تفسير سورة الأنعام
تفسير سورة الأنعام .. الدرس الخامس
سنواصل معكم في هذه المقالة دروس وتفسير سورة الأنعام وذلك من الآية الـ 25 وحتى الآية الـ 28 وسنوضح لكم أيضا أهداف الدرس، وأسباب النزول، والكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه وغيرها.
أهداف الدرس الخامس من سورة الأنعام
تبيين مواقف عناد المشركين حول القرآن الكريم، وفي هذه الآيات عظة وعبرة بليغة تستوقف النظر والتأمل إذا ما صعب حجب الحقائق عن الإنسان وتركه يتيه في ظلمات الأهواء ومتردد في موج الضلالات.
التفسير والبيان
- (25) (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً…) أغطية تمنعهم أن يفقهوا ما يسمعونه من القرآن الكريم. جمع كناية يقال كن الشيء يكنه ستره وأكننته اخفيته واستكن استتر، (وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا) وجعلنا في آذانهم صمماً وثقلاً يمنعهم من استماع القرآن على وجه القبول. يقال: وقرت أذنه صمت وثقل سمعها والكلام تمثيل لعِظم جهلهم بشئون النبي (ص) وفرط نُبُوّ (تجافي) قلوبهم واسماعهم عن فهم القرآن والإنتفاع به ، وقد خلق الله فيهم داعية الكفر وعلم أنهم لا يؤمنون فيستحيل إيمانهم مع ذلك مهما رأوه من الآيات الدالة على صدقه (ص) وهو قوله تعالى (وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا) (أَسَاطِيرُ الأَوَّلِين) أكاذيبهم أو أقاصيصهم، أو ترّهاتهم المسطورة التي لا أصل لها، جمع أسطورة كأحدوثة وأحاديث وقيل جمع لا واحد له كأبابيل.
- (26) (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) يتباعدون بأنفسهم عن القرآن أو عن الرسول (ص) فلا يؤمنون به، إظهار لغاية نفورهم منه، يقال: نأى ينأى نأيا أي بعد ونأيته ونأيت منه ونأيته عنه.
- (27) (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ…) حبسوا عليها يوم القيامة يقال: وقفة وقفاً حبسه وجواب الشرط: لرأيت هولاً عظيماً.
- (28) (بَلْ بَدَا لَهُم…) بل ظهر لهم في وقوفهم هذا ما كانوا ينكرونه ولا يؤمنون به، وهو نار الآخرة فالمراد من (ما): النار، ومن الإخفاء: الستر بمعنى الإنكار والجحود، ومع ذلك لو ردوا إلى الدنيا لعادوا إلى الكفر والتكذيب لسوء استعدادهم وإنهم لكاذبون لا يوفون بما وعدوا به.
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(شعر) وردت على (5) أوجه:
- الوجه الأول: وردت بمعنى العلم قال تعالى (وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُون) وقال تعالى (وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُون) وقال تعالى (وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُون).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الشعراء جمع شاعر قال تعالى (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُون) وقال تعالى (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الشعرى الكوكب المعروف قال تعالى (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الشعائر المناسك قال تعالى (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ…) وقال تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ…).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى الأشعار جمع شعر قال تعالى (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا…).
أسباب نزول الدرس الخامس سورة الأنعام
1- سبب نزو ل الآية (26) روى الحاكم وغيره عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ…) في أبي طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله (ص) ويتباعد عما جاء به)
وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ…) (إنها صفحتان متقابلتان: صفحة في الدنيا يرتسم فيها العناد والإعراض وصفحة في الآخرة يرتسم فيها الندم والحسرة يرسمها السياق القرآني ويعرضهما هذا العرض المؤثر والأكنة الأغطية التي تحول دون أن تتفتح هذه القلوب فتفقه والوقر الصمم الذي يحول دون هذه الآذان أن تؤدي وظيفتها فتسمع وهذه النماذج البشرية التي تستمع ولكنها لا تفقه. نماذج مكرورة في البشرية في كل جيل وفي كل قبيل وفي كل زمان وفي كل مكان.
- الوقفة الثانية: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ…) لقد كانوا على يقين من أنه ليس اساطير الأولين وأن مواجهته بأساطير الأولين لا تجدي ولو ترك الناس يسمعون وكان كبراء قريش يخافون على أنفسهم من تأثير هذا القرآن فيها كما يخافون على أتباعهم وهذا الجهد كله الذي كانوا يبذلونه ليمنعوا أنفسهم ويمنعوا غيرهم من الإستماع لهذا القرآن ومن التأثر به والإستجابة له إنما كانوا يبذلونه في الحقيقة لأهلاك أنفسهم.
- الوقفة الثالثة: (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ…) إنه المشهد المقابل لمشهدهم في الدنيا مشهد الإستخذاء والندامة والخزي والحسرة في مقابل مشهد الإعراض والجدال والنهي والنأي والإدعاء العريض.
- الوقفة الرابعة: (بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ…) إن الله يعلم طبيعتهم ويعلم اصرارهم على الباطل ويعلم أن رجفة الموقف الرعيب على النار هي انطقت السنتهم بهذه الأماني وهذه الوعود (وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ...).
الأحكام المستنبطة من آيات الدرس الخامس سورة الأنعام
- الحكم الأول: بيان أن الكفار يسمعون ويفهمون ولكنهم لا ينتفعون ولا ينقادون إلى الحق كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم.
- الحكم الثاني: الإعتقاد بأن الحقائق الإيمانية لا تتغير ولا تتبدل ولا بد من حدوثها فإن وعد الله حق والجنة حق والنار حق.
- الحكم الثالث: الإيمان أن الله يظهر يوم القيامة حقيقة ما كانوا يخفونه في الدينا من الكفر والمعاصي.
- الحكم الرابع: بيان أن الكفار والمنافقين وكل من والاهم أو ناصرهم على باطل وأنهم كاذبون بما يدعونه من الحق الذي يتظاهرون به.