2024-12-19 8:40 م
إدارة الموقع
2024-12-19 8:40 م
تفسير سورة الأنعام

تفسير سورة الأنعام من الدرس السادس والعشرين وحتى الأربعين

الدرس السادس والعشرون من (108-110)

النهي عن سب معبودات المشركين تفادياً لسبهم الله سبحانه وتعالى وبيان خطورة سب معبودات المشركين خشية أن يكون رد فعلهم سب الله سبحانه وتعالى بغير علم بالإضافة لابراز كذب الكفار بربط ايمانهم بالله بوجود آيات ومعجزات مادية.

 التفسير والبيان

(108) (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ…) والسب: الشتم الوجيع وذكر المساوئ لمجرد التحقير والإهانة (عَدْوًا) اعتداء وظلماً والعدو الإعتداء والتجاوز عن الحق إلى الباطل نهوا عن سب الأوثان ولعنها.

(109) (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ…) ابلغ ما في وسعهم في تغليظ الحلف، الجهد الوسع والطاقة من جهد نفسه يجهدها في الأمر إذا بلغ أقصى وسعها وطاقاتها فيه، أي اقسموا مجتهدين في أيمانهم والمراد أنهم أكدوا الأيمان وشددوها بأقصى وسعهم (قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ) أعلمهم أن مرجع الآيات كلها إلى حكمه تعالى خاصة يقضي فيها حسب مشيئته المبنية على الحكم البالغة لا قدرة لأحد عليها، فكيف أتصدى لاستدعاء انزالها وأمرها لله وحده (وَمَا يُشْعِرُكُمْ) أي وما يدريكم أيها المؤمنون الراغبون في انزالها طمعاً في اسلامهم (أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُون) أنا أعلم أنهم لا يؤمنون وأنتم لا تعلمون ذلك ولذا توقعتم إيمانهم ورغبتم في نزولها فالاستفهام في معنى النفي، وهو اخبار عنهم بعدم العلم لا إنكار عليهم وقيل (أن) بالفتح بمعنى لعل، أي وما يدريكم حالهم عند مجيئ الآيات لعلها إذا جاءت لا يؤمنون فما بالكم تتمنوا مجيئها.

(110) (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون) وندعهم في تجاوزهم الحد في العصيان يترددون متحيرين (يَعْمَهُون) يعمون عن الرشد أو يتحيرون.

تفسير سورة الأنعام من الدرس (12- 25)

الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(قسم) وردت على (2) وجهين

الوجه الأول: وردت بمعنى حلف قال تعالى (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ…) وقال تعالى (لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَد).

الوجه الثاني: وردت بمعنى القسمة قال تعالى (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ…) وقال تعالى (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ…).

 اسباب النزول

سبب نزول الآية (108) (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ…) (كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فيسبوا أي الكفار الله فأنزل الله الآية) رواه قتادة.

سبب نزول الآية (109) (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ…) (كلم رسول الله (ص) قريشاً فقالوا تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر وأن عيسى كان يحي الموتى وأن ثمود لهم الناقة فأتنا من الآيات حتى نصدقك فقال الرسول (ص) أي شيء تحبون أن آتيكم به قالوا تجعل لنا الصفا ذهبا قال فإن فعلت تصدقوني؟ قالوا: نعم والله فقام رسول الله يدعو فجاءه جبريل : إن شئت أصبح ذهبا فإن لم يصدقوا عند ذلك لنعذبنهم عذاب الإستئصال) وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم فقال الرسول (ص) أتركهم حتى يتوب تائبهم فأنزل الله الآية.

وقفات مع الآيات

الوقفة الأولى: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ…) إن الطبيعة التي خلق الله الناس بها أن كل من عمل عملاً فانه يستحسنه ويدافع عنه فإن كان يعمل الصالحات استحسنها ودافع عنها وإن كان يعمل السيئات استحسنها ودافع عنها وإن كان على الهدى رآه حسنا وإن كان على الضلال رآه حسناً كذلك فهذه طبيعة الإنسان وهؤلاء يدعون من دون الله شركاء مع علمهم وتسليمهم بأن الله هو الخالق الرازق ولكن إذا سب المسلمون آلهتهم اندفعوا وغدوا عما يعتقدونه من أولوهية غير الله دفاعاً عما زين لهم من عبادتهم وتصوراتهم فليدعهم المؤمنون لما هم فيه (ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُون) وهو أدب يليق بالمؤمن المطمئن لدينه.

الوقفة الثانية: (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ…) إن القلب الذي لا يؤمن بآيات الله المبثوثة في هذا الوجود بعد توجيهه إليها على هذا النحو العجيب الذي تكفل به هذا الكتاب المبين ولا توحي آيات الله المبثوثة في الأنفس والأفاق إليه أن يبادر إلى ربه ويثوب إلى كنفه، إن هذا القلب هو قلب مقلوب والذي عاق هؤلاء عن الإيمان في أول الأمر، ما الذي يدري المسلمين الذين يقترحون إجابة طلبهم أن يعوقهم عن الإيمان بعد ظهور الخارقة.

الوقفة الثالثة: إن الله يعلم حقيقة هذه القلوب وهو يذر المكذبين في طغيانهم يعمهون لأنه يعلم منهم أنهم يستحقون جزاء التكذيب كما يعلم عنهم أنهم لا يستجيبون ولو نزل إليهم الملائكة كما يقترحون ولو بعث لهم الموتى يكلمونهم كما اقترحوا كذلك ولو حشر الله عليهم كل شيء في هذا الوجود يواجههم ويدعوهم إلى الإيمان إنهم لا يؤمنون إلا أن يشاء الله، والله سبحانه لا يشاء لأنهم لا يجاهدون في الله ليهديهم الله إليه وهذه هي الحقيقة التي يجهلها أكثر الناس عن طبائع القلوب.

الأحكام المستنبطة من الآيات

الحكم الأول: الله ينهى المؤمنين عن مجارات الكفار ومبادلتهم السباب والشتم والقبائح سد لذرائع الفساد.

الحكم الثاني: وجوب الحكم بسد الذرائع وفي الآية دليل على أن المحق قد يكف عن حق له إذا أدى إلى ضرر في الدين وقال الرسول (ص) (لعن الله الرجل يسب ابويه) قيل كيف يا رسول الله يسب أبويه قال (يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه) متفق عليه.

 

الدرس السابع والعشرون من (111-113)

من مظاهر تعنت المشركين  وبيان مظاهر تعنت المشركين وابراز تعنت المشركين واصرارهم على الكفر

التفسير والبيان

(111) (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا) ولو أننا آتيناهم ما أقترحوه فنزلنا عليهم الملائكة وأحيينا لهم الموتى يشهدون عيانا بصدقك وزدنا على ذلك فجمعنا لهم جميع الخلائق مقابلة ومعاينة حتى يواجههم ويشهدون لك بالرسالة أو كفلاء بصدقك ما استقام لهم الإيمان لسوء استعدادهم وفساد فطرهم، والحشر: الجمع (قُبُلاً) بضمتين بمعنى مواجهة ومعاينة وهو بمعنى قبلاً بالقراءة الأخرى وقيل جمع قبيل بمعنى كفيل أو بمعنى جماعة أو أصنافا.

(112) (شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ) مردة النوعين والشيطان كل عات متمرد من الإنس والجن جعلنا لكل نبي أعداء من شياطين الإنس والجن يسر بعضهم لبعض ما يفتنون به المؤمنين الصالحين ويزينون لهم الباطل والمعاصي ليغروهم ويخدعوهم وزخرف القول باطله الذي زين وموه بالكذب وأصل الزخرف الزينة المزوقة والغرور الخداع والأخذ على غرة.

(113) (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ) ولتميل إلى هذا الزخرف الباطل قلوب الكافرين معطوفاً على (غرورا) المنصوب على أنه مفعول له ، وأصل الصغو الميل وأصغى إليه مال بسمعه وأصغى الإناء أماله (وَلِيَقْتَرِفُواْ) وليكتسبوا من الأعمال الخبيثة ما هم مكتسبون وأصل القرف والإقتراف قشر اللحى عن الشجر والجلدة من الجرح واستعير الإقتراف للإكتساب مطلقاً ولكنه في الإسائة أكثر وقال أبو حيان ترتيب هذه المفاعيل في غاية الفصاحة لأنه أولاً يكون الخداع فيكون الميل فيكون الرضاء فيكون الإقتراف فكل واحد مسبب عما قبله.

 الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(كلم) وردت على (9) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى المشافهة قال تعالى (وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى…).

الوجه الثاني: وردت بمعنى كلام الله لموسى قال تعالى (وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) وقال تعالى (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ).

الوجه الثالث: وردت بمعنى عجائبه قال تعالى (لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي).

الوجه الرابع: وردت بمعنى مناسك قال تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ…).

الوجه الخامس: وردت بمعنى الكلمات التي تلقاها آدم (س) قال تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ).

الوجه السادس: وردت بمعنى (لا إله إلا الله) قال تعالى (يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ).

الوجه السابع: وردت بمعنى كلمة الله عيسى (س) قال تعالى (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ).

الوجه الثامن: وردت بمعنى دين الله قال تعالى (لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ).

الوجه التاسع: وردت بمعنى القرآن الكريم (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا…).

أسباب النزول

سبب نزول الآية (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ…) روى عن ابن عباس (ض) أن رسول الله (ص) أتى جماعة من كفار مكة وزعمائها فقالوا له أرنا الملائكة يشهدون بأنك رسول الله أو ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم أحق ما تقول أو باطل أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا فنزلت الآية.

وقفات مع الآيات

الوقفة الأولى: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ…) إن الآية تتحدث عن الحقائق التالية:

الحقيقة الأولى: هي أن الإيمان أو الكفر أو الهدى والضلال لا يتعلق بالبراهين والأدلة على الحق فالحق هو برهان في ذاته وله من السلطان على القلب البشري ما يجعله يقبله ويطمئن إليه ويرضخ له، ولكنها المعوقات الأخرى (وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُون)

الحقيقة الثانية: هي أن مشيئة الله هي المرجع الأخير في قضية الهدى والضلال (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ)

الحقيقة الثالثة: هي أن الطائعين والعصات في قبضة الله سواء وتحت قهره وسلطانه سواء (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ)

الوقفة الثانية: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا…) كذلك كالذي قدرنا من أن أولئك المشركين الذين يعلقون إيمانهم بمجئ الخوارق ويعرضون عن دلائل الهدى وموحياته في الكون والنفس لا يقع منهم الإيمان ولو جاءتهم كل أية كذلك الذي قدرنا في شأن هؤلاء قدرنا أن يكون لكل نبي عدو هم شياطين الإنس والجن وقدرنا أن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول ليخدعوهم به ويغروهم بحرب الرسل وحرب الهدى وقدرنا أن تصغي إلى هذه الزخارف أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ويرضوه ويقترفوا ما يقترفونه من العداوة للرسل والحق ومن الضلال والفساد في الأرض، كل ذلك جرى بقدر الله وفق مشيئته ولو شاء ربك ما فعلوه ولمضت مشيئته بغير هذا كله.

