الدرس السادس (سورة الأحزاب)
من الآية (19-22) حرص المنافقين على الحقوق وتهربهم من الواجبات
وفي الدرس السادس من سورة الأحزاب فضح الله في الآيات الـ (19 إلى 22) المنافقين وكيف يحرصون على الحقوق ويتهربون من الواجبات، وفي هذه المقالة سنشرحها لكم تفصيلا:
أولاً/ أهداف الدرس
- بيان حقيقة المنافقين بحرصهم على الغنائم وفرارهم من المعركة.
- إبراز ثقتهم بأنتصار الأحزاب على المؤمنين.
- تحديد القدوة العليا وهو الرسول (ص).
ثانياً/ التفسير والبيان:
- (19) (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) بخلاء عليكم بالنصرة والنفقة في سبيل الله والمعاونه في حفر الخندق وبكل ما فيه منفعة لكم، جمع شحيح من الشح وهو البخل مع الحرص منصوب على الحال من ضمير (يأتون)، (فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ) من جهة العدو أو من المسلمين (رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ) خوف من القتال أو من المسلمين (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ) بإحداقهم يميناً وشمالاً دون أن تطرف (كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) كدوران عيني الذي تغشاه سكرات الموت لذهوله وشدة خوفه (سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ) بسطوا فيكم السنتهم الذربة بالأذاء والسب والتنقيص وأصل السلق بسط العضو ومده للقهر يدا كان أو لساناً و(حداد) ماضية صارمة تؤثر تأثير الحديد (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) بخلاء حريصين على الغنيمة يشاحون المؤمنين عند قسمتها.
- (20) (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ) يتمنى المنافقون إذا فرض رجوع الأحزاب للقتال مرة أخرى أن يكونوا غيبا عنكم في البادية وقوم بادون (يعيشون في البادية) والأعراب: جمع أعرابي وهم أهل البادية كما أن العرب جمع عربي وهم أهل الحاضرة.
- (21) (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) خصلة حسنة من حقها أو أن يؤسى ويقتدي بها وهي الثقة بالله والثبات في الشدائد والصبر على المكاره والقتال بنفسه أو قدوة صالحة بمعنى المتأسي به أو المقتدي به وقرأ بكسر الهمزة والخطاب للمؤمنين الخلّص.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
(خير) وردت على (7) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى المال والغنيمة قال تعالى (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ…).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الإيمان قال تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى أفضل قال تعالى (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِين).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى العافية قال تعالى (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى الأجر قال تعالى (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ).
- الوجه السادس: وردت بمعنى الطعام قال تعالى (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير).
- الوجه السابع: وردت بمعنى الظفر والغنيمة قال تعالى (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا).
رابعاً/ وقفات مع الآيات
الوقفة الأولى: في الآية (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ…) ففي نفوسهم كزازة على المسلمين بالجهد والمال والعواطف والمشاعر (فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ) وهي صورة شاخصة واضحة الملامح متحركة الجوارح وهي في الوقت ذاته مضحكة تثير السخرية من هذا الصنف الجبان الذي تنطق أوصاله وجوارحه في لحظة الخوف بالجبن واشد إثارة للسخرية صورتهم بعد أن يذهب الخوف ويجيء الأمن (فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ) فخرجو من الجحور وارتفعت أصواتهم بعد الإرتعاش (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) فلا يبذلون للخير شيئاً وهم أحرص الناس على طلبه لهم من الغنيمة وغيرها.
الوقفة الثانية: في الآية (يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا…) فهم ما يزالون يرتعشون ويتخاذلون ويخذلون ويأبون أن يصدقوا أن الأحزاب قد ذهبت وأنه قد ذهب الخوف وجاء الأمان (وَإِن يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ) يودون لو أنهم لم يكونوا من أهل المدينة يوماً من الأيام ويتمنون أن يكونوا من أعراب البادية.
الوقفة الثالثة: في الآية (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ…) وقد كان الرسول (ص) على الرغم من الهول المرعب والضيق المجهد مثابة الأمان للمسلمين ومصدر الثقة والرجاء والإطمئنان كما هو قدوة في المواقف الحرجة فهو قدوة في كل شيء في المواقف الإيمانية والعبادات والأخلاق في كل شؤن الحياة.
الوقفة الرابعة: في الآية (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ…) لقد كان الهول الذي واجهه المسلمون في هذا الحادث من الضخامة وكان الكرب الذي واجهوه من الشدة وكان الفزع الذي لقوه من العنف بحيث زلزلهم زلزالاً شديداً كما قال عنهم في القرآن (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا) ولكن مع هذا كله الا أن المؤمنين كانوا متيقنين بالنصر وزادهم ما وقع لهم ايماناً بالله وتسليماً له سبحانه وحده دون سواه.