضت مدة العهد فيؤذن الطرف الآخر بعدم تجديد مدة جديدة.
- الحالة الثانية: في حالة نقض الطرف الآخر العهد أو خوف الغدر منهم.
- الحكم الثالث: وجوب إعلام الطرف المعاهد بنقض العهد وبسبب ذلك أو عدم تجديد العهد من جديد إذا انتهت مدة العهد السابقة ولم يرد المسلمون تجديد عهد جديد.
- الحكم الرابع: الإسلام يقدس العهود ويوجب الوفاء بها ويجعل احترامها نابعاً من الإيمان وملازمة لتقوى الله.
- الحكم الخامس: حكم التوبة لا تقبل التوبة إلا بالقول والعمل بدليل هذه الآية (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ…) والآية (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ) البقرة (279) والآية (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ) البقرة (160).
- الحكم السادس: المقصود بقوله تعالى (فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ) الذين يحاربونكم/ أحكام القرآن لأبن العربي 2/889.
- الحكم السابع: مشروعية الأمان: جواز تأمين المحارب إذا طلبه من المسلمين ليسمع ما يدل على صحة الإسلام ويجب حمايته في حالة تأمينه.
الدرس الثاني من الآية (7-13) في سورة التوبة
يتحدث الدرس الثاني من سورة التوبة من الآية 7 وحتى الآية الـ13 عن أسباب البراءة من عهود المشركين
أولاً/ أهداف الدرس الثاني من سورة التوبة
- بيان حقيقة عهود المشركين بكثهم إياها.
- إبراز العداوة الحقيقية من المشركين للمؤمنين ولا يراعون فيهم لا عهداً ولا ميثاق.
ثانياً/ التفسير والبيان
- (7) (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ) استفهام في معنى الإنكار أي مستنكر أن يكون هؤلاء المشركين الناكثين عهود عند الله ورسوله فإنهم قوم خيانة وغدر وليس لمن لم يفي بعهده أن يفي الله ورسوله له بالعهد (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ) لكن الذين عاهدتم ولم ينكثوا وهم الذين سبق استثنائهم في الآية الرابعة تستقيم لهم على العهد مدة استقامتهم لكم عليه والمراد بالمسجد الحرم: الحرم كله.
- (8) (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) كيف يكون لهؤلاء الناكثين عهد عند الله وعند رسوله والحال أنهم (وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) يظفوا بكم ويغلبوكم (لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ) لا يرعوا في أمركم (إِلاًّ) عهد أو خلقاً أو قرابة (وَلاَ ذِمَّةً) حقاً أو عهداً يقال ظهر عليه يظهر غلبه وأظهره الله على عدوه أعانه عليه والذمة كل أمر لزمك بحيث إذا ضيعته لزمك مذمة أو هي ما يذمم به.
- (12) (وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم) نقضوا أيمانهم من بعد عهدهم الموثق وأصله من النكث وهو أن تنقض أخلاق الأكسية لتغزلها ثانية.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
(فسق) وردت على خمسة أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الكفر قال تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُون) وقال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الكذب قال تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ … وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون) وقال تعالى (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى المعصية قال تعالى (فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِين).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الإثم قال تعالى (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى السب والشتم قال تعالى (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ).
رابعاً/ وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: إن سياق الآيات يثير في نفوس المسلمين ما يدفع عنهم التردد والتحرج والتهيب باطلاعهم على حقيقة حال المشركين ومشاعرهم ونواياهم تجاه المسلمين وأنهم لا يرعون فيهم عهداً ولا يتحرجون من شيء وأنهم لا يفون بعهد ولا يرتبطون بوعد وأنهم لا يكفون عن الاعتداء متى قدروا عليه ولا سبيل لمهادنتهم مالم يدخلوا فيما دخل فيه المسلمون.
- الوقفة الثانية: ومع استنكار معاهدة المشركين الذين يبيتون الغدر والخديعة والتخلص من المعاهدة التي أبرمت مع المسلمين متى قدروا على ذلك فإن الله استثنى من المعاهدة التي أبرمت مع ذوي العهود الذين لم ينقصوا المسلمين شيئا ولم يظاهروا عليهم أحداً إلى مدتها مع اشتراط أن تكون الاستقامة على العهد في هذه المدة من المسلمين مفيدة باستقامة ذوي العهود عليها.