الوقفة الثالثة: (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ…) أي لتستمع إلى ذلك الخداع والإيحاء قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة، فهؤلاء يحصرون كل همهم في الدنيا وهم يرون الشياطين في هذه الدنيا يقفون بالمرصاد لكل نبي وينالون بالأذى أتباع كل نبي ويزين بعضهم لبعض القول والفعل فيخضعون للشياطين معجبين بزخرفهم الباطل معجبين بسلطتهم في الخداع ثم يكسبون ما يكسبون من الإثم والشرك والمعصية والفساد.

الأحكام المستنبطة من الآيات

الحكم الأول: دلت الآيات على عدم ايمان الكفار بالله ولو جاءت كل البراهين إلا بمشيئة الله.

الحكم الثاني: الإعتقاد بأن سنة الله في الخلق ظهور اعداء من الجن والإنس للأنبياء واتباعهم.

الحكم الثالث: الإيمان بأن الذين لا يؤمنون بالأخرة هم الذين يصغون لوساوس شياطين الجن والإنس ويقتنعون بالقول المزين المغشوش الذي لا مصداقيه له ولا صحة ولا بقاء ولا استقرار.

الحكم الرابع: أن الله قادر على تحويل الكافرين إلى مؤمنين ولكن حكمته ومشيئته وإرادته اقتضت ترك الإختيار إليهم ليكون الجزاء عدلاً مطابقاً للواقع.

 

الدرس الثامن والعشرون من (114-117)

القرآن الكريم دليل صدق رسالة النبي واثبات رسالة الرسول (ص) وبيان خطورة اتباع الضالين

التفسير والبيان

(114) (فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين) أي من الشاكين في أن أهل الكتاب يعلمون أن القرآن منزل من عند ربك بالحق وقيل: الخطاب لكل من يتأتى منه الإمتراء أو للرسول (ص) والمقصود به أمته.

(115) (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) أي كمل كلامه تعالى وهو القرآن وبلغ الغاية صادقاً في أخباره عادلاً في أحكامه (لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ) لا مبدل لها بخلف في الأخبار أو نقص في الأحكام أو تحريف أو تبديل وهذا ضمانً من عند الله لكتابه بالحفظ.

(116) (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ) الخطاب له (ص) ولأمته وقيل له والمراد أمته، (وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُون) أي يكذبون وشأنهم الكذب فهم مستمرون عليه مع ما فيهم من اتباع الظن في شأن خالقهم ومن ذلك تحريم الحلال وتحليل الحرام وأصل الخرص: القول بالظن واستعمل في الكذب لما يداخله من الظنون الكاذبة.

 الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(حكم) وردت على (7) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى الحاكم والمتصرف قال تعالى (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا…).

الوجه الثاني: وردت بمعنى الموعظة قال تعالى (وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ…).

الوجه الثالث: وردت بمعنى وضع الشيء في موضعة قال تعالى (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ).

الوجه الرابع: وردت بمعنى العلم والفهم قال تعالى (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا).

الوجه الخامس: وردت بمعنى النبوة قال تعالى (فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ …).

الوجه السادس: وردت بمعنى الحق والصواب قال تعالى (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ).

الوجه السابع: وردت بمعنى الأسلوب الحسن في دعوة الناس إلى الخير قال تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).

وقفات مع الآيات

الوقفة الأولى: (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا…) إنه سؤال على لسان رسوله (ص) للإستنكار أن يبتغي حكما غير الله تعالى في شأن من الشؤون على الإطلاق وتقرير الجهة الحاكمة في الأمر كله وافرادها بهذا الحق الذي لا جدال فيه ونفي أن يكون هناك أحد غير الله يجوز أن يتجه إليه طالباً حكمة في أمر الحياة كلها.

(وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) لقد نزل هذا الكتاب ليحكم بين الناس في ما اختلفوا ولتتمثل فيه حاكمية الله وألوهيته ثم أنزل هذا مفصلا محتوياً على المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحياة كلها ومفصلاً أيضاً.

الوقفة الثانية: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ…) وما يزال أهل الكتاب يعلمون أن هذا الكتاب منزل من عند الله بالحق وقوة هذا الدين تنبثق من هذا الحق الذي لا لبس به ومن هذا الحق الذي يحتويه.

الوقفة الثالثة: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً…) لقد تمت كلمة الله سبحانه صدقاً فيما قال وقرر وعدلاً فيما شرع وحكم فلم يعد ذلك قول لقائل في عقيدة أو تصور أو أصل أو مبدأ أو قيمة أو ميزان.

الوقفة الرابعة: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ…) ولقد كان أكثر من في الأرض كما هو الحال اليوم بالضبط من أهل الجاهلية لم يكونوا يجعلون الله هو الحكم في أمرهم كله وشريعته هي المنظمة لحياتهم، ولم يكونوا يستمدون تصوراتهم وأفكارهم ومناهج حياتهم من هدي الله وتوجيهه.

الوقفة الخامسة: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ…) فلابد من قاعدة للحكم على عقائد الناس وتصوراتهم ومبادئهم وموازينهم ونشاطهم وأعمالهم وتقرير الحق والباطل.

أن الله وحده يقرر القواعد التي تزن عقائد الناس وموازينهم وهو صاحب الحق في وضع الميزان الذي يزن الناس به ويقرر من هو المهتدي ومن هو الضال.

الأحكام المستنبطة من الآيات

الحكم الأول: وجوب الإعتقاد بأن القرآن الكريم هو المعجزة الدائمة الخالدة الدالة على النبوة.

الحكم الثاني: بيان معرفة أهل الكتاب وبشارات أنبيائهم به وبصدقه وبصدق القرآن.

الحكم الثالث: وجوب إتباع دلالات القرآن لأنه حق لا يمكن تبديله بما يناقضه.

الحكم الرابع: الإعتقاد بأن الله وحده هو الذي يعلم بالمهتدين والضالين.

 

الدرس التاسع والعشرون من (118-121)

إباحة الأكل من الذبائح التي ذكر أسم الله عليها وتحريم الأكل مما لم يذكر اسم الله عليها وبيان ما يحل أكله وما لا يحل أكله من الذبائح.

التفسير والبيان

(118) (فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ) كما قال المشركون أتأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتل ربكم نزلت الآية: والخطاب للمسلمين أي كلوا مما ذكر على ذبحه اسم الله خاصة دون ما ذكر اسم غيره أو ما ذبح على النصب أو اسم مع اسمه تعالى أو ما مات حتف انفه كما قال تعالى (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ).

(119) (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) وقد بين لكم ما حرمه عليكم من المطعومات إلا ما دعتكم إليه الضرورة بوحي غير متلوّ أو بقوله تعالى (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا) الآية(145) من هذه السورة، والتأخر في التلاوة لا يوجب التأخر في النزول.

(120) (وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ) اتركوا جميع المعاصي سرها وعلانيتها أو ما كان منها بالجوارح وما كان بالقلوب (يَقْتَرِفُون) يكتسبون من الإثم أيً كان.

(121) (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ) نهوا عن أكل الميتات بأنواعها وما أهل به لغير الله من ذبائح المشركين وما ذبح على النصب ونحوه وما ذكر عليه اسم مع اسمه تعالى أما ذبائح المسلمين وذبائح أهل الكتاب إذا ذكر عليها اسم الله فحلال. وتقدم الخلاف في ذبائح أهل الكتاب إذا ذكر عليها اسم العزير أو المسيح في تفسير آيتي البقرة والمائدة / البقرة (133)/ المائدة (3) فيه ثلاثة آراء.

الرأي الأول: قول الجمهور أنه إذا ذكر اسم عزير أو المسيح على الذبائح فلا تحِل.

الرأي الثاني: قال به جماعة من التابعين أنه يحِل ذبائح أهل الكتاب لعموم الآية.

الرأي الثالث: أنه إذا سمع تسمية عزير أو المسيح على الذبائح فيحرم وإذا لم يسمع فلا يحرم وهذا الرأي رواه الحسن عن علي بن أبي طالب (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) وأن أكل ذلك خروج عن طاعة الله وقد اختلف الأئمة في ذبيحة المسلم إذا لم يذكر اسم الله عليها: فذهب قوم إلى تحريمها سوء تركها عمداً أو سهواً وذهب آخرون إلى حلها وذهب قوم آخرون إلى حلها إذا تركها سهواً وإلى حرمتها إذا تركت عمداً والمذاهب والأدلة مبسوطة في الفقه.

 الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(حرم) وردت على (5) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى ما حرمه الله تعالى قال تعالى (…وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ…).

الوجه الثاني: وردت بمعنى المنع قال تعالى (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ…) وقال تعالى (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُون).

الوجه الثالث: وردت بمعنى محل التحريم قال تعالى (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ) وقال تعالى (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ).

الوجه الرابع: وردت بمعنى المناسك قال تعالى (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ) يعنى المناسك.

الوجه الخامس: وردت بمعنى عدد من الحرمات حرمة الشهور وحرمة البلد وحرمة البيت وحرمة الإحرام قال تعالى (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ…).

 وقفات مع الآيات

الوقفة الأولى: (فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ…) المبادئ الأساسية التي تقررها الآيات:

المبدأ الأول: يقرر الوجه ويحدد الإتجاه ويعلق ايمان الناس بطاعة هذا الأمر الصادر إليهم من الله (فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ…).

المبدأ الثاني: أن الإمتناع عن الأكل مما أباحه الله يعتبر مخالف لأمر الله ما دام قد بينه (وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ).

المبدأ الثالث: أن التحريم والتحليل من حق الله وليس من حق أي انسان.

الوقفة الثانية: (وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم…) ويأمرهم بأن يتركوا الإثم كله ظاهرة وخافيه ومنه هذا الذي يزاولونه من إضلال الناس بالهوى وبغير علم وحملهم على شرائع ليست من عند الله، وافترى أنها شريعة الله ويحذرهم مغبة هذا الإثم الذي يفترونه.

الوقفة الثالثة: (وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ…) ثم ينهى عن الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح التي كانوا يذكرون عليها اسماء غير الله أو ينحرونها للميسر ويستقسمونها بالأزلام أو الميتة التي كانوا يجادلون المسلمين في تحريمها.

الوقفة الرابعة: (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ…) إن النص القرآني لقاطع في أن طاعة المسلم لأحد من البشر في جزيئة من جزيئات التشريع التي لا تستمد من شريعة الله ولا تعتمد على الإعتراف له وحده بالحاكمية، أن طاعة المسلم في هذه الجزئية تخرجه من الإسلام لله إلى دائرة الشرك بالله إذا تعمد مخالفته لشريعة الله.

 الأحكام المستنبطة من الآيات

الحكم الأول: إباحة ما ذبحه المسلم وذكر اسم الله عليه.

الحكم الثاني: الأمر بذكر اسم الله على الذبائح وكل مطعوم ومشروب.

الحكم الثالث: أن الإيمان بأحكام الله والأخذ بها بتضمن ويقتضي الأخذ بها والإنقياد لها.

الحكم الرابع: عدم إباحة ما لم يذكر اسم الله عليه كالميتات وما ذبح على النصب وغيرها.

الحكم الخامس: إباحة المحرمات حال الضرورة الشرعية بقدر ما تقتضيه الضرورة.

الحكم السادس: تحريم ارتكاب جميع المعاصي سواء في السراء وفي العلن وسواء افعال الجوارح أو افعال القلوب.

الحكم السابع: كل من استحل حراماً أو حرم حلالاً خارج شريعة الله فهو ظالم.

الدرس الثلاثون من (122-124)

 

مثل المؤمن المهتدي والكافر الضال وإبراز نور الهداية وظلمات الضلال وبيان تعنت المشركين ومطالبيهم بالنبوة.

التفسير والبيان

(122) (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ…) أي أأنتم مثلهم ومن كان ميتا فأعطيناه الحياة وجعلنا له نوراً عظيماً يمشي به فيما بين الناس آمناً كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها، وهو تمثيل للمؤمن والكافر لتنفير المسلمين عن طاعة المشركين فمثل المؤمن المهتدي كمن كان ميتاً هالكً فأحياه الله واعطاه نوراً يستضئ به في مصالحه ويهتدي به إلى طرقه، ومثل الكافر الضال كمن هو منغمس في الظلمات لا خلاص له منها، فهو على الدوام متحير لا يهتدي، فكيف يستويان؟! والنور هو القرآن أو الإسلام، والظلمات ظلمة الكفر وظلمة الجهل وظلمة عمى البصيرة وهو كقوله تعالى (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِير وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّور وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُور وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاء وَلاَ الأَمْوَاتُ) [فاطر] (19-22).

(123) (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا…) أي وكما جعلنا في قريتك رؤساء دعاة إلى الكفر وإلى عداوتك جعلنا في كل قرية من قرى الرسل من قبلك رأساء من المجرمين مثلهم، ليمكروا فيها ويتجبروا على الناس، ثم كانت العاقبة للرسل. والأكابر جمع أكبر وهم الرؤساء والعظماء والمجرمون. جمع مجرم من أجرم إذا أكتسب أمراً مكروهاً، ومنه الجرم والجريمة للذنب والإثم.

(124) (صَغَارٌ) ذل وهوان بعد استكبارهم.

 الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(موت) وردت على (5) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى الضلال قال تعالى (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ…) وقال تعالى (وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاء وَلاَ الأَمْوَاتُ).

الوجه الثاني: وردت بمعنى حال النطفة قبل انتقالها قال تعالى (وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ) وقال تعالى (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ).

الوجه الثالث: وردت بمعنى الأرض الميتة قبل انبات النبات فيها قال تعالى (وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ).

الوجه الرابع: وردت بمعنى ذهاب الروح وانتهاء الأجل قال تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون).

الوجه الخامس: وردت بمعنى ذهاب الروح قبل انتهاء الأجل قال تعالى (ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ).

 اسباب النزول

سبب نزول الآية (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ…) عن ابن عباس (ض) قال نزلت في عمرو وأبي جهل والمقصود أن الكافر الضال أبو جهل والمؤمن المهتدي قيل عمر بن الخطاب وقيل حمزة بن عبدالمطلب .

سبب نزول الآية (وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ…) نزلت في الوليد بن المغيرة قال: لو كانت النبوة حقاً لكنت أولى بها من محمد لأني أكبر منه سناً وأكثر منه مالاً وولداً.

وقفات مع الآيات

الوقفة الأولى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ…) إن هذه الآيات تصور طبيعة الهدى وطبيعة الإيمان وتعبر تعبيراً حقيقياً واقعياً عن حقيقة واقعية كذلك فهي حقيقة نعم الله ولكنها حقيقة روحية وفكرية حقيقة تذاق بالتجربة ولا تملك العبارة إلا أن تستحضر مذاق التجربة ولكن لمن ذاقها فعلاً ثم إذا قلوبهم ينضح عليها الإيمان فتهتز وإذا أرواحهم يشرق فيها النور فتضئ ويفيض منها النور فتمشي به في الناس: تهدي الضال وتلتقط الشارد وتطمئن الخائف وتحرر المستعبد وتكشف معالم الطريق للبشر وتعلن في الأرض ميلاد الإنسان الجديد الإنسان المتحرر المستنير الذي خرج بعبوديته لله وحده من عبودية العبيد ولكن القلب الذي ينقطع عن الحياة والإيمان والنور يسمع في الظلمة الوسوسة ولا يرى ولا يحس ولا يميز الهدى من الضلال في ذلك الظلام العميق (كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ).

الوقفة الثانية: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ…) إنها سنة جارية أن ينتدب في كل قرية أو مدينة نفراً من أكابر المجرمين فيها يقفون موقف العداء من دين الله ومن رسله لأنهم يشعرون بأن هذا الدين إذا ترسخت جذوره ستنهي مصالحهم الباطلة التي تنشأ على ظلم عامة الناس ولكن هذا المكر الباطل لا يستمر بل لابد أن تكون له نهاية خاسرة (وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُون).

الوقفة الثالثة: (وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ) وواضح أن الكبر النفسي وما أعتاده الأكابر من الخصوصية بين أتباعهم ومظهر هذه الخصوصية الأمر منهم والطاعة والإتباع من الأتباع. واضح أن هذا من أسباب تزيين الكفر في نفوسهم ووقوفهم من الرسل والدين موقف العداء.

ويرد الله على قولتهم المنكرة الغبية أولاً بتقرير أن أمر اختيار الرسل للرسالة موكول إلى علم الله المحيط بمن يليق بهذا الأمر الكوني الخطير ويرد عليهم ثانياً بالتهديد والتحقير وسوء المصير (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ…).

ما أرشدت إليه الآيات

1- المؤمن المهتدي كمن كان ميتاً فأحياه الله والكافر الضال يعيش في الواقع في ظلمات بعضها فوق بعض.

2- سنة الله في الإجتماع البشري أن يكون النفوذ للأكابر.

3- النبوة والرسالة تمنح لمن هو مأموناً عليها وأقدر على تحملها.

الدرس الواحد والثلاثون من (125-130)

 

من علامات الإيمان انشراح الصدر ومن علامات الكفر ضيق الصدر

 التفسير والبيان

(125) (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ…) أي فمن يرد الله أن يهديه للإسلام ويوفقه له يوسع صدره لقبوله ويسهله له بفضله وإحسانه ومن يريد أن يضله يصير صدره ضيقاً متزايد الضيق، لا منفذ فيه للإسلام كأنما إذا دعي إليه قد كلف الصعود إلى السماء وهو لا يستطيعه بحال.

وشرح الصدر: توسيعه (حَرَجًا) شديد الضيق والحرج: مصدر حرج صدره حرجاً فهو حرج أي ضاق ضيقاً شديداً وصف به الضيق للمبالغة كأنه نفس الضيق، وأصل الحرج مجتمع الشيء ويقال للغيضة الملتفة الأشجار التي يصعب دخولها حرجة (يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء) أي يتصعد بمعنى يتكلف الصعود فلا يستطيعه (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ) أي مثل جعل صدره ضيقاً حرجاً يجعل الله العذاب على الكافرين، وأصل الرجس النتن والقذر أو المأثم أو العمل المؤدي إلى العذاب.

(127) (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ…) متولي إيصال الخير لهم أو مواليهم أو ناصرهم بسبب أعمالهم الصالحة.

(128) (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ…) المعشر الجماعة أمرهم واحد والمراد بالجن هنا الشياطين، (اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ) أكثرتم من دعوتهم للضلال والغراية ويقال لهم في ذلك اليوم: قد أكثرتم من إغوائكم الإنس وإضلالكم إياهم أو أكثرتم منهم بأن جعلتموهم أتباعكم.

(رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ) أي أنتفع الإنس من الجن حيث دلوهم على المفاسد وما توصل إليها الجن بالإنس حيث أطاعوهم وأنقادوا إليهم فصاروا كالأتباع لهم والمراد بهم الكفار.

(النَّارُ مَثْوَاكُمْ) مأواكم ومستقركم ومقامكم (إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ) الأرجح أن المراد بهذا الإستثناء وبنظائره في آيات أخرى المبالغة في الخلود أي أنه لا تنتفي في وقت من الأوقات مشيئته تعالى وهو سبحانه لا يشأ ذلك فقد أخبر أن هؤلاء الكفار لا يخرجون من النار أبدا وفي ايراد المعنى بهذه الصورة بيان أن مرد الأمور كلها إلى الله سبحانه ومشيئته وأن خلودهم إنما كان بمحض المشيئة ولو شاء الله عدمه لم يخلدوا وفيه تنكيل آخر بهم وهو بقائهم في حيرة دائمة وتردد بين الطمع في الخروج واليأس منه.

الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(سلم) وردت على (9) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى الدين الإسلامي قال تعالى (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ…).

الوجه الثاني: وردت بمعنى الإخلاص قال تعالى (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِين).

الوجه الثالث: وردت بمعنى الإقرار قال تعالى (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ…).

الوجه الرابع: وردت بمعنى الصلح قال تعالى (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا…).

الوجه الخامس: وردت بمعنى السلام قال تعالى (السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ) وقال تعالى (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ).

الوجه السادس: وردت بمعنى الخير قال تعالى (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ) وقال تعالى (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا).

الوجه السابع: وردت بمعنى الثناء الحسن قال تعالى (سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِين) وقال تعالى (سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُون).

الوجه الثامن: وردت بمعنى السلامة من الشر قال تعالى (قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيم).

الوجه التاسع: وردت بمعنى التحية قال تعالى (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) وقال تعالى (وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَاب سَلاَمٌ عَلَيْكُم).

 وقفات مع الآيات

الوقفة الأولى: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ…) من يقدر الله له الهداية وفق سنته الجارية من هداية من يرغب في الهدى ويتجه إليه بالقدر المعطى له من الإختيار بقصد الإبتلاء (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ) فيتسع له ويستقبله في يسر ورغبه وبتفاعل معه ويطمئن إليه ويستروح به ويستريح له.

ومن يقّدر له الضلال وفق سنته الجارية من إضلال من يرغب عن الهدى ويغلق فطرته عنه (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء) فهو مغلق مطموس يجد العسر والمشقة في قبوله (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء) وهي حالة نفسية تجسم حالة حسية من ضيق النفس وكربة الصدر والرهق المضني في التصعد إلى السماء وينتهي المشهد بهذا التعقيب. (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُون) ومن معاني الرجس العذاب ومن معانيه كذلك الإرتكاس وكلاهما يلوّن هذا العذاب بمشهد الذي يرتكس في العذاب ويعود إليه ولا يفارقه.

الوقفة الثانية: (وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا) بهذه الإضافة المطمئنة الموحية بالثقة المبشر بالنهاية هذه سنة في الهدي والضلال وتلك هي شريعته في الحل والحرمة كلاهما سواء في ميزان الله وكلاهما لحمة في سياق قرآنه وقد فصل الله آياته وبينها ولكن الذين يتذكرون ولا ينسون ولا يغفلون هم الذين ينتفعون بهذا البيان وهذا التفصيل فالقلب المؤمن يتذكر ولا يغفل وقلبه منشرح مبسوط مفتوح وقلب حي يستقبل ويستجيب وهؤلاء لهم دار السلام عند ربهم.

الوقفة الثالثة: (وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا…) إن المشهد يبدأ معروضاً في المستقبل (وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا) ولكنه يستحيل واقعاً للسامع يتراءى له مواجهة ذلك بحذف لفظة واحدة في العبارة فتقدير الكلام (وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا) فيقول يا معشر الجن والإنس ولكن حذفت كلمة (يقول) ينتقل بالتعبير المصور نقلة بعيدة ويحيل السياق من مستقبل ينتظر إلى واقع ينظر وذلك من خصائص التصوير القرآني العجيب.

الوقفة الرابعة: (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ) استكثرتم من التابعين لكم من الإنس المستمعين إلى إيحاءاتكم المطعين لوسوستكم المتبعين لخطواتكم وهو اخبار لا يقصد به الإجبار فالجن يعلمون أنهم قد استكثروا من الإنس إنما يقصد به تسجيل الجريمة جريمة إغواء هذا الحشد الكبير الذي نكاد نلمحه في المشهد المعروض ويقصد به التأنيب على الجريمة (وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ) وهو جواب يكشف عن طبيعة الغفلة والخفة في هؤلاء الاتباع كما يكشف عن مدخل الشيطان إلى نفوسهم في دار الخداع لقد كانوا يستمتعون بإغواء الجن لهم وتزيينه ما كانوا يزينون لهم من التصورات والأفكار ومن المكابرة والإستهتار ومن الإثم ظاهرة وباطنه عند ذلك يجي الحكم الفاصل بالجزاء العادل (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ….).

الوقفة الخامسة: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ…) بمثل هذا الذي قام به الجن والإنس من ولاء وبمثل ما انتهى إليه هذا الولاء من مصير يمثل ذلك وعلى قاعدته نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون، نجعل بعضهم أولياء بعض بحكم ما بينهم من تشابه في الطبع والحقيقة وبحكم ما بينهم من اتفاق في الوجهة والهدف وبحكم ما ينتظر من وحدة في المصير، وهو تقرير عام أبعد مدى من حدود المناسبة التي كانت حاضرة، أنه يتناول طبيعة الولاء بين الشياطين من الإنس والجن.

الوقفة السادسة: (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ…) وهو سؤال للتقرير والتسجيل فالله سبحانه يعلم ما كان من أمرهم في الحياة الدنيا. والجواب عليه اقرار منهم باستحقاقهم هذا الجزاء في الآخرة، والخطاب موجه للجن والإنس لأن الجن كانوا يستمعون ما أنزل على الرسل وينطلقون إلى قومهم منذرين به كالذي رواه القرآن الكريم من أمر الجن في سورة الأحقاف وقد أجاب الجن والإنس على السؤال بالإعتراف الكامل (قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا…) ويعقب السياق على إجابتهم (وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِين).

الأحكام المستنبطة من الآيات

الحكم الأول: اثبات إرادة الله في هداية الإنسان وتوفيقة

الحكم الثاني: الإعتقاد أن ما جاء به الرسول (ص) هو الصراط المستقيم

الحكم الثالث: الإيمان بخلود الكافرين في النار

 

الدرس الثاني والثلاثون من (131-135)

التهديد بعذاب الإستأصال والإنذار بعذاب القيامة

أولاً أهداف الدرس:

1- بيان أن الله لم يهلك القرى إلا بعد ارسال الرسل وعدم استجابتهم لهم وصدهم عن سبيل الله.

2- ابراز بعض صفات الله سبحانه الغني ذو الرحمة.

3- عرض القرآن الكريم اسلوب من اساليب الرسل في الدعوة إلى الله وهو الحوار.

 التفسير والبيان

(131) (ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى…) إتيان الرسل وانذارهم ثابت لأنه لم يكن ربك مهلك القرى بسبب أي ظلم فعلوه قبل أن ينهوا إلى بطلانه وينهوا عنه قال تعالى (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلاَ فِيهَا نَذِير) [فاطر:24] (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا) [الإسراء:15]

(134) (وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِين) بجاعليه عاجزاَ عنكم غير قادر على إدراككم من أعجزه بمعنى جعله عاجزاً أو بفائتين العذاب من أعجزه الأمر فاته.

(135) (اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ) على غاية تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وتمكن ابلغ التمكين والأمر للتهديد والوعيد.

الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(ذهب) وردت على (7) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى الإزالة قال تعالى (يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء).

الوجه الثاني: وردت بمعنى المسلك قال تعالى (فَأَيْنَ تَذْهَبُون).

الوجه الثالث: وردت بمعنى الدعوة قال تعالى (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى).

الوجه الرابع: وردت بمعنى الهجرة قال تعالى (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِين).

الوجه الخامس: وردت بمعنى الإنفراد بالشيء قال تعالى (إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ).

الوجه السادس: وردت بمعنى المشي والإنتقال قال تعالى (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون).

الوجه السابع: وردت بمعنى بذرتم وأخذتم واستوفيتم قال تعالى (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ).

 وقفات مع الآيات

الوقفة الأولى: (ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى…) لقد اقتضت رحمة الله بالناس الا يؤخذهم على الشرك والكفر حتى يرسل إليهم الرسل على الرغم مما أودعه بفطرتهم من الإتجاه إلى ربها فإذا لم تتجه إليه فقد تضل هذه الفطر وعلى الرغم مما اعطائهم من قوة العقل والإدراك فالعقل قد يضل تحت ضغط الشهوات وعلى الرغم مما في كتاب الكون المفتوح من آيات فقد تتعطل أجهزة الإستقبال كلها في الكيان البشري، لقد أناط الله بالرسل والرسالات استنقاذ الفطرة من الركام واستنقاذ العقل من الإنحراف واستنقاذ البصائر والحواس من الإنطماس، وجعل العذاب مرهون بالتكذيب والكفر بعد البلاغ والإنذار.

الوقفة الثانية: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ…) فللمؤمنين درجات درجة فوق درجة والشياطين درجات درجة تحت درجة وفق الأعمال والأعمال مرصودة لا يغيب منها شيء.

الوقفة الثالثة: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ…) فلا ينسى الله أيهم باقون في رحمة الله وأن بقائهم معلق بمشيئة الله وأن ما في أيديهم من سلطان إنما خولهم الله إياه فليس هو سلطاناً أصيلاً ولا وجود مختاراً فما لأحد في نشأته ووجوده من يد وما لأحد بما أعطيه من سلطان ومن قدرة وذهابهم واستخلاف غيرهم هين على الله كما أنشأكم من ذرية قوم سبقوا واستخلف من بعدهم بقدر من الله.

الوقفة الرابعة: (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ…) إنكم في يد الله وقبضته ورهن مشيئته وقدرتة فلستم بمفلتين أو مستعصين ويوم الحشر ينتظركم وأنه آت لا ريب فيه ولن تفلتوا يومها ولن تعجزوا الله القوي المتين.

الوقفة الخامسة: (قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ…) إنه تهديد الواثق من الحق الذي معه والحق الذي وراءه ومن القوة التي في الحق ومن القوة التي وراء الحق والتهديد من الرسول (ص) بأنه نافض يديه من أمرهم واثق مما هو عليه من الحق، واثق من منهجه وطريقته ،واثق كذلك مما هم عليه من الضلال واثق من مصيرهم الذي هم إليه منتهون (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون)

الأحكام المستنبطة من الآيات

الحكم الأول: الإعتقاد بأن الله يعامل الناس جميعاً ومنهم الكفار فلا يعذبهم إلا بعد تكذيبهم بالرسل.

الحكم الثاني: دلت الآيات على صفات عظمة لله عز وجل ومنها الغني المطلق عن خلقه وعن أعمالهم.

الحكم الثالث: كما دلت الآيات على أن وعد الله محقق منجز ومن وعده الجزاء لأهل الخير بالنعيم ولأهل الشر بالعذاب.

الحكم الرابع: كما تضمنت الآيات انذارين انذار في الدنيا لتصحيح الأعمال وانذار بالآخرة للرهبة والحساب.

 

الدرس الثالث والثلاثون من (136-140)

في الزروع والثمار والأنعام وقتل الأولاد

أولاً أهداف الدرس:

1- بيان موقفنا من الذبائح التي ذكر اسم الله عليها والتي لم يذكر اسم الله عليها.

2- ابراز حقيقة النذور من الثمار والأنعام والأولاد.

التفسير والبيان

(136) (وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ) شروع في ذكر أحكام المشركين الفاسدة درجوا عليها في الجاهلية فقد كانوا يجعلون من زروعهم وأنعامهم وسائر أموالهم نصيباً لله، ونصيباً لأوثانهم ، فيشركونها في أموالهم فما كان لله يصرفونه إلى الضيفان والمساكين وما كان للأوثان ينفقونه عليها وعلى سدنتها فإذا رأوا ما جعلوه لله أزكى بدلوه بما للأوثان وإذا رأوا ما جعلوه للأوثان أزكى تركوه لها فنزلت الآية

(ذَرَأَ) بمعنى خلق وقيل: الذرأ الخلق على وجه الإختراع (الْحَرْثِ) الزرع (الأَنْعَامِ) الإبل والبقر والضأن والمعز.

(137) (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ) ومثل ذلك التزيين في قسمة الأموال بين الله والأوثان، زين لهم شركاؤهم من الشياطين أو السدنة قتل بناتهم خشية القلة أو العار فأطاعوهم فيما يأمروهم به من المعصية وسموا شركاء لأنهم اشركوهم مع الله في أموالهم أو في الطاعة لهم (قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ) وأد البنات الصغار أحياء (لِيُرْدُوهُمْ) ليهلكوهم بالإغواء (وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) ليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين اسماعيل (س) حتى زالوا عنه إلى الشرك من اللبس وهو الخلط بين الأشياء التي يشبه بعضه بعضا (يَفْتَرُون) يختلقونه من الكذب.

(138) (وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) ما جعلوه لآلهتهم من أنعام وحرث محجورة أي ممنوعة محرمة لا يطعمها إلا الرجال دون النساء وأنعام حرمت ظهورها فلا تركب ولا يحمل عليها وهي البحائر والسوائب والوصائل والحوامي وأنعام ذبحت للأصنام فيذكرون عليها عند الذباحة أسماء أصنامهم دون اسم الله تعالى.

(139) (مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ…) أرادوا أجنة البحائر والسوائب المحرمة فزعموا أن ما ولد منها حياً فهو حلال للرجال ومحرم على النساء وما ولد ميتاً أشترك في أكله الرجال والنساء وهذا نوع آخر من جهالتهم (وَصْفَهُمْ) كذبهم على التحليل والتحريم.

 الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(لبس) وردت على (4) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى الخلط قال تعالى (…لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) وقال تعالى (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ) وقال تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ).

الوجه الثاني: وردت بمعنى ملاصقاً وساتراً قال تعالى (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) وقال تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا).

الوجه الثالث: وردت بمعنى الثياب والزينة قال تعالى (قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ) وقال تعالى (يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِين).

الوجه الرابع: وردت بمعنى العمل الصالح قال تعالى (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ).

وقفات مع الآيات

الوقفة الأولى: إن هذا الدرس يعرض مجموعة التصورات والمزاعم الجاهلية منها:

1- تقسيم ما رزقهم الله من رزق إلى قسمين قسم يجعلونه لله وقسم يجعلونه لشركائهم.

2- إنهم يجورون على النصيب الذي قسموه لله فيأخذون جانباً منه ويضمونه إلى ما قسموه لشركائهم (فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ).

3- أنهم يقتلون أولادهم لتزيين من الشركاء والشياطين.

4- أنهم كانوا يحجرون بعض الأنعام وبعض الزروع فيزعمون أنها لا تطعم إلا بإذن خاص من الله.

5- كانوا يحلون ما في بطون بعض الأنعام من الحمل لذكورهم ومحرم على اناثهم.

الوقفة الثانية: خطوات المنهج القرآني في تصويب هذه التصورات:

الخطوة الأولى: قرار خسران الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم

الخطوة الثانية: إن الله لفت أنظارهم إلى أن الله هو الذي أنشأ هذه الأموال التي يتصرفون بها هذه التصرفات

الخطوة الثالثة: أن القرآن أبرز سخافة تصوراتهم فيما يخص الأنعام

الخطوة الرابعة: يقرر القرآن أن صاحب الحق في التشريع وهو الله سبحانه

الوقفة الثالثة: (وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ…) يقرر السياق أن الله هو الذي أنشأ لهم هذه الزروع والأنعام ثم ينكر بعد هذا التقرير ما يفعلونه بما رزقهم إذ يجعلون له منه سبحانه جزءاً ويجعلون لأوثانهم جزءاً ثم هم بعد ذلك يجورون على الجزء الذي جعلوه لله فيأخذون منه لآلهتهم.

الوقفة الرابعة: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ…) وكما زين الشركاء والشياطين لهم ذلك التصرف في أموالهم كذلك زين لهم قتل أولادهم وذلك ما كانوا يفعلونه من وأد البنات خشية الإملاق أو خشية السبي والعار ومن قتل بعض الأبناء في النذر لآلهتهم وذلك التزيين من الشركاء والشياطين ليردوا المشركين ويلبسون عليهم دينهم وكما فعلوا هذا التزيين للمشركين في الجاهلية القديمة كذلك يفعلون اليوم مع أصحاب الجاهلية الحديثة بأساليب أخرى.

الوقفة الخامسة: (وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ…) قال الطبري (وهذا إخبار من الله تعالى ذكره عن هؤلاء الجهلة من المشركين يحرمون ويحللون من قبل أنفسهم من غير أذن لهم من الله بشيء من ذلك، والحجر الحرام في نظرهم هو ما فعلوه في الأنعام على النحو الآتي هي الأنواع المسمات في آية المائدة (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ) وفعلوا هذا (افْتِرَاء عَلَى اللّهِ) إفترائهم على الله وتخرصهم بالباطل عليه وسيجزيهم الله بما كانوا يفترون.

الوقفة السادسة: (وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ…) لقد استطردوا في أوهام التصورات النابعة من انحرافات الشرك والوثنية ومن ترك أمر التحليل والتحريم للرجال فقالوا هذه الأجنة التي في بطون بعض الأنعام والتي يسمونها (البحيرة والسائبة والوصيلة) إنها خالصة لذكورنا ومحرمه على اناثنا. ويعقب السياق القرآني تعقيب التهديد لمن صاغوا هذه الشرائع وكذبوا على الله ووصفوها أنها من شرع الله (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيم).

الوقفة السابعة: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا…) خسروا الخسارة المطلقة في الدنيا والآخرة وتطال الخسارة أنفسهم وكرامتهم وأولادهم وخسروا هدى الله (قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِين).

الأحكام المستنبطة من الآيات

هذه ألوان من شرائع الجاهلية قبل الإسلام التي أبتدعها المشركون واخترعوها بأهوائهم وآرائهم الفاسدة وهي ثلاث أنواع.

النوع الأول: تقسيم ما رزقهم الله من الزروع والثمار والأنعام إلى قسمين قسم لله وقسم لشركائهم.

النوع الثاني: تزيين الشركاء والشياطين للمشركين قتل أولادهم خشية الفقر أو العار أو النذر لآلهتهم.

النوع الثالث: تقسيم الأنعام والحرث إلى ثلاثة أقسام:

1- أنعام وأقوات ممنوع الإنتفاع بها على أحد

2- أنعام حرمت ظهورها فلا تركب ولا يحمل عليها

3- أنعام لا يذكرون اسم الله عليها عند الذبائح وإنما يذكرون عليها اسماء الأصنام ولا ينتفعون بها حتى في الحج.

حكم الله على المشركين بسبعة أمور:

1- الخسران 2- السفاهة 3- الجهل وعدم العلم 4- تحريم ما أحل الله لهم 5- الإفتراء على الله 6- الضلال وعدم الرشد 7- إنهم ما كانوا مهتدين.

 

الدرس الرابع والثلاثون من (141-144)

 

الأدلة الواضحة على قدرة الله

أولاً أهداف الدرس: 1- ابراز أن الله تعالى مصدر بقاء الناس بإمدادهم بالنعم الكثيرة الوفيرة 2- بيان أن مصدر التشريع الصالح لكل زمان ومكان هو الله وحده

ثانياً التفسير والبيان:

(141) (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ…) أي أن الله عز شأنه هو الذي ابدع هذه الجنات والثمار والزروع المختلفة الأنواع والأشكال والروائح والطعوم والألوان التي ينتفع بها الإنسان والحيوان وليس لأحد من خلقه في ذلك شراكة أو تأثير فكيف يشركون معه غيره؟ أو يتصرفون فيما خلقه لهم بالتحليل والتحريم؟ والقسمة بين الله وآلهتهم الباطلة افتراء على الله؟ (مَّعْرُوشَاتٍ) وهي ما انبسط على الأرض وانتشر، مما يحتاج إلى أن يتخذ له عريش يحمل عليه: كالكرم والبطيخ والقرع، جمع معروش والعرش: عيدان تصنع كهيئة السقف فتمسكه، (وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ) وهو ما قام على ساق واستغنى باستوائه وقوة ساقه عن التعريش: كالنحل والشجر (مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ) أي ثمره الذي يؤكل منه في الهيئة والطعم (مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ) أي متشابهة في المنظر وغير متشابه في الطعم أو متشابهاً بعض افرادهما في اللون أو الطعم أو الهيئة وغير متشابه في بعضهما (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) أدوا زكاته المفروضة يوم قطعه وجذاذه ، وهذه الآية مدنية وإن كانت السورة مكية. وهذا رأي

(وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا) أي وأنشأ لكم من الأنعام حمولة ما يحمل عليها وفرشاً ما يستفاد من أصوافها وأوبارها واشعارها (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) لا تسلكوا طرقه في التحليل والتحريم كأهل الجاهلية افتراء على الله ، جمع خطوة وأصلها ما بين قدمي الماشي، أريد بها ما ذكر مجازاً.

(143) (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) بدل من حمولة وفرشا أي ثمانية أصناف : أربعة ذكور من الإبل والبقر والضأن والمعز وأربعة اناث كذلك خلقها الله لتنتفعوا بها أكلاً وركوباً وحملاً وحلباً وغير ذلك، ولم يحرم شيئاً منها ولا من أولادها فمن الإفتراء على الله تحريم ما لم يحرمه.

(144) (وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَـذَا) أمركم الله بما ذكر سابقاً.

ثالثاً الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:

(فرش) وردت على (4) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى البساط الذي يفرش على الأرض أو صغار الأنعام قال تعالى (وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا).

الوجه الثاني: وردت بمعنى مهيئة صالحة للإستقرار قال تعالى (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً).

الوجه الثالث: وردت بمعنى النساء مرتفعات الأقدار في حسنهن وكمالهن من الحور العين أو من نساء الدنيا المنشأت / قاله القرطبي قال تعالى (وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَة).

الوجه الرابع: وردت بمعنى طائر ليس بذباب ولا بعوض قال تعالى (كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث).

رابعاً اسباب النزول:

سبب نزول الآية (141) (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) أخبر الطبراني عن ابن جريج قال نزلت في ثابت ابن قيس بن الشماس: جذ نخلاً فقال ( لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة فنزلت الآية.

خامساً وقفات مع الآيات:

الوقفة الأولى: (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ…) إن الله هو الذي خلق هذه الجنات ابتداء، وهذه الإنسيات المعروضات التي يتعهدها الإنسان بالعرائش والحوائط ومنها البريات التي تنبت بذاتها بقدر الله وتنموا بلا مساعدة من الإنسان بمختلف أنواع الاشجار والثمار. وإن الله سبحانه الذي بث الحياة في هذه الأرض ونوعها هذا التنوع، وجعلها مناسبة للوظائف التي تتطلبها حياة الناس في الأرض، فكيف يذهب الناس في مواجهات هذه الآيات وهذه الحقائق إلى تحكيم غير الله في شأن الزروع والثمار والأنعام والأموال.

الوقفة الثانية: (كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ…) ذلك ليذكرهم أن هذا رزق الله وخلقه والشيطان لم يخلق شيء ، فما بالهم يتبعونه في رزق الله؟ ثم يذكرهم أن الشيطان لهم عدو مبين فما بالهم يتبعون خطوته وهو العدو المبين.

الوقفة الثالثة: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ…) فهذه الأنعام التي يدور حولها الجدل والتي ذكرت في الآية أن الله خلقها لهم هي ثمانية أزواج وكل من الذكر والأنثى يطلق عليه لفظ زوج عندما يكون مع رفيقه، زوج من الضأن وزوج من المعز فأي منها حرمه الله على أي من الناس أم أنه حرم أجنتها في البطون (نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِين) فهذه الشؤون لا يفتى فيها بالظن ولا يقضى فيها بالحدس ولا يشرع فيها بغير سلطان معلوم، وبقية الأزواج ذكر وانثى من الإبل وذكر وانثى من البقر فإيهما كذلك حرام أم أجنتها هي التي حرمها الله على الناس ومن أين هذا التحريم؟

(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَـذَا) فحضرتم وشهدتم وصية الله لكم خاصة بهذا التحريم فما ينبغي أن يكون هناك تحريم بغير أمر من الله مستيقن لا يرجع فيه إلى الظنون.

الوقفة الرابعة: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا…) إنه لا أحد أظلم ممن يفتري على الله شريعة لم يأذن بها ثم يقول شريعة الله، وهو يقصد أن يضل الناس بغير علم أولئك لن يهديهم الله، فقد قطعوا ما بينهم وبين أسباب الهدى واشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً (إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين).

سادساً الأحكام المستنبطة من الآيات:

الحكم الأول: تقرير التوحيد واثبات الالوهية والربوبية لله عز وجل وأن في الآية (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ…) ثلاث أدلة:

الأول: أن المتغيرات لابد لها من مغير.

الثاني: المنة من الله بأن خلق الله غذاء مناسباً لحياتنا.

الثالث: ابراز قدرة الله فيما خلق لنا منها ما ورد في الآيات المذكورة.

الحكم الثاني: وجوب الزكاة المفروضة في الزروع والثمار العشر أو نصف العشر كما هو مبين في الفقه الإسلامي على الأرجح.

الحكم الثالث: وجوب استشعارنا لعظم نعم الله ومنها تسخير الأنعام للركوب والأكل والفرش والحلب.

 

 

الدرس الخامس والثلاثون من (145-147)

المطعومات المحرمة على المسلمين

أولاً أهداف الدرس: 1- بيان المحرمات من المطعومات على المسلمين.

