2025-03-12 12:20 م
إدارة الموقع
2025-03-12 12:20 م
تفسير سورة الأنفال

الدرس التاسع (سورة الأنفال)

من الآية (62-69) إيثار السلام وتوحيد الأمة وتحريضها على القتال عندما يقتضي الأمر ذلك

هذه الآيات من سورة الأنفال تحدثت عن دروس إيثار السلام وتوحيد الأمة وتحريضها على القتال عندما يقتضي الأمر ذلك، وسوف نعرفكم عليه تفصيلا في بقية المقال

أولاً/ أهداف الدرس

  1. إبراز الطاقة الإيمانية في حدودها العليا عشرة أضعاف وفي حدودها الدنيا ضعفي.
  2. بيان شرط اتخاذ الأسرى وقبول الفداء منهم وإباحة الانتفاع به.

ثانياً/ التفسير والبيان

  • (62) (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ) نزلت في بني قريظة أي وإن أرادوا بإظهار الميل إلى السلم الخديعة لتكف عنهم أو ليستعدوا فصالحهم مع ذلك إذا كان فيه مصلحه ظاهرة للإسلام وأهله ولا تخش منهم فإن الله كافيك بنصره ومعونته وقد أيدك الله بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم فتحابوا في الله واجتمعوا لإعلاء كلمته واتّبعوا أمرك وأطاعوك.
  • (64) (حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين) أي كافيك الله وكافي متبعيك من المؤمنين وناصركم ومؤيدكم على عدوكم وإن كثر عددهم وقل عددكم وحسب: صفة مشبهة بمعنى اسم الفاعل والكاف بمحل جر.
  • (65) (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) بالغ في حثهم وإحمائهم على القتال بصبر وجلد من التحريض وهو الحث على الشيء بكثرة التزيين له وتسهيل الخطب فيه كأنه في الأصل إزالة الحرض وهو الإشراف على الهلاك من شدة الضني نحو مرضه أي أزلت عنه المرض، (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ…) خبر بمعنى الأمر ففرض على المؤمنين أول الأمر ألا يفر الواحد من العشرة من الكفار وكان ذلك في وسعهم فأعز الله بهم الدين على قلتهم وخذل بأيديهم المشركين على كثرتهم وكانت السرايا تهزم من المشركين أكثر ومن عشر أمثالها تأييداً من الله لدينه ولما شق على المؤمنين الاستمرار على ذلك وضعفوا عن تحمله ولم تبق ضرورة لبقاء هذا الحكم لكثرة عدد المسلمين ممن دخلوا في دين الله أفواجا نزل التخفيف ففرض على الواحد الثبات للإثنين من الكفار ورخص له في الفرار إذا كان العدو أكثر من اثنين وهو كما اختاره مكي وذهب الجمهور إلى أنه نسخ.
  • (67) (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى) استشار النبي (ص) أصحابه في أسرى بدر فأشار أبو بكر في استبقائهم رجاء توبتهم وأخذ فدية منهم لتكون قوة للمسلمين وأشار عمر اجتهاد منه وآخرون بقتلهم إعزازاً للإسلام فمال (ص) إلى الرأي الأول وكان فداء كل أسير أربعين أوقية من الذهب إلا العباس ففداؤه ثمانون فنزلت الآية عتاباً على الإقدام على الفداء قبل الاتخاذ اللازم له قوة الإسلام وعزته والمعنى ما ينبغي لنبي أن يكون له أسرى (حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ) حتى يبالغ في قتال الأعداء إذلالاً للكفر وإعزازاً لدين الله من الثخانة وهي في الأصل الغلظ والصلابة يقال ثخن الشيء يثخن غلظ وصلب فهو ثخين ثم استعمل بالنكاية فقيل أثخن فيه أي بالغ فيه قتلاً وجرحاً لأنه بذلك يمنعه من الحركة فيصر كالثخين الذي لا يسيل (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا) حطامها وهو الفداء (وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ) يريد لكم ثوابها بسبب الإثخان من أعداء دينه.
  • (68) (لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ) لولا حكم الله في كتابه الا يعذب قوم قبل تقديم البيان إليهم أو لا يعذب المخطئ في الاجتهاد أو سبق بإحلال الغنائم ومنها الفداء لأصابكم بسبب ما أخذتم من الفداء قبل أن تؤمروا به (عَذَابٌ عَظِيم).
  • (69) (فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ) كما نزلت الآية السابقة كف الصحابة عما أخذوا من الفداء فنزلت هذه الآية بياناً لحل أخذه إذ هو من الغنيمة.

ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(قلب) وردت على (3) أوجه

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى العقل قال تعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى الرأي قال تعالى (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى القلب الذي في الصدر قال تعالى (فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور) وقال تعالى (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ).

رابعاً/ أسباب النزول هذه الآيات في سورة الأنفال

  1. سبب نزول الآية (64) (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ…) قال ابن عباس (ض): نزلت في اسلام عمر (ض) فإن النبي (ص) كان أسلم معه (33) رجلاً وست نسوة فأسلم عمر فصاروا (40).
  2. سبب نزول الآية (65) (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ…) عن ابن عباس (ض) قال: لما افترض الله على المؤمنين أن يقاتل الواحد عشرة ثقل ذلك عليهم وشق فوضع الله ذلك عنهم إلى أن يقاتل الواحد رجلين فأنزل الله الآية (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ…).
  3. سبب نزول الآية (67) (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى…) روى أحمد وغيره عن أنس قال: (استشار النبي (ص) في الأسرى يوم بدر فقال: إن الله قد أمكنكم منهم فقام عمر بن الخطاب (ض) فقال: يا رسول الله أضرب أعناقهم فأعرض عنه فقام أبو بكر فقال: نرى أن نعفو عنهم وأن نقبل منهم الفداء فعفا عنهم وقبل منهم الفداء فأنزل الله (لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ…).

خامساً/ وقفات مع الآيات في سورة الأنفال

  1. الوقفة الأولى: عندما أمر الله تعالى رسوله (ص) أن يقبل ويوادع من يريد موادعته وأن يجنح للسلم متى جنحوا إليه حقق ذلك الرسول (ص) عملياً ويتمثل ذلك بالأمثلة الآتية:
    • عقد الرسول (ص) أول مقدمه المدينة مع اليهود حول المدينة والمشركين عهداً على المسالمة والموادعة والدفاع المشترك على المدينة مع التسليم بأن السلطة العليا في المدينة هي سلطة الرسول (ص).
    • عقد الرسول (ص) حلفاً مع خزاعة وهي على شركها.
    • عقد الرسول (ص) مع مشركي قريش صلح الحديبية
      (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِين).
  2. الوقفة الثانية: إن الآيات (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ…) إضافة على ما دلت عليه من أحكام في مواجهة الكافرين في القتال وعدم الفرار من المعركة من مواجهة العشرة في أول الأمر ثم خفف وكان عدم فرار المؤمن من الإثنين من الكافرين وتتضمن الآية أيضاً حقيقة في تقدير قوة المؤمنين في مواجهة عددهم في ميزان الله وهو الحق وأنها تعريف للمؤمنين بهذه الحقيقة لتطمئن قلوبهم وتثبت أقدامهم في جميع ميادين المواجهة مع غيرهم فالله قد أودع فيهم قوة بحدها الأعلى أكثر من عشرة أضعاف قوة غيرهم وبحدها الأدنى أكثر من ضعف قوة غيرهم.
  3. الوقفة الثالثة: أن الإسلام دين السلام والهداية والمحبة ولا يلجأ في شرعه إلى القتال إلا عند وجود الظروف القاهرة والضرورات الملجئة فقد ذكر السلم في القرآن في (133) آية وذكر الحرب في (6) آيات والقتال (63) آية.
    الوقفة الرابعة: إن من أهم أسباب النصر هو تآلف القلوب واتحاد الكلمة.
    الوقفة الخامسة: أن الثبات من أهم عوامل النصر ولهذا ذكر في القرآن (17) مرة.

سادساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: أن قبول السلم إن  جنح العدو له إلى القيادة الإسلامية لترى الأصلح في قبوله أو عدم قبوله رغم الخلاف الجاري حول هذا الحكم.
  2. الحكم الثاني: أن الثبات أمام العدو فرض على المسلمين ويحرم عليهم الفرار والتراجع وبحسب ما رود في الآية (65) من تفصيل ذلك.
  3. الحكم الثالث: التعامل مع أسرى بدر
    • أولاً/ أمر الرسول (ص) بقتل ثلاثة أسرى لشدة عداوتهم للمسلمين وهم النظر بن الحارث وعقبة ابن أبي مغيط وطعيمه بن عدي إذ اعتبرهما مجرمي جرب لا اسرى عاديين.
    • ثانياً/ الأسرى الباقون وعددهم (68) فقد وزعهم الرسول (ص) على أصحابه قائلاً استوصوا بالأسرى ثم فادى اغنياء الأسرى بالمال واما فقراء الأسرى فأطلق سراح بعضهم دون مقابل كما كلف المتعلمين منهم بتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة ثم أطلق سراحهم بعد ذلك.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى