2024-12-19 9:14 م
إدارة الموقع
2024-12-19 9:14 م
تفسير سورة الأحزاب

الدرس الحادي عشر (سورة الأحزاب)

من الآية (36-38) قصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش

وفي الدرس الحادي عشر من سورة الأحزاب في الآيات (36 إلى 38) ذُكرت قصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش، وسوف نوضح لكم في هذا الدرس الأهداف والتفسير والبيان لهذه الآيات:

أولاً/ أهداف الدرس

  1. إبراز كفاءة الدين على غيرها.
  2. بيان حكم الإنفصال بين الزوجين بالطلاق عند عدم القدرة على مواصلة الزواج.
  3. توضيح عدم الحرج على رسول الله (ص) بزواج زينب بعد طلاق زيد لها.

ثانياً/ التفسير والبيان

  1. (36) (وَمَا كَانَ) أي وما صح (لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ) والمراد أنه لا يحل لأي مؤمن ولا لأي مؤمنة (إِذَا قَضَى) إذا أراد (اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا) أي أراده رسول الله (ص) وذكر (الله) للإشعار بأن ما يفعله الرسول (ص) إنما يفعله بأمر الله تعالى لأنه لا ينطق عن الهوى (أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) أي أن يختاروا من أمورهم ماشاءوا بل يجب عليهم أن يذعنوا لأمره (ص) ويجعلوا رأيهم تابعاً لرأيه في كل شيء.
  2. (37) (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) في أمرها ولا تطلقها ضراراً وتعللاً بحدتها وتكبرها (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) وهو ما أوحى الله إليك أن زيداً سيطلقها وتكون إحدى نسائك بتزويج الله إياها لك لكيلا يكون على المؤمنين حرج للتزوج بمطلقات أدعيائهم بعد انقضاء عدتهن فلم يخبره (ص) بذلك استحياء من أن يقول إن التي معك شتكون زوجتي عند انقضاء عدتها ومن أن يقول الناس إنه يتزوج من مطلقة ابنه فعاتبه الله على إخفاء ذلك (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) أي تستحي من قولهم والله وحده أحق أن تخشاه أي تستحي منه في كل أمر فتفعل ما اباحه لك وأذن لك فيه وتبديه ولا تخفيه فهو عتاب على ترك الأولى به (ص) (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا) أي حاجة وطابت عنها نفسه وطلقها وانقضت عدتها (زَوَّجْنَاكَهَا) جعلناها زوجة لك بلا عقد ومهر وشهود وهو من خصوصيته (ص) وكان ذلك في السنة الخامسة للهجرة وكان سنها خمساً وثلاثين سنة وكانت صوامة قومة محسنة (أَدْعِيَائِهِمْ) من تبنوهم قبل نسخ التبني.
  3. (38) (مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ) أي قسم له وقدر أو فيما أحل الله له وأمره به من تزوج زينب التي طلقها دعيه زيد بن حارثة (ض) (سُنَّةَ اللَّهِ) أي سن الله ذلك سنة (فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ) مضوا من قبلك من الأنبياء (قَدَرًا مَّقْدُورًا) واقعاً لا محالة، والقدر: إيجاد الأشياء على قدر مخصوص من الوجوه التي تقتضيها الحكمة والمصلحة ويقابله القضاء وهو الإرادة الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه وقد يستعمل كل منهما بمعنى الآخر والأظهر أنه هنا بمعنى القضاء (مَّقْدُورًا) وصف مؤكد لما في قوله تعالى (ظِـلاًّ ظَلِيلا).

ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(قضى) وردت على (10) أوجه

  • الوجه الأول: وردت بمعنى أراد قال تعالى (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا).
  • الوجه الثاني: وردت بمعنى أمر قال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ…).
  • الوجه الثالث: وردت بمعنى عهد قال تعالى (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِين).
  • الوجه الرابع: وردت بمعنى فرغ قال تعالى (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ).
  • الوجه الخامس: وردت بمعنى فعل قال تعالى (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا).
  • الوجه السادس: وردت بمعنى مات قال تعالى (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ).
  • الوجه السابع: وردت بمعنى انتهى قال تعالى (قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَان).
  • الوجه الثامن: وردت بمعنى كتب قال تعالى (وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا).
  • الوجه التاسع: وردت بمعنى فصل قال تعالى (وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون).
  • الوجه العاشر: وردت بمعنى خلق قال تعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ).

