تفسير سورة الأنعام .. الدرس السادس
سنواصل معكم في هذه المقالة دروس وتفسير سورة الأنعام وذلك من الآية الـ 30 وحتى الآية الـ 32 وسنوضح لكم أيضا أهداف الدرس، وأسباب النزول، والكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه وغيرها.
أهداف الدرس السادس من سورة الأنعام
توضيح موقف المشركين أمام ربهم يوم المحشر وحقيقة الدنيا، وتقرير واقع الحال من واقع قبضة الحاكم الذي يقضي في جريمته.
التفسير والبيان
- (30) (وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ…) حبسوا على حكم ربهم للحساب والجزاء وجواب الشرط لرأيت أمر عظيماً، (قَالُواْ بَلَى) أي إنه لحق و(بَلَى) حرف جواب لإستفهام دخل على نفي فتفيد ابطاله.
- (31) (بَغْتَةً) فجأة والمراد بالساعة يوم القيامة والبغت والبغتة مفاجأة الشيء بسرعة من غير اعتداء به ولا إلقا بال إليه، (يَاحَسْرَتَنَا) الحسرة شدة الندم على ما فات وهي أعلى درجاته وشدة الغم على ما فات وأصله من الحسر وهو الكشف أو الإعياء كأنه أنحسرت قوة من فرط الغم أو أدركه الإعياء عن تدارك ما فرط منه، يُري الله المكذبين أعمالهم السيئة يوم القيامة ويتلقون الجزاء عليها فتحسرون ويندمون، (فَرَّطْنَا فِيهَا) قصرنا وضيعنا في الحياة الدنيا، (يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ) آثامهم وخطاياهم جمع وزر وأصله الحمل الثقيل وأطلق على الذنب لثقله والمراد بيان شدة ما يلاقونه من العذاب بسبب ذنوبهم.
- (32) (لَعِبٌ وَلَهْوٌ) اللعب واللهو كلاهما الإنشغال بما لا يعني العاقل ولا يهمه من جميع أنواع اللهو الحرام غير أن اللعب ما قصد به تعجيل المسرة والإسترواح به واللهو ما شغل من هوى وطرب وإن لم يقصد به ذلك وما طلاب لذة الحياة الدنيا ومسراتها ونعمائها المتنافسون فيها إلا في لعب ولهو لأنها عما قليل تزول وتضمحل كما يزول لعب اللاعب ولهو اللاهي ولا يبقى له أثر فلا يغتر بها العاقل.
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(دور) وردت على (4) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الجنة قال تعالى (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ…) وقال تعالى (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِين).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى المنزل قال تعالى (فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِين).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى المدينة قال تعالى (أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ…).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى جهنم قال تعالى (دَارَ الْبَوَار).
وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: (إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِين) أي قضية البعث والحساب والجزاء في الدار الآخرة من قضايا العقيدة الأساسية التي جاء بها الإسلام والتي يقوم عليها بناء هذه العقيدة بعد قضية وحدانية الألوهية والتي لا يقوم هذا الدين عقيدة وتصوراً وخلقاً وسلوكاً وشريعة ونظاماً إلا عليها وبها.
- الوقفة الثانية: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ…) هذا مصير الذين قالوا: (إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِين) وهذا هو مشهدهم البائس المخزي المهين وهم موقوفون بحضرة ربهم الذي كذبوا بلقائه لا يرجون الموقف وكأنما أخذهم بأعناقهم حتى وقفوا في هذا المشهد الجليل الرهيب، (أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ)؟ وهو سؤال يخزي ويذيب (قَالُواْ بَلَى) وهم موقوفون على ربهم في الموقف الذي نفوا على سبيل التوكيد أن يكون، (قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُون) وهو مصير يتفقون مع الخلائق التي أبت على نفسها سعة التصور الإنساني وآثرت عليه حجر التصور الحسي.
- الوقفة الثالثة: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ…) فهي الخسارة المحققة المطلقة خسارة الدنيا بقضاء الحياة في ذلك المستوى الأدنى وخسارة الآخرة على النحو الذي رأينا والمفاجأة التي لم يحسب لها أولئك الغافلون الجاهلون حساباً.
- الوقفة الرابعة: (حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ…) ثم مشهدهم كالدواب الموقرة بالأحمال (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ) بل الدواب أحسن حالاً فهي تحمل أوزار من الأثقال ولكن هؤلاء يحملون أوزار من الآثام والدواب تحط عنها أوزارها فتذهب لتستريح وهؤلاء يذهبون بأوزارهم إلى الجحيم مشبعين بالآثام (أَلاَ سَاء مَا يَزِرُون).
- الوقفة الخامسة: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ…) هذه هي القيمة المطلقة الأخيرة في ميزان الله للحياة الدنيا وللدار الآخرة والإيمان بها سعة في التصور وارتقاء في العقل والعمل، لها خير للمتقين يعرفه الذين يعقلون.
الأحكام المستنبطة من آيات الدرس السادس سورة الأنعام
الحكم الأول: دلت الآيات على توضيح حالة أخرى من أحوال منكري البعث والقيامة وهي أمران: أحدهما حصول الخسران للمكذبين بالبعث والقيامة والجزاء والحساب ، والثاني حمل الأوزار العظيمة على ظهورهم.
الحكم الثاني: بيان المراد بالخسران وهو فوات الثواب العظيم وحصول العقاب الشديد.
الحكم الثالث: دل قوله تعالى (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا…) على قسمة أعمال الدنيا على قسمين: أعمال لا خير فيها ولا نفع وهي أمور الدنيا المحضة الآية (200) البقرة ، وأعمال الآخرة التي لا لهو فيها ولا لعب وهي أفعال المتقين الأخيار الذين عمروا دنياهم بصلاح الأعمال وخير الأقوال الآية (201) البقرة.