تفسير سورة الأنعام
تفسير سورة الأنعام .. الدرس الثالث
سنواصل معكم في هذه المقالة دروس وتفسير سورة الأنعام وذلك من الآية الـ 12 وحتى الآية الـ 18 وسنوضح لكم أيضا أهداف الدرس، وأسباب النزول، والكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه وغيرها.
أهدف الدرس الثالث من سورة الأنعام
إن أهم أهداف الدرس الثالث من سورة الأحزاب هو إثبات أصول الإعتقاد (التوحيد والبعث والجزاء والنبوة).
التفسير والبيان
- (12) (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أوجب على نفسه رحمة عباده تفضلاً منه وإحساناً فلا يعجل عليهم العقوبة حين يستوجبونها بما يعملون، (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) والله ليجمعنكم إلى يوم القيامة للجزاء فلا يغرنكم هذا الإمهال، (خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ) أهلكوها وعنتوها بالكفر.
- (13) (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) ولله وحده جميع ما ثبت واستقر فيهما من السكنى فيتناول الساكن والمتحرك وقال ابن جرير: كل ما طلعت عليه الشمس وغربت فهو من ساكني الليل والنهار والمراد أنه تعالى هو رب جميع ما أوجد في الأرض براً وبحراً.
- (14) (قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) ناصراً ومعيناً أستنصره واستعين به على النوائب، فضلاً عن أن أتخذه من الولاية بمعنى النصرة، (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) مبدعهما على غير مثال سابق يحتذى. من الفطر وهو الإبداع والإيجاد من غير سبق مثال وأصله: الشق وفصل الشيء عن الشيء ومنه فطر ناب البعير أي طلع واستعمل فيما ذكر لإقتضائه التركيب الذي سبيلة الشق والتأليف أو لما فيه من الإخراج من العدم إلى الوجود، (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ) يرزق ولا يرزق والمراد أن له تعالى الغنى المطلق وأن الخلق جميعاً محتاجون إليه وجوداً وبقاء، (مَنْ أَسْلَمَ) خضع لله بالعبودية وانقاد له.
- (18) (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ…) الغالب لعباده المقتدر عليهم الذي لا يعجزه شيء أرده ولا يستطع أحد من خلقه رد تدبيره والخروج من تحت قهره وتقديره.
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(كَتَبَ) وردت على (4) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى فرض قال تعالى (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى قضى قال تعالى (كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي…).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى جعل قال تعالى (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ…).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى أمر قال تعالى (ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ).
وقفات مع آيات الدرس الثالث من سورة الأنعام
- الوقفة الأولى: (قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ…) إنه موقف المواجهة للبيان والتقرير ثم المفاصلة ومن ثم يبدأ بتوجيه الرسول (ص) لهذه المواجهة مواجهة المشركين الذين يعرفون أن الله هو الخالق ثم يعدلون به من لا يخلق فيجعلون له شركاء في تصريف حياتهم ومواجهتهم بالسؤال عن الملكية بعد الخلق لكل ما في السماوات والأرض مستقصياً بهذا السؤال حدود الملكية في المكان، (مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) مع تقرير الحقيقة التي لم يكونوا هم يجادلون فيها والتي حكى القرآن في مواضع أخرى إقرارهم الكامل بها (قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ).
- الوقفة الثانية: (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ…) فهو المالك لا ينازعه منازع ولكنه (فضلاً منه ومنه) كتب على نفسه الرحمة بإرادته ومشيئته وتتجلى رحمة الله فيما يلي:
- في وجود البشرية ذاتها.
- في تعليم الله للإنسان.
- في تجاوز الله سبحانه عن سيئاته.
- في رعاية الله لهذا المخلوق بعد إستخلافه في الأرض.
- في مجازاته على الحسنة بعشر أمثالها.
- الوقفة الثالثة: (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ…) فهو يعني جميع الخلائق ويقرر ملكيتها لله وحده كما قرر من قبل ملكية الخلائق كلها له سبحانه غير أنه في الآية الأولى (قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ) قد استقصا الخلائق من ناحية المكان وفي هذه الآية قد استقصا الخلائق من ناحية الزمان والتعقيب بصفتي السمع والعلم يفيد الإحاطة بهذه الخلائق.
- الوقفة الرابعة: (قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ…) أنه منطلق القوي العميق لمن يكون الولاء؟ ولمن يتمحض؟ إن لم يكن لفاطر السماوات الذي خلقهما وأنشأهما لمن؟ إن لم يكن لرازق من في السماوات والأرض الذي يِطعم ولا يطعم ولا يطلب طعاماً والإسلام وعدم الشرك معناهما المتعين الا اتخذ غير الله وليا فاتخاذ غير الله وليا،(بأي معنى) هو الشرك ولن يكون الشرك اسلاماً وبعد هذا التوجيه يقول الله لرسوله (ص) (قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) إنه تصوير لحقيقة مشاعر الرسول (ص) تجاه أمر ربه له وتجسيم لخوفه من عذابه.
- الوقفة الخامسة: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ…) إنه تتبع لهواجس النفس ووساوس الصدر وتتبع مكامن الرغائب والمخافات ومطامع الظنون والشبهات وتجلية ذلك كله بنور العقيدة وفرقان الإيمان ووضوح التّصور وصدق المعرفة بحقيقة الألوهية ذلك لخطورة القضية التي يعالجها السياق القرآني في هذا الموضع وفي جملة القرآن.
الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: الإعتقاد بأن الاعتراف بأن الله خالق كل شيء دون التوجه إلى الله بالعبادة كلها له فلا يقر لصاحبه بالإيمان.
- الحكم الثاني: أن الإيمان الحقيقي والمقبول عند الله هو توحيد الله بأفعاله وتوحيده بأفعال عباده.
- الحكم الثالث: الاعتقاد بقوة الأدلة النقلية والعقلية المثبتة لوحدانية الله في الخلق والأمر.
- الحكم الرابع: الإيمان الحقيقي أن كل من يملك شيئا فله التصرف المطلق فيه وكل من أوجد شيئاً فهو القادر على جلب ما ينفعه ودفع ما يضره والله هو المالك لكل المخلوقات وهو القادر على جلب ما ينفعهم ودفع ما يضرهم.