تفسير سورة الأحزاب
الدرس الثاني (سورة الأحزاب)
من الآية (5 إلى 6) مكانة النبي عليه الصلاة والسلام ومهمته وتشريع الميراث بقرابة الرحم
في مقال اليوم سوف نتحدث لكم عن الدرس الثاني لسورة الأحزاب من الآية الـ 5 إلى الـ 6 والتي بينت فيها مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ومهمته وتشريع الميراث بقرابة الرحم:
أولاً/ أهداف الدرس
- إبطال حكم التبني.
- إبراز مكانة النبي (ص) لدى الصحابة والمسلمين.
ثانياً التفسير والبيان:
- (5) (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ) انسبوهم لآبائهم النسبيين دون غيرهم وكان الرسول قد تبنى قبل البعثة زيد بن حارثه بعد أن اعتقه فما كان يدعى إلا زيد بن محمد فلما نزلت الآية قال الرسول (ص) (أنت زيد بن حارثه ابن شراحيل) (هُوَ أَقْسَطُ) هو أعدل (فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ) لتنسبوهم إليهم (فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) أولياؤكم فيه فادعوهم بالأخوة والمولوية وقولوا للواحد منهم: أخي ومولاي ولذا قيل لسالم بعد نزول الآية سالم مولى أبي حذيفة وكان قد تبناه قبل.
- (6) (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) أي أحق بهم من أنفسهم في الطاعة فإذا دعاهم إلى أمر ودعتهم نفوسهم إلى خلافه وجب أن يؤثروا ما دعاهم إليه على ما دعتهم أنفسهم إليه لأنه لمزيد من شفقته عليهم ونصحه لهم لا يدعوهم إلا إلى ما فيه نجاتهم، ونفوسهم كثيراً ما تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) أي كأمهاتهم في وجوب تعظيمهن وحرمة نكاحهن بعده (ص) حرمة مؤبدة وأما فيما عدا ذلك من النظر إليهن والخلوة بهن وإرثهن ونحو ذلك فهن فيه كالأجنبيات ولذا لم يتعدى التحريم إلى بناتهن (وَأُوْلُو الأَرْحَامِ) أي ذو القربات مطلقاً عصبة وغير عصبة (بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) في الإرث (فِي كِتَابِ اللَّهِ) أي في ما أنزله الله في كتابه وهو آية المواريث في سورة النساء (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ) بيان لأولى الأرحام وكان بالمدينة توارث بين المهاجرين والأنصار بالهجرة والمؤاخاة كما تقدم في آية (72) من الأنفال ثم نسخ بأية (75) منها وأكد النسخ بهذه الآية وجعل التوارث بحق القرابة (إِلاَّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا) أي لكن إذا أوصيتم إلى من توادونهم من هؤلاء بشيء من أموالكم كان ذلك جائزاً فيكون لهم بحكم الوصية لا الميراث.
ثالثاً الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:
(أخوة) وردت على (9) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى أخوة الدين قال تعالى (فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الأخ من أبيه وأمه قال تعالى (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِين).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الأخ من القبيلة قال تعالى (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً…).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الارتباط بين الأنسان وبين الشيطان قال تعالى (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى الأخ في الغواية قال تعالى (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُون).
- الوجه السادس: وردت بمعنى الصاحب قال تعالى (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ).
- الوجه السابع: وردت بمعنى المحبة قال تعالى (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِين).
- الوجه الثامن: وردت بمعنى المشابه قال تعالى (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا).
- الوجه التاسع: وردت بمعنى أخوة الدين والنسب قال تعالى (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا).
رابعاً وقفات مع الآيات:
- الوقفة الأولى: في الآية (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ…) إنه القسط والعدل أن يدّعى الولد لأبيه عدلً للوالد الذي نشأ هذا الولد من بضعة منه حية، وعدل للولد الذي يحمل اسم أبيه ويرثه ويورثه ويتعاون معه ويكون امتداد له بوارثاته الكامنة وتمثيله لخصائصه وخصائص آبائه وأجداده وعدل للحق في ذاته الذي يضع كل شيء في مكانه ويقيم كل علاقة على أصلها الفطري.
- الوقفة الثانية: في قوله تعالى (فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) هي علاقة أدبية شعورية لا تترتب عليها التزامات محددة كالتزام التوارث والتكافل في دفع الديات وهي التزامات النسب بالدم ولكيلا يترك هؤلاء الأدعية بغير رابطة في المجتمع المسلم بعد الغاء رابطة التبني.
- الوقفة الثالثة: في الآية (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ…) بعد ذلك يقرر ابطال نظام المؤاخاة كما أبطل نظام التبني ونظام المؤاخاة لم يكن جاهلياً إنما هو نظام استحدثه الإسلام بعد الهجرة لمواجهة حالة المهاجرين الذين تركوا أموالهم وأهليهم في مكة ومواجهة الحالة كذلك بين المسلمين في المدينة ممن انفصلت علاقاتهم بأسرهم نتيجة لإسلامهم وذلك مع تقرير الولاية العامة للنبي (ص) على جميع الولايات النسبية وهو تقرير الأمومة الروحية بين أزواجه (ص) وجميع المؤمنات.
- الوقفة الرابعة: ويرجع نظام التوارث إلى حالته الطبيعية وهي التوارث النسبي بعد أن زالت الحالة الاستثنائية التي اقتضت التوارث بالأخوة الإسلامية.
خامساً الأحكام المستنبطة من الآيات:
- الحكم الأول: وجوب نسبة الشخص لأبيه الذي ينتمي إليه نسبياً ولا يجوز نسبته إلى غير أبيه قال الرسول (ص) (من أدعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً) رواه الشيخان.
- الحكم الثاني: إباحة أن يقال في دعاء من لم يعرف أبوه يا أخي أو يا مولاي إذا قصد الأخوة في الدين والولاية فيه.
- الحكم الثالث: جعلت أزواج النبي (ص) أمهات المؤمنين في وجوب التعظيم والبر والإجلال وحرمة الزواج بهن من الرجال وتحريم النظر إليهن وحجابهن على الرجال بخلاف الأمهات التي ولدنهن ولا يجوز وراثتهن وتوريثهن من غير نسبهن ولا يتعدى إلى غيرهن.