
في الدرس التاسع من تفسير سورة آل عمران بيّنت الآيات كيفية اصطفاء الله لمن يشاء من عباده وقصة نذر امرأة عمران لما في بطنها، وهذه التفاصيل
التفسير والبيان لآيات الدرس التاسع سورة آل عمران
- (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ) نزلت حين قال اليهود (نحن أبناء إبراهيم واسحاق ويعقوب ونحن على دينهم) ولكن أن الله تعالى اختار هؤلاء لأداء رسالته وهي الإسلام وأنتم على غير دين الإسلام إذ أمركم باتباعه فخالفتم وأرسل إليكم رسولا بشر به موسى وعيسى عليهما السلام فكذبتم وهو من بيت النبوة ومن ذرية إبراهيم كموسى وعيسى عليهما السلام وقد اصطفاه كما اصطفى من قبله فلما كفرتم به؟
- (35) امرأة عمران هي حنه أم مريم وعمران هذا غير عمران أبي موسى عليه السلام وبينهما نحو ألف وثمان مائة سنة وهذا فيه نظر.
- (محررا) مخلصا لعبادتك وخدمة بيتك المقدس معتقاً من أمر الدنيا من حررت العبد خلصته من الرق واعتقته ورجل حر إذا كان خاصا لنفسه ليس لأحد عليه يد أو تصرف.
- (36) (أُعِيذُهَا بِكَ) أمنها وأجبرها بحفظك من العوذ وهو أن تلتجئ وتتعلق به يقال عاذ فلان بفلان إذا استجار به ومنه العوذة وهي التميمة والرقية.
- (37) (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) ضمها الله تعالى إلى زكريا وجعله كافلاً لها وضامنا لمصالحها (وهو زوج خالتها) بالقرعة اجروها حينما اختلفوا فيمن يكفلها من الكفالة بمعنى الضمان يقال كفله وتكفل به وأكفله إياه ضمنه والكفيل الضامن كالكافل وهو الذي يعول غيره.
- (الْمِحْرَابَ) هو غرفة في بيت المقدس لا يصعد إليه إلا مسلم أو هو المسجد وكانت مساجدهم تسمى المحاريب وسمي محرابا لأنه محل محاربة الشيطان والهوى (أَنَّى لَكِ هَـذَا) من أين يجيئ لك هذا الرزق؟
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(نذر) وردت على (5) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى التطوع على سبيل الالتزام قال تعالى (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي….) (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ…) (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ….).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى التحذير قال تعالى (أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ) (وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ…) (وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى…).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى المخبر قال تعالى (وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ).
- الوجه الرابع: رودت بمعنى الرسل قال تعالى{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُر}[القمر:23] {وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُر}[القمر:41] (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِير قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ) {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا}[النازعات:45].
- الوجه الخامس: رودت بمعنى الشيب قال تعالى (وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ) كما قال بعض المفسرين.
وقفات مع آيات الدرس التاسع سورة آل عمران
- الوقفة الأولى: إن الإصطفى المذكور في الآية لآدم بشخصه ونوحاً بشخصه ولكن الإصطفى لآل إبراهيم وآل عمران لأسرهما مشتمل الإصطفى لهما ولذريتهما ولكن على قاعدة أنها وراثة النبوة والبركة وليست وراثة كورثة الدم وإنما هي وراثة العقيدة كما قال الله تعالى في سورة البقرة ردا على طلب إبراهيم عندما قال له (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين).
- الوقفة الثانية: إن الدعاء الخاشع من امرأة عمران بأن يتقبل ربها منها نذرها وهو فلذة كبدها ينم عن الإسلام الخالص لله والتوجه إليه كلية والتحرر من كل قيد والتجرد إلا من ابتغاء قبوله ورضاه.
- الوقفة الثالثة: إن مناجات مريم لربها مناجات القريب مناجات من يشعر أنه منفرد بربه يحدثه عما في نفسه وبما بين يديه ويقدم له ما يملك تقديما مباشرا لطيفا وهي الحال التي يكون فيها هؤلاء العباد المختارون مع ربهم حال الود والقرب والمباشرة والمناجات البسيطة العبارة.
- الوقفة الرابعة: (وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم) وهي الكلمة الأخيرة حيث تودع الأم هديتها من الشيطان الرجيم.
- الوقفة الخامسة: يأتي جزاء هذا الإخلاص الذي يعمر قلب الأم وهذا التجرد الكامل في النذر واعداد لها أن تستقبل نفخة الروح وكلمة الله وأن تلد عيسى عليه السلام على غير مثال من ولادة البشر.
- الوقفة السادسة: إن عناية الله بمريم جعل ستارها كفالة زكريا لها وعنايته بها بتكليف من الله له وهذه الكفالة تكريم من الله لزكريا باختيار الله له ولمريم بعنايته الخاصة وإنزال الرزق المباشر لها في محرابها.
الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: الإيمان بأن الله يصطفي من يشاء من خلقه (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ…).
- الحكم الثاني: الإعتقاد بأن الله له أن يخرق السنن التي سنها في الكون وفي الإنسان وذلك بأن المولود لابد أن يكون نتيجة لالتقاء رجل بإمرة فكان عيسى على غير ذلك وكذلك الرزق يأتي بأتخاذ الأسباب ورزق مريم كان يأتي بدون اتخاذ الأسباب.
- الحكم الثالث: جواز تسمية المولود يوم الولادة وهو شرع من قبلنا.