سميت سورة الأحزاب، لأنها اشتملت على قصة الأحزاب، أي المشركين من قريش، وغطفان، وبني قريظة الذين تحزبوا وتحالفوا على المسلمين وجاءوهم من فوقهم ومن تحتهم في غزوة الخندق فردهم الله مدحورين خائفين، وكفى الله المؤمنين القتال، وقد ذكرت الآيات نتائج هذه الغزوة من الآية 23 إلى 27 وسنشرحها لكم في هذه المقالة
أولاً/ أهداف الدرس
- إبراز صدق المؤمنين وثباتهم.
- خيبة أمل الأحزاب بعودتهم وعدم تحقق أهدافهم.
- بيان عاقبة بني قريضة بعد أنتهاء غزوة الأحزاب.
ثانياً/ التفسير والبيان
- (23) (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ) أدى نذره ووفى بعهده مع الله حتى استشهد في سبيله والنحب النذر وقضاؤه الوفاء به وقيل (قضى نحبه) مات على ما هو عليه من الصدق والوفاء.
- (24) (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ…) أي ابتلاهم الله برؤية الخطب ليجزيهم (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ) في الآخرة (إِن شَاء) أن يموتوا على نفاقهم (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) يوفقهم للتوبة أو يقبل توبتهم إذا تابوا فلا يعذبهم فيها.
- (26) (وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم) وأنزل يهود بني قريظة الذين عاونوا الأحزاب على قتال المسلمين ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين الرسول (ص) غدراً وخيانه (مِن صَيَاصِيهِمْ) من حصونهم جمع صيصية وهي كل ما يتحصن به ومنه قيل لقرن الثور والظبي وشوكة الديك التي في رجله صصيّة لتحصّنها بها وكان ذلك اثر غزوة الخندق في آخر ذي القعدة وقد حاصرهم الرسول (ص) خمساً وعشرين ليلة ثم طلبوا حين اشتد البلاء عليهم أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ (ض) ورضي بذلك الرسول (ص) فحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء فكبر النبي (ص) وقال (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرفقة) فكان القتلى منهم ستمائة أو سبعمائة مقاتل (الرُّعْبَ) الخوف الشديد.
- (27) (وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا) وأورثكم أرضاً لم تطؤوها بعد بقصد القتال وهي خيبر وهي مدينة كبيرة محصنة بينها وبين المدينة أربع مراحل وكان فتحها في شهر المحرم من السنة السابعة وتفصيل هذه الغزوات في السيرة النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
(رجل) وردت على (5) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الرجال الصادقين الأوفياء قال تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى مشاة قال تعالى (فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا) وقال تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى البعولة قال تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) وقال تعالى (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى ذكور بني آدم قال تعالى (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى الرسل قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم).
رابعاً/ وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: في الآية (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا…) إن الآية وإن كانت نزلت في أنس بن النظر (ض) إلا أن هذه الصورة الوضيئة لهذا النموذج من المؤمنين تذكرها تكملة لصورة الإيمان في مقابل صورة النفاق والضعف ونقض العهد من ذلك الفريق لتتم المقابلة في معرض التربية بالأحداث وبالقرآن.
- الوقفة الثانية: في الآية (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ…) ومثل هذا التعقيب يتخلل تصوير الحوادث والمشاهد ليرد الأمر كله إلى الله سبحانه وتعالى ويكشف عن حكمة الأحداث والوقائع فليس شيء منها عبثاً ولا مصادفة إنما تقع وفق حكمة مقدرة وتدبير قاصد وتنتهي إلى ماشاءالله من العواقب وفيها تتجلى رحمة الله بعباده ورحمته ومغفرته أقرب واكبر (إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا).
- الوقفة الثالثة: في الآية (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ…) وقد بدأت المعركة وسارت في طريقها وانتهت إلى نهايتها وزمانها في يد الله يصرفها كيف يشاء واثبت النصر القرآني هذه الحقيقة بطريقة تعبيره فأسند إلى الله اسناد مباشراً كل ماتم من الأحداث والعواقب تقريراً لهذه الحقيقة وتثبيتاً لها في القلوب وإيضاحاً للتصور الإسلامي الصحيح.
- الوقفة الرابعة: في الآية (وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ…) إن اليهود في المدينة لم يهادنوا الإسلام بعد وفوده عليهم إلا فترة قصيرة وكان الرسول (ص) قد عقد معهم مهادنه أول مقدمه إليها أوجب لهم فيها النصرة والحماية مشترطاً عليهم ألا يغدروا ولا يفجروا ولا يتجسسوا ولا يعينوا عدواً ولا يمدوا يداً بأذى ولكنهم مع هذا نكثوا المعاهدة وخانوا وهذا مذكور في السيرة النبوية.
- الوقفة الخامسة: في الآية (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ…) وأورث الله المؤمنين أرض بني قريضة وديارهم لأنهم لم يستحقوها ثم وعد الله المؤمنين أيضاً إلى جانب أرض وديار بني قريضة أرضاً لم يصلوا إليها حتى نزول الآيات وهي أرض خيبر.
خامساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات المتعلقة بغزوة الأحزاب
ارشدت الآيات إلى الأحكام والمبادئ الآتية:
- الحكم الأول: الإيمان بأن النصر الحاسم للمسلمين على المشركين ويهود بني قريضة في غزوة الخندق.
- الحكم الثاني: بيان استجابة الصاحبة الكرام للوقوف في غزوة الأحزاب في صبراً وثبات.
- الحكم الثالث: اليقين بأن ما حدث من مفاجئات في غزوة الأحزاب حقيقة ثابته.
- الحكم الرابع: الوقوف بحزم ضد ناقضي العهود.
- الحكم الخامس: كشف حقيقة المنافقين في هذه الغزوة.
- الحكم السادس: برزت شجاعة المسلمين في هذه الغزوة في أعلى صورها.
- الحكم السابع: مشروعية الخداع في الحرب.
- الحكم الثامن: جواز الإجتهاد في اتخاذ المواقف المناسبة.
- الحكم التاسع: تقسيم أموال بني قريضة بين المسلمين.
- الحكم العاشر: ابرزة المعركة حقيقة صفات المنافقين القبيحة والذميمة.
- الحكم الحادي عشر: القدوة الحقيقة هي الرسول (ص) وهي معيار القدوات.
- الحكم الثاني عشر: جواز التجسس على الأعداء في الأمور المتعلقة بنفع المجتمع أو ضره.
- الحكم الثالث عشر: جزاء الله للصادقين في الآخرة بصدقهم وتعذيب المنافقين.
- الحكم الرابع عشر: الهزيمة الساحقة في غزوة الخندق لجيوش الأحزاب وبني قريضة.