رابعاً/ أسباب النزول

سبب نزول الآيتين (36-37) نزلت في زينب بنت جحش الأسدية ابنة أميمة بنت عبدالمطلب عمة رسول الله (ص) ذلك أنه خطبها (ص) لمولاه وحِبه زيد بن حارثه وقال لها (إني أريد أن أزوجك زيد بن حارثة وقد رضيته لك) فأبت واستنكفت منه وقالت يا رسول الله أنا خير حسب ووافقها أخوها عبدالله فلما نزلت الآية رضيا وسلما فانكحها رسول الله (ص) زيد ودخل بها ومكثت عنده نحو سنة وكانت حدية الطبع تخشن له القول وتسمعه ما يكره وتفخر عليه بحسبها فشكاها إلى رسول الله ورغب في فراقها فقال له (أمسك عليك زوجك واتق الله) فنزلت الآية، وقال ابن كثير أنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط (ض) عندما زوجها الرسول زيد بن حارثة بعد زينب وقال أحمد نزلت في امرأة من الأنصار عندما أراد الرسول (ص) أن يخطبها لجليبيب.

خامساً/ وقفات مع الآيات

  • الوقفة الأولى: في الآية (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا…) سواء كان سبب نزول الآية ما جاء في تلك الروايات أو كانت بصدد زواج الرسول (ص) من زينب (ض) فإن القاعدة التي تقررها الآية أعم واشمل وأعمق حداً في نفوس المسلمين وحياتهم وتصورهم الأصل فهذا المقوم من مقومات العقيدة هو الذي استقر في قلوب ذلك المجتمع الأول من المسلمين استقراراً حقيقياً واستيقنتها أنفسهم وتكيفت به مشاعرهم وهذا المقوم يتلخص في أنه ليس لهم من أنفسهم شيء وليس لهم من أمرهم شيء إنما هم وما ملكت أيدهم لله.
  • الوقفة الثانية: في الآية (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ…) إن نظام التبني كانت له آثار واقعية في حياة المجتمعات العربية ولم يكن إبطال هذه الآثار الواقعية في حياة المجتمع ليمضي بالسهولة التي يمضي بها إبطال التبني ذاته فالتقاليد الاجتماعية أعمق أثراً في النفوس ولابد من سوابق عملية مضادة ولابد أن تستقبل هذه السوابق أول أمرها بالإستنكار وأن تكون شديدة الوقع على الكثيرين.
  • الوقفة الثالثة: في الآية (مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ…) فقد فرض الله له أن يتزوج زينب وأن يبطل عادة العرب في تحريم أزواج الأدعيا وإذا فلا حرج في هذا الأمر وليس النبي (ص) بدعاً من الرسل، (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ) فهو أمر يمضي وفق سنة الله التي لا تتبدل والتي تتعلق بحقائق الأشياء لا بما يحوطها من تصورات وتقاليد مصطنعة لا تقوم على أساس، (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا) فهو نافذ مفعول لا يقف في وجهه شيء ولا أحد وهو مقدر بحكمة وخيرة ووزن منظور فيه إلى الغاية التي يريدها الله منه ويعلم ضرورتها وقدرها وزمانها ومكانها وقد أمر الله رسوله أن يبطل تلك العادة ويمحو آثارها عملياً ويقر بنفسه السابقة الواقعية ولم يكن بدًّ من نفاذ أمر الله.

سادساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: يحضر ويمنع على أي مؤمن أو مؤمنة إذا قضى الرسول (ص) بأمر أن يختار غيره (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا…).
  2. الحكم الثاني: وفي هذه الآية دليل المالكية على أن الكفاءة لا تعتبر في الأحساب وإنما تعتبر في الأديان خلافاً للجمهور.
  3. الحكم الثالث: وجوب اتباع أمر الله ورسوله قال تعالى (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا…) لأن صيغة الأمر للوجوب في هذه الآية كما ذهب الجمهور.
  4. الحكم الرابع: وجوب اظهار أحكام الله مهما وجد من حرج في اظهارها.
  5. الحكم الخامس: تبين أحكام الخطبة والزواج وحل الإشكال بين الزوجين إن أمكن ذلك.
  6. الحكم السادس: اختص الرسول (ص) بزواج زينب دون ولي وشاهدين ولا يتعدى إلى غيره.
  7. الحكم السابع: اختصاص الرسول (ص) بالزواج لأكثر من أربع كما سن الله ذلك للرسل من قبله.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى