معجزات من القرآن
الإشارات الكونية في سورة النازعات
جاءت الإشارات القرآنية لتبيان عدد من الحقائق الكونية الغائبة عن الناس، وقد وردت بتعبيرات دقيقة، شاملة ، جامعة، مفصلة، ومجملة تستحث حدس الإنسان بالتوجه نحو هذه الإشارات، وتقوده إلى إعمال العقل، والفكر، حيث أن تلك الإشارات محيط تستقي منه المعرفة الإنسانية كل ما غاب عن علمها عبر الزمان، والمكان، وتبقى هذه الإشارات الرافد الحقيقي للمعرفة الإنسانية، وبصيص النور الذي يقود الإنسان إلى اكتشاف، ومعرفة، وإدراك ما غاب عن إدراكه، وقد وردت مفرقة بين سور القرآن الكريم حسب مقتضى السياق، والإخبار،والأحداث، فهناك آيات كونية عديدة تضمنتها عدة سور، ففي سورة النازعات إشارات يمكن إيجازها فيما يلي:
من الإشارات الكونية في سورة النازعات
- أشارت إلى أن خلق السماء أكبر كثيرا من خلق الإنسان، وكذلك الكائنات الحية.
- الإشارة إلى دقة، ورقة سمك السماء، واعتدالها وإخراج النور بالنهار، والظلمة في الليل، وأن الأصل فيما يحيط بالأرض هو الظلمة، وأن النور يتلاشى عند ارتفاع لا يتجاوز (٢٠٠) كم فوق سطح الأرض، وفوق ذلك ظلمة تامة لا تظهر فيها الشمس إلا كقرص أزرق باهت.
- وأشارت إلى دحو الأرض (تسويتها) وقد كانت عند خلقها غير مستوية.
- إخراج ماء الأرض منها، وما تبعه من إخراج المراعي، والمزروعات، وقد أثبتت العلوم الحديثة أن أصل كل الماء الموجود في الارض قد تكون أساسا مما تخرجه البراكين من بخار الماء.
الدلالات اللغوية لدحو الأرض
قال تعالى {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات:30]
(الدحو) في اللفة العربية: هو البسط، والإلقاء، والدحرجة، والإخراج، ودحو الأرض في العلوم الكونية يشمل مايلي:
- أولا/ إخراج كل ماء الأرض من جوفها، فكوكب الأرض هو أغنى كواكب مجموعتنا الشمسية في المياه ولذلك يطلق عليه (الكوكب المائي) وتغطي المياه نحو (٧١٪) من مساحة الأرض بينما تشغل اليابسة (٢٩٪).
- ثانيا/ إخراج الغلاف الغازي للأرض من جوفها بتحليل الأبخرة المتصاعدة من فوهات البراكين في أماكن مختلفة من الأرض، وقد اتضح أن بخار الماء تصل نسبته إلى أكثر من (٧٠٪) من مجموع تلك الغازات، والأبخرة البركانية بينما يتكون الباقي من أخلاط مختلفة من الغازات.
- ثالثا/ انصهار الصهارة الصخرية في نطاق الضعف الأرضي: هي مصدر مياه الأرض، وغازاتها، وقد ثبت أخيرا أن المياه تحت سطح الأرض توجد على أعماق تفوق كثيرا جميع التقديرات السابقة كما ثبت أن بعض مياه البحار، والمحيطات تتحرك مع رسوبيات قيعانها الزاحفة إلى داخل الغلاف الصخري للأرض بتحرك تلك القيعان تحت كتل القارات ويتسرب الماء إلى داخل الغلاف الصخري للأرض عبر شبكة هائلة من الصدوع، والشقوق التي تمزق ذاك الغلاف في مختلف الاتجاهات، وتحيط بالأرض إحاطة كاملة بعمق يتراوح بين (٦٥-١٥٠) كم، ويبدو أن الصهارة الصخرية في نطاق الضعف الأرضي؛ وهي مصدر رئيسي للمياه الأرضية.
- رابعا/ دورة الماء حول الأرض، فقد شاءت إرادة الخالق العظيم أن يسكن في الأرض هذا القدر الهائل من الماء الذي يكفي جميع متطلبات الحياة على هذا الكوكب؛ ويحفظ التوازن الحراري على سطحه، كما يقلل من فروق درجة الحرارة بين الصيف، والشتاء صونا للحياة بمختلق أشكالها، ومستوياتها، فدورة المياه الأرضية تحمل في كل سنة (380000) كم3 بين الأرض، وغلافها الغازي، وهذا القدر من المياه هو الذي يتبخر من البحار، والمحيطات، ومن اليابسة، وهو الذي ينزل مطراً، وتتباين أماكن السقوط حسب الإرادة الإلهية.
- خامسا/ دحو الأرض معناه: إخراج غلافيها الغازي، والمائي من جوفها، وقد ثبت أن كل ماء الأرض قد أخرجه اللهَ تعالىَ من داخل الأرض عن طريق الأنشطة البركانية المختلفة المصاحبة لتحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض.
- سادسا/ من معجزات القرآن الكريم الإشارة إلى تلك الحقائق العلمية بلغة سهلة جزلة، فالقرآن الكريم عبّر عن حقائق إخراج الغلافين المائي، والغازي للأرض من داخلها؛ ودحوها بقوله (والأرض بعد ذلك دحاها) (٣٠_٣١)
الدلالة اللغوية لهذه الآية
قال تعالى {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات:32] _٢٣)
- (الجبل) في اللغة: هو المرتفع من الأرض ارتفاعا ملحوظا، يجعله يعظم، ويطول على ما حوله من الأرض، وجمعه جبالي، وأجبال ودونه في الارتفاع (التل) ودون التل (الربوة)، أو (الرابية)، أو (الأكمه) وجمعها أكام ودون الأكمة باتساع (النجد)، أو (الهضبة)، ودون الهضبة (السهل)، ودونه (المنخفض).
- (رسا) ثبت ووقرا (والمرسى) مكان (الرسو) أو زمانه (والمرساة) الآلة ترسي بها السفينة (والرواسي) الجبال الثوابت الراسخة.
(والجبال أرساها) في ضوء المعارف الحديثة
الجبال مثبتة في الغلاف الصخري للأرض: وهي أيضا ثبتت الأرض.
- أولاً/ الجبال أرساها بمفهوم إرسائه الجبال على سطح الأرض، وقد ثبت أن كل نتو على سطح الأرض له امتداد في داخلها يتراوح ما بين (١٠_١٥) ضعيف ارتفاع هذا النتوء فوق مستوى سطح البحر، وكل ما زاد هذا الارتفاع الخارجي لتضاريس الأرض زادت امتداداته الداخلية أضعافا كثيرة، وهكذا تثبت الجبال بانغراسها في غلافها الصخري.
- ثانياً/ والجبال أراسها بمفهوم إرساء الأرض بواسطة الجبال تتلخص في الآتي:
- تثبت الجبال ألواح الغلاف الصخري للأرض، حيث أنه كلما تسارعت حركة ألواح الغلاف الصخري للأرض تسارعت الحركات البانية للجبال، وبتسارع بنائها، ثم هدأت حركة هذه الألواح، وهيئت الأرض لاستقبال الحياة.
- تثبت الجبال للأرض كلها ككوكب أي أن الجبال ذات الجذور الغائرة في الغلاف الصخري للأرض يقلل من شدة ترنح الأرض في دورانها حول محورها، ويجعل حركتها أكثر استقرار وانتظام، وسلاسة تماما كما تفعل قطع الرصاص التي توضع حول إطار السيارة لانتظام حركتها، وقلة رجرجتها، وبذلك أصبحت الأرض مؤهلة للعمران، وهنا يتضح وجه من أوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم (والجبال أرساها) وفي تكرار المعنى في تسع مواضع أخرى من كتاب الله وصفت فيها الجبال بأنها رواسي وهي حقائق لم يتوصل إليها العلم إلا متأخراً.