تفسير سورة محمد
سورة محمد (الدرس الأول)
“سورة محمد سورة مدنية، اتفق العلماء على ذلك، ورأى بعضهم أنها أنزلت في أول العهد النبوي، ورُويَ أن الآية 13 نزلت في طريق هجرة النبي محمد إلى المدينة، والسورة تُعْنى بالأحكام التشريعية الخاصة بالقتال، والأسرى، والغنائم، وأحوال المنافقين، ولكنَّ المحور الذي تدور عليه السورة هو موضوع “الجهاد في سبيل الله”، وهي من المثاني، آياتها 38، وترتيبها في المصحف 47، في الجزء السادس والعشرين، بدأت باسم موصول: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} ، نزلت بعد سورة الحديد.[1]”
ومحاور هذا المقطع تتكون من (6) وهي كالتالي:
- المحور الأول أهداف السورة
- المحور الثاني معاني الكلمات
- المحور الثالث الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
- المحور الرابع المفاهيم المستخلصة من الآيات
- المحور الخامس الأحكام المستنبطة من الآيات
- المحور السادس أسباب النزول
أولاً/ أهداف السورة:
- بيان حقيقة الكافرين وحقيقة المؤمنين
- توضيح بأن الله عدو للكافرين وولي للمؤمنين
- بيان إعلان الحرب منه تعالى على أعدائه وأعداء دينه
- بيان الحكمة من القتال (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لاَنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ) والتشجيع على القيام به وتكريم الشهداء في الدنيا والآخرة.
الدرس الأول: من الآية (1-6) سورة محمد الفرق بين الكفار والمؤمنين
أولاً/ أهداف الدرس:
- إبراز عقوبة الذين كفروا بتوحيد الله وصدو عن سبيله
- بيان بطلان الكافرين وعدم قبوله
ثانياً/ تفسير والبيان:
- (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ…) منعوا غيرهم عن الدخول في الإسلام أو الإلتزام بأحكامه والصد المنع والصرف عنه. (أَضَلَّ أَعْمَالَهُم…) أبطل ما عملوه من الكيد للرسول (ص) أو ما يعملونه من البروالخير لأنهم عملوه لغير وجه الله، والضلال العدول عن الطريق المستقيم وضده الهداية.
- (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ…) كفر عنهم سيء أعمالهم فلم يعاقبهم عليه، والكفر الستر واستعمل في المحو مجازاً والسيئة: هي الأمر الذي يخالف منهاج الله مع عباده، الذنب: هو المعصية بين العبد وربه،
- (وَأَصْلَحَ بَالَهُم) حالهم وشأنهم في الدنيا والآخرة بالتوفيق والتأييد والقبول.
- (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُم) أي مثل ذلك البيان يبين الله للناس أحوال الفريقين وأوصافهما وهي اتباع المؤمنين الحق وفوزهم واتباع الكافرين الباطل وخسرانهم.
- (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا…) واجهتموهم في ميدان المعركة فاضربوا رقابهم وهو القتل لأزاله رؤوسهم من عليها، (حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ) أكثرتم فيهم القتل وأوهنتموهم بالجراح ومنعتموهم من النهوض بالحركة، (فَشُدُّوا الْوَثَاقَ) فاحكموا قيد من أسرتموهم لألا يفلتوا منكم، (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء) فمتنوا عليهم بعد الأسر بالإطلاق مناً وإما تفدون فداء والمن الإطلاق بغير عوض والفداء: ما يفتدى به الأسير نفسه من الأسر وهو المقابل إما مادياً أو معنوياً، (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) أوزار الحرب آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها من الأسلحة المتنوعة إما بهزيمة العدو أو بالموادعة، و(حتى) عند الجمهور غاية للضرب أو للشدة أو للمن والفداء معاً أو للمجموع من قوله تعالى (فَضَرْبَ الرِّقَابِ) وعند الحنفية غاية للمن والفداء، (وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ) ولكن أمركم الله بالقتال ليختبر بعضكم ببعض فيمتحن المؤمنين بالكافرين ويمتحن الكافرين بالمؤمنين وتمحيقاً للكافرين، (فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم) فلن يبطلها بل يوقيهم ثوابها.
