تفسير سورة الأحزاب
الدرس السادس عشر (سورة الأحزاب)
من الآية (53-55) آداب دخول البيت النبوي وحجاب نساء النبي صلى الله عليه وسلم

في الدرس السادس عشر في سورة الأحزاب الذي كان من الآية (53 إلى 55) بينت فيه الآيات آداب دخول البيت النبوي وحجاب نساء النبي صلى الله عليه وسلم:
أولاً/ أهداف الدرس
- إبراز مكانة بيوت النبي عليه الصلاة والسلام ومنزلتها بين الناس.
- بيان اختصاص نساء النبي عليه الصلاة والسلام بأحكام خاصة.
ثانياً/التفسير والبيان
- (53) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ…) نزلت في أناس كانوا يتحينوا طعام رسول الله (ص) فيدخلون بيته قبل الطعام ويمكثون منتظرين نضجة ثم يأكلون ولا يخرجون وكان الرسول (ص) يتأذى منهم أي لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت أن يؤذن لكم إلى طعام تدعون إليه ولا تدخلوها إلا بأذنً وعدم أنتظار نضجه فالنهي مخصوص بمن دخل من غير دعوة ومكث منتظراً الطعام من غير حاجة فلا تفيد الآية النفي عن الدخول بأذن لغير طعام ولا عن المكث بعد الطعام لمهام آخرى (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) حال من ضمير تدخلوا (إِنَاهُ) نضجه (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ) إلى الطعام وهو يتضمن الإذن بالدخول (فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا) أكلتم الطعام فتفرقوا ولا تمكثوا في البيت (وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) أي ولا تدخلوها مستأنسين لحديث بعضكم لبعض والظاهر كما قال الألوسي حرمة المكث على المدعو للطعام بعد أن يطعم إذا كان في ذلك أذى لرب البيت وليس ذلك مختص بالمخاطبين ولا بالمكث في بيت النبي (ص) بل هو حكم وأدب عام (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ) إذا طلبتم من نسائه (ص) (مَتَاعًا) شيئاً يتمته به من الماعون وغيره ومنه العلم والفتيا (فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ) أي ستر بينكم وبينهن (ذَلِكُمْ) أي السؤال من وراء حجاب (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) من الريب وخواطر السوء وكان نزول آية الحجاب في شهر ذي القعدة من العام الخامس للهجرة وحكم نساء المؤمنين كحكم نسائه (ص) (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) أي تفعلوا فعلاً يؤذيه نحو اللبث في بيته والإستئناس في بيته بالحديث الذي كنتم تفعلونه ومكالمة نسائه من دون حجاب (وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا) أي من بعد وفاته أو فراقه لأنهن أمهات المؤمنين ولا يحل للأولاد نكاح الأمهات (إِنَّ ذَلِكُمْ) أي إيذائه ونكاح نسائه من بعده (كَانَ عِندَ اللَّهِ) ذنباً (عَظِيمًا) جسيماً.
- (55) (لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ…) استئناف لبيان من لا يجب عليهن وكذا على غيرهن من النساء الإحتجاب عنهم ولم يذكر العم والخال لأنهما بمنزلة الوالدين.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
(نشر) وردت على (4) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى التفرق قال تعالى (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا…) وقال تعالى (وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا) تفرقاً لإبتغاء الرزق.
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الحياة قال تعالى (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُون).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى البعث قال تعالى (وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُورًا) وقال تعالى (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُون).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى البسط قال تعالى (وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد) وقال تعالى (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا).
رابعاً/ أسباب النزول
سبب نزول الآية (53) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ…) بسبب دعوة الرسول (ص) صحابته إلى طعام عند زواجه بزينب بنت جحش ثم طعموا وجلسوا يتحدثون وقام النبي (ص) والصحابة وبقي ثلاثة ثم أخبره أنس بخروجهم فعاد والقى الحجاب بين أنس وبين نسائه.
خامساً/ وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: في قوله (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) فلا يقل أحد غير ما قاله الله ولا يقل أحد إن الإختلاط وإزالة الحجب والترخص في الحديث واللقاء والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب وأعف للضمائر وأعون على تصريف الغريزه المكبوته وعلى اشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك لا يقل أحد شيئاً من هذا والله يقول (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الواقع العملي الملموس يهتم بصدق الله وكذب الداعين لغير ما يقول الله.
- الوقفة الثانية: في الآية (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ…) وقد ذكرت الآية أن مجيء الصحابة للطعام منتظرين نضجه من غير دعوة وبقائهم بعد الطعام مستأنسين لحديث كان يؤذي النبي (ص) فيستحي منهم وفي ختامها تقرر أنه ما يكون للمسلمين أن يؤذوا رسول الله وكذلك ما يكون لهم أن يتزوجوا أزواجه من بعده وهن بمنزلة أمهاتهم ومكانتهن الخاص من رسول الله (ص) يحرم أن ينكحهن أحد من بعده احتفاظ بحرمة هذا البيت وجلاله وتفرده.
- الوقفة الثالثة: في الآية (إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) ولا يقف السياق عند هذا الإنذار الهائل بل يستطرد إلى تهديد آخر هائل.
الوقفة الرابعة: في قوله تعالى (لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ…) وبعد الإنذار والتهديد يعود السياق إلى استثناء بعض المحارم الذين لا حرج على نساء النبي (ص) في أن يظهرن عليهم قال تعالى وهؤلاء المحارم هم الذين أبيح لنساء المسلمين عامة أن يظهرن عليهم والأرجح أن الأمر كان خاصاً بنساء النبي (ص) ثم عمم فذلك هو الأقرب إلى طبيعة التكليف.
سادساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: عدم جواز دخول بيت النبي (ص) إلا بالإذن وكذلك مكث المدعو بعد تناول الطعام إذا كان مؤذياً لصاحب البيت ودخل في النهي سائر بيوت المؤمنين فلا يجوز دخولها إلا بإذن عند الأكل لا قبله عند انتظار الطعام قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ…).
- الحكم الثاني: يجب التفرق والخروج من البيت والإنتشار بعد تناول الطعام وانتهاء المقصود من الأكل ونحوه قال تعالى (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا).
- الحكم الثالث: في قوله تعالى (بُيُوتَ النَّبِيِّ) دليل على أن البيت للرجل لأن الإضافة إضافة ملك وأما لقوله تعالى (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ) فهي إضافة محل بدليل أنه جعل فيها الإذن للنبي (ص) والإذن إنما يكون للمالك.
- الحكم الرابع: في قوله تعالى (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا) خص وقت الدخول بأن يكون عند الإذن على جهة الأدب.
- الحكم الخامس: في قوله تعالى (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا) دليل على أن الضيف على رأي المضيف لا على رأي نفسه.
- الحكم السادس: في قوله تعالى (وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) دليل على أن المكث في المنزل بعد الطعام للإستأناس بالحديث أمر غير مرغوب وأدب يجب التزامه.
- الحكم السابع: في قوله تعالى (وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) دليل على ألا حياء في معرفة أحكام الدين وبيان الشرع.
- الحكم الثامن: في قوله تعالى (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ) المتاع أنه عام في جميع ما يمكن أن يطلب وهذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض أو مسألة يستفتين فيها ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى.
- الحكم التاسع: استثنى الله من آيات الحجاب المحارم فيجوز للمرأة عدم الحجاب أمامهم.