- الوقفة الثالثة: إن القرآن الكريم يقرر حقيقة موقف أعداء الله وأعداء المسلمين أنهم عندما يكونون في حالة ضعف يبدون للمسلمين الوفاء والحرص على التعايش السلمي وعند ما يكونون اقوياء والمسلمين في حالة ضعف لا يرعون عهداً ولا ميثاقاً ولا قوانين دولية ولا حقوق الإنسان ولا ديمقراطية ولا عدل (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً…).
الوقفة الرابعة: السبب الحقيقي لحقدهم على المسلمين هو أنهم كما قال تعالى (…وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُون اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُون). - الوقفة الخامسة: فإن دخل هؤلاء الأعداء من الكفار الإسلام وتابوا عما مضى من الكفر والاعتداء عند إذٍّ يصفح الإسلام والمسلمون عن كل ما لاقوه منهم وتقوم الوشيجة على أساس العقيدة ويصبح المسلمون الجدد إخواناً للمسلمين القدامى ويسقط ذلك الماضي كله بمساوئه من الواقع ومن القلوب.
- الوقفة السادسة: إن الإسلام لم يبدأ برسالة محمد (ص) وإنما ختم بها وأن موقف المشركين من كل رسول ومن كل رسالة من قبل إنما يمثل موقف الشرك من دين الله على الإطلاق فإن أبعاد المعركة تترامى إلى عمق التاريخ ويتجلى الموقف على حقيقته كما تصور تلك النصوص القرآنية الخالدة على مدار التاريخ الإنساني كله دون استثناء ماذا صنع المشركون مع جميع الأنبياء والرسل.
خامساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: أن المستأمنين إذا نكثوا العهد أو سبوا الدين فإنه يباح للمسلمين التخلص من العهد الذي بينهم وبين المستأمنين هذا قول مالك والشافعي وأما قول أبي حنيفة فلا يحل للمسلمين التخلص على العهود إلا إذا نكثوا وسبوا الدين أما إذا سبوا الدين فقط فلا يكون سبباً للتخلص عن العهود.
- الحكم الثاني: قرار القتال من قبل المسلمين ضد أعدائهم لا يكون نافذاً إلا عندما لم يحترم العدو عهوده ومواثيقه التي أبرمت مع المسلمين وشعر المسلمين بالخطورة عند نكث العهد من قبل اعدائهم.
الدرس الثالث من الآية (14-20) في سورة التوبة
وفي الدرس الثالث من سورة التوبة في الآية 14 وحتى الـ 20 تحدثت عن عمارة المساجد وفضل الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله
أولاً/ أهداف الدرس
- بيان أن عمارة المساجد لا تكون إلا من المؤمنين.
- إبراز أولويات الأعمال وهي الإيمان والجهاد مقدمة على غيرها.
ثانياً/ التفسير والبيان
- (14) (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ…) قاتلوا هؤلاء الناكثين الذين طعنوا دينكم وبدأوكم بالقتال حيث هموا بإخراج الرسول (ص) من مكة وقاتلوا خزاعة حلفاءكم فليس لهؤلاء عهد ولا ذمة إلا من تاب منهم ورجع إلى الله فكفوا عن القتال.
- (16) (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ…) خطاب لمن شق عليهم القتال من المؤمنين أو المنافقين وبيان للحكمة في الأمر به وأنها الامتحان والتمحيص أي بل ظننتم أن تتركوا دون أن تؤمروا بقتال المشركين ولما يعلم الله المخلصين منكم فيه غير المتخذين بطانه من المشركين يفشون إليهم أسرارهم ويداخلونهم في أمورهم أي ولم يظهر الله المجاهدين منكم مع الإخلاص ممن جاهدوا ولم يميز لكم هؤلاء من أولئك فنفي العلم مجاز عن نفي التبيين والإظهار فكلمة (أم) بمعنى بل التي للإضراب الانتقالي وهمزة الاستفهام للإنكار (ولما) للنفي مع توقع الحصول. (وَلِيجَةً) بطانة من الولوج وهو الدخول ووليجة الرجل: من يداخله في باطن أموره وهو صاحب سره وقوله (وَلَمْ يَتَّخِذُواْ) معطوف على جاهدوا داخل في حيز صلة الموصول ونظير هذه الآية قوله تعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُون…) العنكبوت (1-3) وقوله تعالى (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ…) آل عمران (179).
- (17) (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله…) أفتخر المشركين بأنهم عمار المسجد الحرام وحجبة الكعبة وأنهم يقرون الحجيج ويفكون العاني أي الأسير فنزلت الآية أي ما ينبغي للمشركين أن يعمروا المسجد الحرم بدخوله والخدمة فيه حال كونهم مقرين على أنفسهم بالكفر بسجودهم للأصنام وهو محبط لكل ما عملوا من بر وخير وما افتخروا به موجب لخلودهم في النار وذكر المسجد الحرم بلفظ الجمع لأنه قبلة المساجد كلها فعامروه كعمارها.
- (18) (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ) بيان لصفات من هم أهل لعمارة المساجد وهي الأربعة المذكورة الجامعة للدنيا والآخرة:
- من آمن بالله واليوم الآخر
- أقام الصلاة
- آتى الزكاة
- ولم يخش إلا الله
- (19) (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ…) أتسوون أهل سقاية الحجيج وعمارة المسجد الحرم منكم وأنتم على هذا الشرك بمن آمن بالله وأخلص له العبادة وجاهد في سبيله بالمال والنفس كلا، والآيات التالية تبين فضلهم وعظم منزلتهم بقوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ…) (20-22).
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
(شفا) وردت بمعنى (4) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الفرح قال تعالى (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِين).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى العافية قال تعالى (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين) وقال تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى البيان قال تعالى (وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ) وقال تعالى (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الطرف قال تعالى (عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ).
رابعاً/ وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: إن انتصار المسلمين قد يرد بعض المشركين إلى الإيمان ويفتح بصيرتهم على الهدى حين يرون المسلمين ينتصرون ويحسون أن قوة غير قوة البشر تؤيدهم ويرون آثار الإيمان في مواقفهم وهذا ما كان فعلاً وعند إذ ينال المجاهدون أجر جهادهم وأجر هداية الضالين على أيديهم.
- الوقفة الثانية: إن بيوت الله خالصة له لا يذكر فيها إلا اسمه ولا يدعى معه فيها أحد غيره فكيف يعمرها من لا يعمر التوحيد قلوبهم ومن يدعون مع الله شركاء ومن يشهدون على أنفسهم بالكفر شهادة الواقع الذي لا يملكون انكاره ولا يسعهم إلا إقراره لأن العبادة تعبير عن العقيدة فإن لم تصح العقيدة لم تصح العبادة وأداء الشعائر وعمارة المساجد ليست بشيء مالم تعمر القلوب بالإيمان الصحيح.
خامساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: إذا توفرت أسباب قتال الكفار وجب قتالهم والأسباب هي:
- السبب الأول: نكث العهد
- السبب الثاني: البدء بالاعتداء
- السبب الثالث: التآمر مع خصوم آخرين ضد المسلمين.
- الحكم الثاني: وجوب ترتيب الأولويات والاهتمام بأهمها (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين).
الحكم الثالث: وجوب الإيمان بأن لا ثواب للإعمال إلا إذا كانت خالصة لله تعالى نابعة من الإيمان به.
الدرس الرابع من الآية (21-27) في سورة التوبة
في الدرس الرابع من سورة التوبة في الآية الـ21 وحتى الـ27 تحدثت عن أن ولاية الله مقدمة على ولاية الأقارب
أولاً/ أهداف الدرس
- الاهتمام بالجهاد وتجاوز العوائق التي تحول دون تحقيقه.
- بيان النصر الذي حققه الله للرسول والمؤمنين قبل غزوة حنين.
ثانياً التفسير والبيان
- (23) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ…) لما أمر المهاجرون بالهجرة شق عليهم هجر أهليهم وأموالهم وديارهم فنزلت الآية فهاجروا طائعين ابتغاء رضوان الله وامتثال أمره.