2- ابراز ما حرمه الله على اليهود

ثانياً التفسير والبيان:

(145) (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ…) قل لهم: قد تتبعت ما أوحي إلي الآن فلم أجد من المطاعم المحرمة إلا هذه الأربع، وليس فيها ما زعمتم من المحرمات، كالبحائر والسوائب ونحوها، والحصر حقيقي بالنسبة لما نزل تحريمه وقد وردت السنة بعد نزول هذه الآية بتحريم لحوم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير وقيل الحصر إضافي بالنسبة لما زعموا من تحريم البحائر والسوائب، أي إنما حرم هذه الأربع دون ما يزعمون من ذلك فلا ينافي تحريم غيرها مما ذكر (عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ) على أي آكل يأكله (دَمًا مَّسْفُوحًا) سائلاً مهرقاً (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فإن لحم الخنزير نتن قذر. أو نجس خبيث مخبث (أَوْ فِسْقًا) عطف على (لحم) وسمي فسقاً لتوغله في الخروج عن الطاعة (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ) ذبح على غير اسم الله تعالى (فَمَنِ اضْطُرَّ) فمن ألجئ بإكراه أو جوع مهلك مع فقد الحلال إلى أكل شيء من هذه المحرمات الأربع فلا اثم عليه في أكلها (غَيْرَ بَاغٍ) غير طالب للمحرم للذات أو استئثار (وَلاَ عَادٍ) ولا متجاوز ما يسد الرمق.

(146) (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ) حرم الله على اليهود خاصة أشياء أخرى غير هذه الأربع بسبب بغيهم فحرم عليهم (كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) لحماً وشحماً وهو ما لم يكن مشقوق الأصابع من بهيمة أو طير ويدخل فيها الإبل والنعام والبط والإوز وحرم عليهم من شحوم البقر والغنم شحم الكليتين والشحم الذي على الكرش وأحل لهم 1- الشحم العالق بظهورهما وقيل العالق بالظهر والجنب من داخل بطونهما 2- ما حملته الحوايا من الشحوم وهي ما تحوي من الأمعاء أي تجمع واستدار 3- ما اختلط بعضم وهو شحم الإلية المتصلة بالعصعص في الضأن.

(147) (وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ) عذابه ونقمته إذا جاء، ومنهما المقدر في علم الله.

ثالثاً الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:

(حرم) وردت على (5) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى التحريم قال تعالى (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا…).

الوجه الثاني: وردت بمعنى المنع قال تعالى (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ…).

الوجه الثالث: وردت بمعنى محل التحريم قال تعالى (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ) وقال تعالى (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ).

الوجه الرابع: وردت بمعنى المناسك قال تعالى (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ…).

الوجه الخامس: وردت بمعنى جميع المحرمات قال تعالى (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ…).

رابعاً أسباب النزول:

سبب نزول الآية (145) (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا…) أخرج عبد بن حميد عن طاؤوس قال (إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون اشياء ويستحلون أشياء فنزلت (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا…).

خامساً وقفات مع الآيات:

الوقفة الأولى: بين الله في هذه السورة أنه لا محرم من المطعومات إلا هذه الأربع: الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به. وأكد ذلك في سورة البقرة آية (173) وفي سورة النحل آية (115) وما ورد في سورة المائدة آية (1) تأكيد لذلك وما فصل فيها بقوله (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) أعتبرها المفسرون تفصيل للميتة.

الوقفة الثانية: قل يا محمد لا أجد فيما أحي إلى من كتابه شيئاً محرماً على آكل يأكله مما تذكرون أنه حرمه من هذه الأنعام التي تصفون تحريم ما حرم عليكم منها بزعمكم إلا أنه يكون (مَيْتَةً) قد ماتت بغير تذكية (أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا) وهو المنصب أو إلا أن يكون لحم خنزير (فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا) وهو الذي يذبحونه لأصنامهم فإن ذلك الذبح فسق نهى الله عنه وحرمه.

الوقفة الثالثة: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ…) فمن اضطر إلى أكل ما حرم الله من أكل الميته والدم المسفوح أو لحم الخنزير أو ما أهل لغير الله به غير باغ في أكله إياه تلذذاً لا ضرورة حالة من الجوع ولا عاد في أكله يتجاوزه ما حدده وأباحه له من أكله وذلك بأن يأكل منه ما يدفع عنه الخوف عن نفسه بترك أكله من الهلاك ولم يتجاوز ذلك لأكثر منه فلا حرج عليه في أكله ما أكل من ذلك (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيم).

الوقفة الرابعة: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ…) والنص يبين سبب هذا التحريم، وهو سبب خاص باليهود ويؤكد أن هذا هو الصدق لا ما يقولونه هم من أن اسرائيل (يعقوب) هو الذي حرم هذا على نفسه فهم يتبعونه فيما حرم على نفسه لقد كان هذا حلالاً مباحاً ليعقوب ولكنه حرم عليهم بعد ما بغوا فجازاهم الله بهذا الحرمان من الطيبات.

الوقفة الخامسة: (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ…) فقل ربكم ذو رحمة واسعة بنا وبمن كان مؤمن من عباده وبغيرهم من خلقه فرحمته سبحانه تسع المحسن والمسيء وهو لا يعجل على من يستحق العقاب حلماً منه ورحمة فإن بعضهم قد يتوب إلى الله ولكن بأسه شديد لا يرده عن المجرمين إلا حلمه وما قدره من امهالهم إلى أجل مرسوم.

سادساً الأحكام المستنبطة من الآيات

الحكم الأول: دلت الآية(قُل لاَّ أَجِدُ…) على تحريم أربعة اشياء هي الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وما ذبح لغير الله تعبداً، وما ورد من تفصيل في سورة المائدة إنما يعتبر تفصيل للميتة.

الحكم الثاني: تحريم ما حرم رسول الله في المدينة أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير على الأرجح.

الحكم الثالث: دلت الآية على حكم استثنائي وهو حال الضرورة فعند الإضطرار يزول تحريم المحرمات لدفع خطر الهلاك وحفاظاً على حق الحياة.

ومقدار ما يباح خلاف في الفقه بعضهم يقول يباح مقدار دفع الضرر ولا يدخر وبعضهم يقول يجوز الإدخار ما دام الضرر قائم.

الحكم الرابع: دلت الآية (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ…) على أن الله تعالى حرم على اليهود خاصة عقوبة لهم أشياء أخرى سواء هذه الأربع المذكورة في الآية السابقة وهي نوعان النوع الأول: كل ذي ظفر غير مشقوق الأصابع

النوع الثاني: شحوم البقر والغنم.

 

الدرس السادس والثلاثون من (148-150)

نسبة المشركين الشرك والتحريم إلى الله تعالى وإقامة الحجة على بطلان ذلك

أولاً أهداف الدرس: 1- ابراز بطلان اعتذار الكافرين عن كفرهم.

2- بيان حجة الله بجحظ شبهات الكافرين على تحريم ما حرموه هم بأنفسهم دون دليل لهم من الله.

ثانياً التفسير والبيان:

(148) ( لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا) احتج المشركون لما ارتكبوه من الشرك وتحريم ما حرموه بأنه وقع بمشيئة الله تعالى، وزعموا أنه ما دام كذلك فهو مرضي عنده، فرد الله عليهم بأنه لو كان مرضياً عنده لما أذاق اسلافهم المكذبين من العذاب الذين قالوا لرسلهم الداعين إلى التوحيد مثل قولهم عذابه ونقمه ولما دمر عليهم وأدال عليهم رسله وأنه لا حجة لهم على ما زعموا، وما يتبعون فيه إلا الإعتقاد الفاسد، والكذب الفاضح، كيف وقد بعث الله رسله جميعاً إلى الخلق بالدعوة إلى التوحيد والتنديد بالشرك وإنذار المشركين وتخويفهم عذاب الله أو بأسه الشديد وهو نظير قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) [النحل:35] وقوله تعالى (وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُون) [الزخرف:20] وقوله تعالى (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر:7]

(تَخْرُصُون) تكذبون على الله فيما ادّعيتموه الآية (116) في هذه السورة

(149) (الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) بإرسال الرسل وإنزال الكتب (فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين) فهو تعالى يهدي من هُدي ويضل من ضل، وكلً من الهدى والضلال واقع بمشيئة الله تعالى ولكنه لا يرضى لعباده الكفر ولا يأمر بالفحشاء، ولذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب بأوامره ونواهيه قال تعالى (مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء:165]

(150) (هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ) احضروهم للشهادة لكم و (هَلُمَّ) كلمة دعوة إلى الشيء وهي اسم فعل بمعنى أقبل إذا كان لازماً، وبمعنى احضر وأتي إذا كان متعدياً كما هنا يستوي فيه الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث في لغة الحجازيي (وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُون) يجعلون له عديلاً من مخلوقاته.

ثالثاً الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:

(حجج) وردت على (3) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى الحجة البالغة الوثيقة قال تعالى (قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين) وقال تعالى (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ).

الوجه الثاني: وردت بمعنى الخوصمة قال تعالى (قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ).

الوجه الثالث: وردت بمعنى المجادلة قال تعالى (هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ).

رابعاً وقفات مع الآيات:

الوقفة الأولى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ…) فهم يحيلون شركهم وآبائهم وتحريمهم ما حرموه مما لم يحرمه الله وادّعائهم أن هذا من شرع الله بغير علم ولا دليل يحيلون هذا كله على مشيئة الله بهم فلو شاء ما أشركوا وما حرموه فكيف واجه القرآن الكريم هذه المقولة؟ لقد واجههم بأنهم كذبوا كما كذب الذين من قبلهم، وقد ذاق المكذبين من قبلهم بأس الله وبأس الله ينتظر المكذبين الجدد (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا).

الوقفة الثانية: (قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا) إن لله أوامر ونواهي معلومة علماً قطعياً فلماذا يتركون هذه المعلومات القطعية ليمضوا وراء الحدس والخرص في واد لا يعلمونه، هذا هو فصل القول في هذه القضية إن الله لا يكلف الناس أن يعلموا غيب مشيئته وقدرته حتى يكيفوا أنفسهم على حسبة، إنما يكلفهم أن يعلموا أوامره ونواهيه ليكفوا أنفسهم على حسبها، وحين يحاولون هذا يقرر الله سبحانه أنه يهديهم إليه ويشرح صدورهم للإسلام، وهذا حسبهم في القضية التي تبدو عندئذ في واقعها العملي يسيرة واضحة بريئة من غموض ذلك الجدل وتحكماته.

الوقفة الثالثة: (قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ…) قضية واضحة مصوغة في أيسر صورة يدركها الإدراك البشري فأما المجادلة فيها فهي غربية على الحس الإسلامي وعلى المنهج الإسلامي.

الوقفة الرابعة: (قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ…) إنها مواجهة هائلة ومواجهة فاصلة ودلالتها على طبيعة هذا الدين غير خافية، إن هذا الدين يسوى بين الشرك العلني الواضح باتخاذ آلهة أخرى مع الله وبين الشرك الآخر الذي يتمثل في مزاولة حق الحاكمية والتشريع للناس بما لم يأذن به الله دون اعتبار لما يدعونه هم من أن ما يشرعونه هو شريعة الله.

خامساً الأحكام المستنبطة من الآيات:

1- إن الله اعطى الإنسان حرية الإختيار وهو مسئول عن ذلك.

2- إن أي شهادة تتعارض مع كتاب الله وسنة رسوله فهي باطله لا يلتفت إليها.

 

الدرس السابع والثلاثون من (151-153)

الوصايا العشر

أولاُ أهداف الدرس: 1- إبراز المحرمات التي حرمها الله

2- بيان الواجبات المطلوب الإلتزام بها.

