تفسير سورة الأنعام
تفسير سورة الأنعام .. الدرس الرابع
سنواصل معكم في هذه المقالة دروس وتفسير سورة الأنعام وذلك من الآية الـ 19 وحتى الآية الـ 24 وسنوضح لكم أيضا أهداف الدرس، وأسباب النزول، والكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه وغيرها.
أهداف الدرس الرابع من سورة الأنعام
بيان معرفة أهل الكتاب للنبي صلى الله عليه وسلم والافتراءات على الله وتبرؤ المشركين من الشرك يوم القيامة.
التفسير والبيان
- (19) (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً…) سألوا الرسول (ص) شاهد يشهد له بالنبوة فرد عليهم القرآن الكريم أي شيء أعظم شهادة؟ فإن أجابوا وإلا ف(قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ) يشهد لي بالحق وعليكم بباطلكم، بما أنزله من القرآن وهو أكبر معجزة وأصدق دليل، (وَمَن بَلَغَ) وأنذر من بلغه القرآن ممن سيوجد إلى يوم القيامة من سائر الأمم وفي هذا دلالة على عموم الرسالة وأن أحكام القرآن تعم الثقلين إلى يوم الدين، وفي الحديث (من بلغه القرآن فكما أني شافهته) أخرجه أبو نعيم.
- (22) (ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ…) الفتنة من الفتن وهو إدخال الذهب النار لتُعلم جودته من رداءته ثم استعمل في معانٍ كالمعذرة والإختبار والكفر والإثم والضلال والبلية والمصيبة، لم تكن معذرتهم عن كفرهم أو عاقبة كفرهم إلا التبري من الشرك والشركاء في ذلك اليوم، فقد كذبوا في الآخرة كما اعتدوا الكذب في الدنيا.
- (24) (وَضَلَّ عَنْهُم) غاب وزال عنهم (مَّا كَانُواْ يَفْتَرُون) يكذبون عن (الأصنام وشفاعتهم).
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(شهد) وردت على (8) أوجه:
- الوجه الأول: وردت بمعنى شهادة الله على ثبات الرسالة والرسول قال تعالى (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً…).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الشهيد النبي قال تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ…) وقال تعالى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا…) وقال تعالى (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ…).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الشهود يوم القيامة الذين يشهدون عن الأعمال قال تعالى (وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ…).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى أمة محمد تكون شاهدة على الأمم قال تعالى (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ…).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى الشهيد الذي قتل في سبيل الله قال تعالى (وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء).
- الوجه سادس: وردت بمعنى الشاهد الذي يشهد في الحق بين الناس قال تعالى (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ…) وقال تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ).
- الوجه السابع: وردت بمعنى الحاضر قال تعالى (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِين) وقال تعالى (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ).
- الوجه الثامن: وردت بمعنى الشركاء قال تعالى (وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ…).
اسباب النزول
سبب نزول الآية (19) (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً…) قال الكلبي إن رؤساء مكة قالوا يا محمد ما نرى أحد يصدقك بما تقول من أمر الرسالة ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة فأرنا من يشهد لك إنك رسول كما تزعم فأنزل الله الآية.
وقفات مع آيات الدرس الرابع من سورة الأنعام
- الوقفة الأولى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً…) فها هو ذا رسول الله (ص) يؤمر من ربه هذا الأمر ثم ها هو ذا يواجه المشركين الذين يتخذون من دون الله أولياء ليبين لهم مفرق الطريق بين دينه ودينهم وبين توحيده وشركهم وبين الإسلام وجاهليتهم وليقرر لهم : أنه لا موضع للقاء بينه وبينهم ألا أن يتخلصوا هم من دينهم ويدخلون في دينه وأنه لا وجه للمصالحة في هذا الأمر لأنه يفترق معهم في أصول الطريق، وهذا المشهد يتكرر في كل زمان ومكان.
- الوقفة الثانية: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ…) لقد تكرر في القرآن ذكر معرفة أهل الكتاب (اليهود والنصارى) لهذا القرآن أو لصحة رسالة محمد (ص) وتنزيل هذا القرآن عليه من عند الله تكررت ذكر هذه الحقيقة سواء في مواجهة أهل الكتاب أنفسهم أو في مواجهة المشركين من العرب لتعريفهم أن أهل الكتاب يعرفون هذا القرآن ويعرفون صدق الرسول (ص) في أنه وحي أوحى به ربه إليه كما أوحى إلى الرسل من قبله.
- الوقفة الثالثة: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا…) هذا استطراد في مواجهة المشركين بحقيقة ما يزاولونه ووصف موقفهم وعملهم في تقرير الله سبحانه مواجهة تبدأ باستفهام تقريري لظلمهم بافتراء الكذب على الله فيما يدعونه من أنهم على دين ابراهيم عليه السلام، والظلم هنا كناية عن الشرك وهنا يصور عدم فلاحهم يوم المحشر والحساب في هذا المشهد الشاخص الموحي (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ…) أن الشرك ألوان والشركاء ألوان والمشركين ألوان ولا ننظر لهذا بصورة سطحية من أن هناك أناس كانوا يعبدون أصناماً وأحجاراً …) إن الشرك في صميمه وصف لغير الله بإحدى خصائص الألوهية سواء تمثل ذلك في العقيدة بغير الله أو تلقي التشريع من غيره.
- الوقفة الرابعة: (ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين) إن الحقيقة التي تجلت عنها الفتنه هي تخليهم عن ماضيهم كله واقرارهم بربوبية الله وحده ولكن حيث لا ينفع الإقرار بالحق والتبري من الباطل.
- الوقفة الخامسة: (انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ…) فالكذب منهم كان على أنفسهم فهم كذبوها وخدعوها يوم اتخذوا مع الله شركاء وقد ضل عنهم ما كانوا يفترون يوم الحساب.
الأحكام المستنبطة من الآيات
تضمنت الآيات مشهدين أو موقفين من مشاهد ومواقف الكفار:
- المشهد الأول: أن أهل الكتاب يعرفون ما بدل على صفة النبي صلى الله عليه وسلم وصحة أمره وصدقه وصدق رسالته ولكنهم قوم معاندون خسروا أنفسهم وضيعوا مصالحهم الحقيقية.
- المشهد الثاني: أن المشركين عبدة الأوثان يحشرهم الله جميعاً سواء كانوا مشركي أهل الكتاب وكذلك المنافقين ويفضحهم أمام الخلائق كلها بسبب كذبهم على الله.