- (24) (وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا) اكتسبتموها وأصل القرف والاقتراف قشر اللحاء من الشجر والجلدة من الجرح واستعير الاقتراف للاكتساب مطلقاً ولكنه في الإساءة أكثر (كَسَادَهَا) بوارها بفوات وقت رواجها بسبب غيابكم عن مكة أيام الموسم (فَتَرَبَّصُواْ)انتظروا (حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ) أي عقوبته وهو تهديد وتخويف لمن آثر محبة ما ذكر على محبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله (ص) وفي الآية دليل على أنه في حالة تعارض مصلحة من مصالح الدنيا على مصلحة من مصالح الآخرة قدم مصلحة الآخرة على مصلحة الدنيا.
- (25) (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ) امتنان من الله على المؤمنين بالنصر على الأعداء في مواطن كثيرة ومن أعظمها غزوة بدر وقريضه وخيبر … (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) ونصركم يوم غزوة حنين وهو وادً معروف بين مكة والطائف وتسمى غزوة هوازن وثقيف وكانت في شوال عقب رمضان الذي وقع فيه فتح مكة سنة (8) من الهجرة وكان عدد المسلمين أثني عشر ألفاً وعدد الكفار أربعة آلاف (فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا) فلن تنفع تلك الكثرة شيئاً من النفع في أمر العدد من الغناء وهو النفع.
- (26) (ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ) رحمته التي تسكن إليها القلوب وتطمئن اطمئناناً يستتبع النصر القريب من السكن وهو زوال الرعب.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
(ولى) وردت على (11) وجهاً
- الوجه الأول: وردت بمعنى الأولياء المحبوبون المقربون قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء…).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى وعيد قال تعالى (فَأَوْلَى لَهُم) وقال تعالى (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى أحق قال تعالى (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) وقال تعالى (هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الولد قال تعالى (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى المساعد قال تعالى (وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ).
- الوجه السادس: وردت بمعنى الهادي والمرشد قال تعالى (وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا).
- الوجه السابع: وردت بمعنى القريب قال تعالى (يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا).
- الوجه الثامن: وردت بمعنى المناصر قال تعالى (وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاء يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ) وقال تعالى (وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ) وقال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا).
- الوجه التاسع: وردت بمعنى الرب قال تعالى (قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) وقال تعالى (ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ) وقال تعالى (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ).
- الوجه العاشر: وردت بمعنى القرب والدنو قال تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ).
- الوجه الحادي عشر: وردت بمعنى الأخوة والارتباط والتلاحم قال تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ).
رابعاً/ أسباب النزول
سبب نزول الآية (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ…) عن النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول الله (ص) في نفر من الصحابة فقال رجل منهم: ما أبالي الا أعمل لله عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج وقال آخر بل عمارة المسجد الحرم وقال آخر بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجرهم عمر (ض) وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله (ص) وذلك يوم الجمعة ولكن إذ صليت الجمعة دخلت على رسول الله (ص) فسألته فيما اختصمتم فأنزل الله الآية.
سبب نزول الآية (23-24) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ…) نزلت في الذين تخلفوا في مكة ولم يهاجروا بسبب أهليهم وأقاربهم وأموالهم.
خامساً/ وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: إن رابطة القرابة فطرية فإذا قوتها رابطة الدين فإنها تستمر في الدنيا والآخرة قال تعال (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ…) ولكن هذه الرابطة إذا تناقضت مع رابطة الدين فتبطل ولاية القرابة في الأسرة والدم وتثبت رابطة الدين فلله الولاية الأولى وفيها ترتبط البشرية جمعاً فإذا لم تكن فلا ولاية بعد ذلك.
- الوقفة الثانية: أن القرابة من الأزواج والأموال والتجارة والمساكن جعلها الله متاع الحياة الدنيا وبذرت السعادة في الآخرة ولكن عندما تصبح محبتها والتعلق بها أكثر من حب الله ورسوله وجهاد في سبيله يصبح هذا الحب والتعلق فسوق وخروج عن طاعة الله ورسوله (وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين) ويستحق صاحبه التهديد والوعيد من الله سبحانه (فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ) وكما ينطبق هذا على الفرد ينطبق على الأمة كلها.