ثانياً التفسير والبيان:

(151) (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) أخبركم بما نهاكم عنه ربكم وما أمركم به يقيناً لا طناً ولا كذباً كما زعمتم. والأصل في كلمة (تعال) أن يقولها من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه ثم أتسع فيها حتى عمت والمذكور في الآيتين خمسة محرمات بصيغ النهي وخمسة واجبات بصيغ الأمر، وهي أحكام لا تختلف بإختلاف الأمم والعصور وأن في قوله تعالى (أَلاَّ تُشْرِكُواْ) الا تشركوا بالله شيءً في العبادة (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) أي وأحسنوا بهما احساناً (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم) نُهوا عما كانوا يفعلون من وأد البنات (مِّنْ إمْلاَقٍ) أو من خشية املاق والإملاق: الفقر مصدر أملق الرجل املاقاً إذا افتقر واحتاج (وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ) كبائر المعاصي علنيها وسرها كما في قوله تعالى (وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ) [الأنعام:121] وقوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) [الأعراف:33] (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) الذي يوجب قتلها شرعاً كالقصاص (وَصَّاكُمْ بِهِ) أمركم والزمكم به.

(152) (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) أي احفظوه حتى يبلغ الحلم فإذا بلغه فادفعوه إليه، (والأشد) قوة الإنسان وشدته واشتعال حرارته من الشد بمعنى القوة والإرتفاع وهو مفرد جاء بصيغة الجمع أو جمع لا واحد له أو جمع شدة كأنعم ونعمه (وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ) أمر بإقامة العدل في التعامل وإيفاء الكيل والوزن بالعدل أتمامهما بحيث يعطي صاحب الحق حقه بغير بخس ولا نقصان ويأخذ صاحب الحق حقه بغير طلب الزيادة، والكيل والوزن مصدران أريد بهما ما يكال وما يوزن به أو المكيل والمزون (بِالْقِسْطِ) بالعدل دون زيادة ولا نقص، (وُسْعَهَا) طاقتها وما تقدر عليه (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ) وإذا قلتم قولاً في حكم أو شهادة أو رؤية أو غير ذلك فاصدقوا فيه وقولوا الحق (وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ) أوفوا بما عهد إليكم من هذه الأمور المعدودة أو أي عهد كان.

(153) (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي) ولأن هذا المذكور في هاتين الآيتين أو في هذه السورة بأسرها ديني وطريقي الذي لا عوج فيه فاتبعوه واعملوا به، ولا تتبعوا الطرق الضالة المخالفة له (لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُون) لعلهم يصدعون بالبعث والجزاء.

ثالثاً الكلمات الي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:

(تلا) وردت على (4) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى أقرأ وأقص قال تعالى (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ…) وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ).

الوجه الثاني: وردت بمعنى الإنزال قال تعالى (ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ) وقال تعالى (تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ).

الوجه الثالث: وردت بمعنى الإتباع قال تعالى (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ) وقال تعالى (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا).

الوجه الرابع: وردت بمعنى نكتب قال تعالى (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ).

رابعاً وقفات مع الآيات:

الوقفة الأولى: بعد موقف الإشهاد ورفض ما يقررونه من المحرمات يلقى إليهم القرارات الإلهية التي تتضمن ما حرمه الله حقاً، وسنجد إلى جانب ما حرمه بعض التكاليف الإيجابية التي لها مقابل محرم وهذه المحرمات تبدأ بالمحرم الأول وهو الشرك بالله لأن هذه هي القاعدة الأولى التي يجب أن تتقرر لتقوم عليها المحرمات والنواهي لمن استسلم لها واسلم: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ …).

الوقفة الثانية: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ…) قل تعالوا أقص عليكم ما حرمه عليكم ربكم، لا ما تدعونه أنتم أنه حرمه بزعمكم، لقد حرمه عليكم ربكم الذي له وحده حق الربوبية (أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) وهي القاعدة الأولى التي يقوم عليها بناء العقيدة وترجع إليها التكاليف والفرائض وتستمد منها الحقوق والواجبات.

الوقفة الثالثة: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم…) إنها رابطة الأسرة بأجيالها المتلاحقة، تقوم بعد الرابطة في الله ووحدة الإتجاه ومن رحمة الله تعالى بالإنسان فقد أوصى الأبناء بالآباء وأوصى الآباء بالأبناء وربط الوصية بمعرفة الألوهية الواحدة والارتباط بربوبيته المتفردة إنه هو الذي يكفل لهم الرزق فلا يضيقوا بالتبعات تجاه الوالدين في كبرهما ولا نجاة الأولاد في ضعفهم ولا يخافون الفقر والحاجة فالله يرزقهم جميعاً.

الوقفة الرابعة: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ…) لما وصآهم الله بالأسرة وبالقاعدة التي تقوم عليها كما يقوم عليها المجتمع كله وهي قاعدة النظافة والطهارة والعفة فنهاهم عن الفواحش ظاهرها وباطنها ومن هذه الفواحش (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) ثم يأتي التعقيب القرآني وفق منهج القرآن في ربط كل أمر وكل نهي بالله (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون).

الوقفة الخامسة: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…) واليتيم ضعيف في المجتمع بفقد الوالد الحامي والمربي ومن ثم يقع ضعفه على المجتمع الإسلامي على أساس التكافل الإجتماعي الذي يجعله الإسلام قاعدة نظامه الإجتماعي وكما حث القرآن الكريم على القيام بحق اليتيم يحث على ابقاء الكيل والميزان بالقسط والقول في الحكم أو الشهادة بالعدل (وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ…) وإذ قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى في المبادلات التجارية بين الناس في حدود طاقة التحري والإنصاف وكذلك إذا حكم المسلمون فيعدلون على القريب أو البعيد بالعدل والإنصاف والسياق يربطها بالعقيدة لأن المعاملات في هذا الدين وثيقة بالعقيدة والذي يوصي بها ويأمر بها هو الله (ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون) والذكر ضد الغفلة.

الوقفة السادسة: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ…) وهكذا يختم القطاع الطويل من السورة الذي بدأ بقوله تعالى (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) وانتهى هذه النهاية بهذا الإيقاع العريض العميق وضم بين المطلع والختام قضية الحاكمية والتشريع كما تبدو في مسألة الزروع والأنعام والذبائح والنذور إلى كل القضايا العقدية الأساسية ليدل على أنها من هذه القضايا التي أفرد لها السياق القرآني كل هذه المساحة وربطها بكل محتوى السورة السابقة. إنه صراط واحد صراط الله وسبيله واحدة تؤدي إلى الله أن يفرد الناس بالله سبحانه بالربوبية ويدينون له وحده بالعبودية وأن يعلموا أن الحاكمية له وحده وأن يدينوا لهذه الحاكمية في حياتهم الواقعية.

خامساً الأحكام المستنبطة من الآيات التي تتضمنه الوصايا التالية:

1- نبذ الشرك بالله 2- الإحسان إلى الوالدين 3- تحريم وأد البنات 4- تحريم اقتراف الفواحش 5- منع قتل النفس بغير الحق 6- المحافظة على مال اليتيم

7+8 إيفاء الكيل والميزان بالقسط 9- العدل في القول: بالحكم أو الشهادة 10- الوفاء بالعهد

 

الدرس الثامن والثلاثون من (154-157)

السبب في انزال التوراة والقرآن

أولاً أهداف الدرس: 1- ابراز أن القرآن مثل التوراة في أصولها الصحيحة الأولى التي فقدت وضاعت.

2- بيان أن البديل عن النسخة المفقودة محرفة ومشوهة.

3- التوضيح أن القرآن هو المنهج الصحيح للبشرية كلها ففيه الهداية الكاملة.

ثانياً التفسير والبيان:

(155) (وَهَـذَا كِتَابٌ) إشارة إلى القرآن

(156) (أَن تَقُولُواْ) أي أنزلنا إليكم القرآن لئلا تقولوا يوم القيامة (إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا) والخطاب لأهل مكة.

(157) (وَصَدَفَ عَنْهَا) أعرض عنها غير مفكر فيها أو صرف الناس عنها.

ثالثاً الكلمات الي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:

(تمم) وردت على (3) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى أكمل قال تعالى (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ) وقال تعالى (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ).

الوجه الثاني: وردت بمعنى الوفاء قال تعالى (فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ).

الوجه الثالث: وردت بمعنى الإسباغ قال تعالى (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) وقال تعالى (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) وقال تعالى (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ).

رابعاً وقفات مع الآيات:

الوقفة الأولى: (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ…) يبدأ هذا المقطع الأخير في هذا الشطر من السورة بالحديث عن كتاب موسى وذلك تكملة للحديث السابق عن صراط الله المستقيم (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا…) بالإشارة إلى أن هذا الصراط متواصل من قبل في رسالات الرسل (س) وشرائعهم ويستمر على موسى فيذكر الكتاب الجديد المبارك الملتحم بالكتاب الذي أنزل على موسى المتضمن للعقيدة والشريعة والمطلوب اتباعها (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ…) ولقد نزل هذا الكتاب قطعاً لحجة العرب كي لا يقولوا لم يتنزل علينا كتاب كما تنزل على اليهود والنصارى، ولو قد أوتينا الكتاب مثلما أوتوا لكنا أهدا منهم، فها هو ذا كتاب يتنزل عليهم ويقطع هذه الحجة عليهم فيستحق الذين كذبوا العذاب الأليم.

الوقفة الثانية: تفصيل لما أجمل في الوقفة الأولى (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى) هذا الكلام معطوف بثم على ما قبله وتأويله (قُلْ تَعَالَوْاْ…) (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا) معطوفة على جملة (أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) معطوف عليهما كذلك باعتباره من القول الذي دعاهم ليقوله لهم (ص) فالسياق مطرد كما اسلفنا، وقوله (تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ) تأويله كما أختاره ابن جرير (ثم آتينا موسى التوراة تماماً لنعمنا عنده وأيدينا قبله، تتم به كرامتنا عليه على إحسانه وطاعته ربه وقيامة بما كلفه من شرائع دينه (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ…) وإنه لكتاب مبارك حقاً وكان ذكر الكتاب هذا بمناسبة الحديث عن الشريعة.

الوقفة الثالثة: (أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا…) لقد شاء الله أن يرسل كل رسول إلى قومه بلسانهم حتى إذا كانت الرسالة الأخيرة، أرسل الله محمد خاتم النبيين للناس كافة، فهو آخر رسول من الله للبشر فناسب أن يكون رسولاً إليهم جميعاً، والله سبحانه قطع الحجة على العرب أن يقولوا أن موسى وعيسى إنما أرسلا إلى قومهما ونحن كنا غافلين عن دراستهم لكتابهم لا علم لنا به ولا اهتمام ولو جاء إلينا كتاب بلغتنا يخاطبنا وينذرنا لكنا أهدى من أهل الكتاب فقد جاءهم هذا الكتاب وجاءهم رسول منهم وإن كان رسولاً للناس أجمعين.