- (عَرَّفَهَا لَهُم) يهدي أهل الجنة إلى بيوتهم ومساكنهم لا يخطئونها كأنهم ساكنوها منذ خلقوا وذلك بالهام منه تعالى.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:
(سيئة) وردت على (5) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الشرك قال تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ…).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى العذاب قال تعالى (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الضر قال تعالى (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الفاحشة قال تعالى (وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) عن قوم لوط.
- الوجه الخامس: وردت بمعنى صغار الذنوب قال تعالى (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ).
رابعاً/ أسباب النزول:
- سبب نزول الآية (1) (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُم) عن ابن عباس (ض) في قوله تعالى (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا …) هم أهل مكة نزلت فيهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ…) هم الأنصار، وفي رواية أخرى (هم المطعمون في أهل في بدر من الكفار وهم اثنا عشر رجلاً على رأسهم أبوا جهل).
- سبب نزول الآية (4) (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُم) قال قتاده في قوله تعالى (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ…) نزلت يوم أحد ورسول الله في الشعب.
خامساً/ وقفات مع الآيات:
- الوقفة الأولى: محتوى السورة تحتوى السورة على :
- الجهاد في سبيل الله
- من أحكام التشريع المتعلقة بالقتال والأسرى والغنائم
- وصف الكافرين والمؤمنين وجزاء الفريقين في الدنيا والآخرة
- وصف أحوال المنافقين والمرتدين ووعدهم ووعيدهم.
- الوقفة الثانية: كل ما يسمونه مكارم الأخلاق كصلة الرحم وفك الأسرى قرى الضيف والمدافعة عن حقوق الإنسان وبناء المسجد الحرام وخدمة الحجاج لا يقبل مع الكفر بالله قال تعالى (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا) فلا قيمة لعمل صالح دون إيمان فهذا الصلاح شكلي فالعبرة بالباعث على العمل لا بشكل العمل.
- الوقفة الثالثة: إن إصلاح بال المؤمنين يعني الطمأنينة والراحة والثقة والرضى والسلام واستقامة الشعور والتفكير السليم والأمن والسلام.
- الوقفة الرابعة: بيان سبب إبطال أعمال الكافرين بأنهم اتبعوا الباطل وسبب قبول أعمال المؤمنين وإصلاح بالهم لأنهم أتبعوا الحق.
- الوقفة الخامسة: المقصود بلقاء الكافرين (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ…) وهو لقاء الحرب والقتال لا مجرد لقاء عابر لأغراض أخرى.
- الوقفة السادس: الجهاد طريق للإختبار والإمتحان ليعرف الصادق الصابر والمضحي المجاهد في سبيل الله.
سادساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات:
- الحكم الأول: إن قبول الأعمال مرتبط بقصد الفاعل ابتغاء وجه الله ووفق منهاجه وإذا قصد به غير ذلك فهو غير مقبول (أَضَلَّ أَعْمَالَهُم … كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُم).
- الحكم الثاني: حكم الأسر هو التخيير بين المن والفداء وأما الحالات التي وردت غير هذا مثل قتل بعض الأسرى كان لظروف محددة زماناً ومكاناً لأن الأمر بالقتال في قوله تعالى (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ) فهو أثناء المعركة وبعد المعركة وأما الاسترقاق فهو المواجهة وهو التعامل بالمقابل الذي يتعامل به الكافرون مع أسرى المسلمين فإذا حدث أن اتفقت المعسكرات كلها على عدم الاسترقاق للأسرى فإن الإسلام يرجع إلى قاعدته الوحيدة (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء).
- الحكم الثالث: وجوب نشر الإسلام بالوسائل السلمية ولا يحمل السلاح في مواجهة الأعداء إلا إذا وجد له مقتضى قال تعالى (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا).
- الحكم الرابع: وجوب نصرة دين الله بكل الوسائل الممكنة والعمل على تطبيق أحكامه في واقع الحياة.