- الوقفة الثالثة: أن الله يمن على المؤمنين أصحاب محمد (ص) أنه نصرهم في مواطن كثيرة مع قلة عددهم وعتادهم وكثرة عدد وعتاد المشركين أعدائهم وعندما غفل المسلمون عن عنصر قوتهم وهو تأييد الله وتوفيقه لهم واعتبروا أن قوة عددهم وعتادهم هو عنصر قوتهم هزموا في أول المعركة في حنين لكن تزول تلك الغفلة ويتعلقون بالله مصدر قوتهم فيعود النصر إليهم وهكذا الدروس الإيمانية للصحابة ومن بعدهم.
- الوقفة الرابعة: إن معركة حنين لتكشف لنا حقيقة القوى التي تعتمد عليها كل عقيدة أما الكثرة العددية ليست بشيء وإنما هي القلة العارفة بالله المتصلة به الثابتة المتجردة للعقيدة والإيمان هي القوة الحقيقة.
- الوقفة الخامسة: إن المؤمنين الذين يعرفون مهمتهم في هذه الحياة وهي عبادة الله والجهاد في سبيله يجعلون من القرابة مؤزرة لهم ويجعلون من متع الحياة معينات لهم على أداء دورهم. هؤلاء يستحقون التكريم من الله سبحانه قال تعالى (أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون…) إلى قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيم).
- الوقفة السادسة: أما الذين لا يفهمون دورهم من هذه الحياة يجعلون من رابطة القرابة هي محور الارتباط والولاء ويجعلون من متع الحياة غاية فينطلقون بها ويفضلون حبها على محبة الله ورسوله فيستحقون وصفهم بالظالمين والفاسقين وإلى جانب ذلك التهديد والوعيد (فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ).
سادساً/ ملخص عن وقعة حنين
كانت هوازن قوة كبيرة بعد قريش وكانت تنافسها فلما بلغها فتح مكة نادى سيدهم مالك بن نويرة بن عوف النصري بالحرب واجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها ونصر وجشم كلها وسعد بن بكر وجمع السير إلى رسول الله (ص) وساق مع جيشة أموالهم ومواشيهم ونسائهم وأولادهم وزعم أن ذلك يحمي نفوسهم به ويقوي شوكتهم وكان على ثقيف كنانة بن عبيد وشهد الحرب دريد بن الصمة وكان شيخاً كبيراً له رأي وحكمة ونزلوا بأوطاس (وادي في ديار هوازن) عند الطائف كانت فيه وقعة (حنين) ولما علم رسول الله (ص) بأمرهم خرج إليهم وكان معه اثنى عشر ألفاً من المسلمين عشرة آلاف من أصحابه في المدينة من المهاجرين والأنصار وألفان من أهل مكة مسلمة الفتح وهم الطلقاء واستعار الرسول (ص) من صفوان بن أمية أدرعاً وسلاحاً ولما رأى المسلمون كثرتهم وبلوغ عددهم مالم يبلغه عدد في عزوة سابقة اغتروا وقال بعضهم لن نغلب اليوم من قلة واتكل المسلمون على قوتهم في مبدأ الأمر فانهزموا ثم لما عدلوا عن غرورهم وتضرعوا إلى ربهم وكان النصر حليفهم وقد حدثت في هذه المعركة ثلاثة أمور: 1- إنزال الله السكينة على رسوله وعلى قلوب المؤمنين 2- إنزاله جنود هم الملائكة 3- تعذيب الكافرين بالقتل والسبي.
سابعاً/ الأحكام المستنبطة من الآيات
- تحريم موالاة الكافرين ولابد من التفريق بين الولاء والحلف والتعامل
- وجوب إيثار الجهاد على راحة النفس وعلائقها بالأهل والمال عند التعارض.
- وجوب التعلق بالله والاعتماد على توفيقه وعدم الاعتماد على القوة المادية فقط في مواجهة الأعداء.