الوقفة الرابعة: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا) فإذا كان ذلك كذلك فمن أشد ظلماً ممن كذب بآيات الله وأعرض عنها وهي تدعوه إلى الهدى والصلاح والفلاح (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ) إن التعبير القرآني يستخدم مثل هذه الألفاظ المنقولة في اللغة من حالة حسية إلى حالة معنوية ليستصحب في الحس أصل المعنى فيستخدم هنا لفظ (يصدف) وقد عرفنا أنه من صدف البعير إذا مال بخفه ولم يعتدل لمرض فيه، كذلك يستخدم لفظ (يصعر خده) وهو مأخوذ من داء الصعر الذي يصيب الإبل كما يصيب الناس فتعرض صفحة خدها اضطراراً ولا تملك تحريك عنقها بيسر ومثله استخدم لفظ (حبطت اعمالهم) من حبطت الناقة إذا رعت نباتاً مسموماً فانتفخ بطنها ثم ماتت.

خامساً الأحكام المستنبطة من الآيات:

الحكم الأول: وجوب الإيمان بما جاء به موسى وبما جاء به محمد (ص) وبما جاء به جميع الرسل.

الحكم الثاني: إن أكثر الناس ظلماً من يكذب بما جاء به محمد (ص) بعد وضوح البراهين على صدقه وما جاء به.

 

الدرس التاسع والثلاثون من (158-160)

إنذار بعاقبة الكفر والإختلاف والتبشير للمؤمنين

أولاً أهداف الدرس: 1- الإنذار الأخير للكفار بسوء العذاب

2- بيان عاقبة الإختلاف في الدين

3- ابراز جزاء الحسنة والسيئة

ثانياً التفسير والبيان:

(158) (هَلْ يَنظُرُونَ) ما ينتظر مشركوا مكة بعد تكذيبهم بالآيات إلا أن تأتيهم ملائكة الموت لقبض أرواحهم (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) أي في ظلل من الغمام كما أخبر، أو يأتي أمره بقتلهم كما فسره ابن عباس (ض)، أو بعذابهم كما فسره الحسن (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ) أي بعض أشراط الساعة وفسر في الحديث بطلوع الشمس من مغربها، فمن آمن من شرك أو تاب من معصية عند ظهور بعض الآيات لا يقبل منه لأنه رجوع اضطراري، كما لو أرسل الله عذاباً على قوم آمنوا أو تابوا، فإنه لا ينفعهم ذلك لمعاينتهم الأهوال والشدائد التي تضطرهم إلى الإيمان والتوبة فقوله (لاَ يَنفَعُ نَفْسًا) كافرة أو مؤمنة (إِيمَانُهَا) أي ولا توبتها من المعاصي (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ) صفة راجعة إلى الأولى (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) راجعة إلى الثانية والآية وعيد للمكذبين وتيئيس من إيمان مشركي مكة وتمثيل لحالهم بحال من ينتظر ذلك.

(159) (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ) هم المشركون تفرقوا شيعاً فمنهم عبدة الملائكة ومنهم عبدة الأصنام، وقيل هم اليهود والنصارى تفرقوا فرقاً يكفر بعضهم بعضا، وقيل هم أهل الأهواء والبدع من هذه الأمة (وَكَانُواْ شِيَعًا) فرقاً وأحزاباً في الضلالة تفرقوا شيعاً واختلفوا ضلالاً، وأختار الطبري التعميم وهو الأولى فكل من فارق دين الإسلام مشركاً كان أو يهودياً أو نصرانياً أو مبتدعاً ضالاً كالفرق المعروفة التي خلعت ربقة الإسلام ومنها البهائية والقديانية والإسماعيلية الباطنية، فمحمد (ص) منها بريء.

ثالثاً الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:

(نظر) وردت على (5) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى الإنتظار قال تعالى (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ…) وقال تعالى (مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً) وقال تعالى (فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) وقال تعالى (انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ).

الوجه الثاني: وردت بمعنى الرحمة قال تعالى (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

الوجه الثالث: وردت بمعنى الإعتبار قال تعالى (أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَت).

الوجه الرابع: وردت بمعنى النظارة قال تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة).

الوجه الخامس: وردت بمعنى الرؤية والمشاهدة قال تعالى (فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) وقال تعالى (وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُون).

رابعاً وقفات مع الآيات:

الوقفة الأولى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ…) إنه التهديد الواضح الحاسم فقد مضت سنة الله بأن يكون عذاب الإستأصال حتماً إذا جاءت الخارقة ثم لم يؤمن بها المكذبون والله سبحانه يقول لهم إن ما طلبوه من الخوارق لو جاءهم بعضه لقضي عليهم بعده وإنه يوم تأتي بعض آيات الله تكون الخاتمة التي لا ينفع بعدها إيمان ولا عمل لنفس لم تؤمن من قبل، ولم تكسب عملاً صالحاً في ايمانها، فالعمل الصالح هو دائماً قرين الإيمان وترجمته في ميزان الإسلام.

الوقفة الثانية: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ…) إنه مفرق الطريق بين الرسول (ص) ودينه وشريعته ومنهجه كله وبين سائر الملل والنحل سواء من المشركين أو من اليهود والنصارى أو من غيرهم مما كان وما سيكون من مذاهب ونظريات وتصورات ومعتقدات وأوضاع وأنظمة إلى يوم الدين.

وأمر هؤلاء الذين فرقوا دينهم شيعاً وبرئ منهم رسول الله (ص) بحكم من الله تعالى، أمرهم بعد ذلك إلى الله وهو محاسبهم على ما كانوا يفعلون (إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون).

الوقفة الثالثة: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا…) وبمناسبة الحساب والجزاء قرر الله سبحانه ما كتبه على نفسه من الرحمة في حساب عباده فجعل لمن جاء بالحسنة وهو مؤمن فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها لا يظلم ربك أحداً ولا يبخسه حقه.

خامساً الأحكام المستنبطة من الآيات:

دلت الآية (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ) على أمور ثلاثة:

1- إنه لا أمل في ايمان الكفار المعاندين

2- لا ينفع الإيمان الإضطراري عند رؤية العذاب في الدنيا ويوم المحشر

3- وعيد الكفار وتهديدهم وإنذارهم بإنزال العذاب عليهم إذا لم يؤمنوا (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ…) دلت الآية على أن شرع الله لا يتجزأ (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ…) دلت الآية على التفاوت بين جزاء الحسنة وجزاء السيئة بفضل من الله ورحمة منه.

 

الدرس الأربعون من (161-165)

اتباع ملة ابراهيم في التوحيد والعبادة والقدوة

أولاً أهداف الدرس: 1- تسخير كل الطاقات الدينية والإنسانية لله تعالى

2- بيان الإستخلاف في الأرض

ثانياً التفسير والبيان:

(161) (دِينًا قِيَمًا) والقيم والقّيم لغتان بمعنى واحد وقرئ بهما (حَنِيفًا) مائلاً عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق.

(162) (وَنُسُكِي) أي عبادتي كلها وتقربي إليه تعالى، وهو من عطف العام على الخاص، وقيل المراد به ذبائح الحج والعمرة / اختاره الطبري.

(164) (وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا) لا تجترح نفس إثماً إلا عليها من حيث عقابه فلا يؤاخذ سواها به، وكل ذي إثم فهو المعاقب بإثمه، والمآخذ بذنبة (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ولا تحمل نفس إثم نفس أخرى وإنما تحمل الآثمة اثم ذنبها الذي فعلته بالمباشرة أو التسبب فتعاقب هي عليه من الوزر وهو الإثم والثقل وقيد في الآية بالوازرة لأنها هي التي تفعل الإثم أو تتسبب به.

(165) (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ) خلائف ممن سبقوكم يخلف بعضكم بعضا فأورثكم أرضهم لتخلفوهم فيها وتعمروها بعدهم (لِّيَبْلُوَكُمْ) ليختبركم وهو بكم عليم.

ثالثاً الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:

(خلف) وردت على (4) أوجه

الوجه الأول: وردت بمعنى صار مكانه وعقبه حل محله قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ…).

الوجه الثاني: وردت بمعنى الحاكم قال تعالى (يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ…).

الوجه الثالث: وردت بمعنى البدل فقد جعل الله الإنسان بدلاً ممن مضى من الجن قال تعالى (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً…).

الوجه الرابع: وردت بمعنى التمكين قال تعالى (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون).

رابعاً وقفات مع الآيات:

الوقفة الأولى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ…) إنه الإعلان الذي يوحي بالشكر ويشيء بالثقة ويفيض باليقين في بناء العبادة والثقة بالصلة الهادية والشكر على الهداية إلى الصراط المستقيم (دِينًا قِيَمًا) وهو دين الله القديم منذ ابراهيم (مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين).

الوقفة الثانية: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي…) إنه التجرد الكامل لله بكل خالجة في القلب وبكل حركة في الحياة بالصلاة والإعتكاف وبالمحيا والممات بالشعائر التعبدية وبالحياة الواقعية وبالممات وما وراءه (وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) فسمعت وأطعت (وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين).

الوقفة الثالثة: (قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا…) كلمة تتقصى السماوات والأرض وما فيهن ومن فيهن وتشمل كل مخلوق مما يعلم الإنسان ومما يجهل وتجمع كل حادث وكل خائن في السر والعلانية ثم تظللها كلها بربوبية الله الشاملة لكل كائن في هذا الكون الهائل وتعيدها كلها لحاكمة الله المطلقة عقيدة وعبادة وشريعة.

الوقفة الرابعة: (أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) أغير الله أبغي رباً وأنا مأخوذ بنيتي وعملي، أغير الله أبغي رباً وأنا في ربوبيته، أغير الله أبغي رباً وكل فرد مجزي بذنبه لا يحمله عنه غيره (وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا…) أغير الله أبغي رباً؟ وإليه يرجع جميع الخلق، أغير الله أبغي رباً وهو الذي استخلف الناس في الأرض ليبتليهم أيشكرون أم يكفرون، أغير الله أبغي رباً وهو سريع العقاب للظالمين غفور رحيم لمن تاب، أغير الله أبغي رباً آخذ بشرعه وأمره وحكمه وهذه الدلائل كلها هادية إلى الله وحده هو الرب الواحد المتفرد والحاكم والمشرع.

الوقفة الخامسة: احتوت السورة على مقومات التصور الإسلامي والمتمثل بالحقائق التالية:

الحقيقة الأولى حقيقة الألوهية.

الحقيقة الثانية حقيقة الكون والحياة وما وراء الكون والحياة من غيب مكنون ومن قدر مجهول ومن مشيئة تمحو وتثبت وتنشئ وتعدم وتحيي وتميت وتحرك الكون والأحياء والناس كما تشاء.

الحقيقة الثالثة حقيقة النفس الإنسانية بأغوارها وأعماقها ودروبها ومنحنياتها وظاهرها وخافيها وأهوائها وشهواتها وهداها وضلالها وما يوسوس لها من شياطين الإنس والجن وما يقود خطواتها من هدى أو ضلال.

الحقيقة الرابعة عرض مشاهد من مشاهد يوم القيامة ولقطات من تاريخ الإنسان في الأرض ولقطات من تاريخ الكون والحياة.

خامساً الأحكام المستنبطة من الآيات:

1- تقرير مبدأ المسئولية الشخصية (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى…).

2- التوجه إلى الله في شؤون الإنسان العبادية والحياتية (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي…).

3- وجوب الإعتقاد بأن الله جعل الناس يخلف بعضهم بعضا.

4- إن الناس في الدنيا درجات في الخلق والرزق والقوة والضعف.

5- الإعتقاد بأن الله سريع العقاب للظالمين غفور رحيم بالطائعين والتائبين

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى