قال الرسول صلى الله عليه وسلم (يُؤْتَى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به، تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ وآلُ عِمْرانَ، وضَرَبَ لهما رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثَلاثَةَ أمْثالٍ ما نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ؛ قالَ: كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ ظُلَّتانِ سَوْداوانِ، بيْنَهُما شَرْقٌ، أوْ كَأنَّهُما حِزْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن صاحِبِهِما) رواه مسلم، إن سورة آل عمران من سور القرآن العظيمة والتي فيها أيآت عظيمة ترشدنا إلى الله سبحانه وتعالى كما أن فيها دروس وعبر سوف نخلصها لكم بعدد من الدروس كي تستفيدوا منها وتُفيدوا
الدرس الأول / من أول سورة آل عمران إلى الآية السادسة
- أولاً/ فضل السورة: قال الرسول صلى الله عليه وسلم (يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون فيه تقدمه سورة البقرة وآل عمران…) رواه مسلم
- ثانياً/ ربط السورة بسورة البقرة ففيهما محاجات أهل الكتاب: ففي سورة البقرة محاجات اليهود وفي سورة آل عمران محاجات النصارى
- ثالثاً/ عقد التشابه بين خلق آدم وخلق عيسى قال تعالى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون} [آل عمران:59]
- رابعاً فصول السورة:
- الفصل الأول: من الآية (1-30) يصور جانباً من الصراع بين العقيدة الإسلامية والعقائد المنحرفة في الجزيرة العربية
- الفصل الثاني: خاص بغزوة أحد والذي يتولى عملية بناء التصور الإسلامي وتجلياته كما يتولى تثبيت هذه الجماعة على التكاليف المفروضة على أصحاب دعوة الحق في الأرض. من (121-179)
- الفصل الثالث: هو تلخيص لموضوعاتها الأساسية ببيان الإشارات الموجهة الى دلالة هذا الكون وإيحاءاته إلى القلوب المؤمنة بما فيهم أهل الكتاب ويأخذ دعاء ندي من هذه القلوب على مشهد الآيات في كتاب الله المفتوح {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب} [آل عمران:190]، ثم تأتي الاستجابة {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَاب} [آل عمران:195] من (180-200)
- خامساً التفسير والبيان:
- (الْحَيُّ) الباقي الذي له الحياة الدائمة التي لا فناء لها ولم تحدث له الحياء بعد الموت ولا يعتريه الموت بعد الحياة وسائر الأحياء سواه يعتريهم الموت والفناء
- (الْقَيُّوم) الدائم القيام بتدبير أمر الخلق وحفظهم والمعطي لهم ما به أقواتهم وهو مبالغة من القيام وأصله قيؤوم بوزن فيعول من قام بالأمر إذا حفظه ودبره
- (عَلَيْكَ الْكِتَابَ) القرآن وفي تخصيص القرآن بصيغة التنزيل إيماء إلى أنه منجمً على التدريج بخلاف التورة والإنجيل فقد نزلا جملة (وأنزل الفرقان) الفرقان كل ما يفرق بين الحق والباطل مصدر فرق يفرق بين الشيئين فرقا وفرقانا إذا فصل بهما أي وأنزل بهذه الكتب الفرقان بين الحق والباطل فلم يبقى لأحد عذر في جحودها والكفر بها
- (عَزِيزٌ) منيع الجانب أو قوي غالب على كل شيء من العزة وهي حاله تمنع الإنسان أن يُغلب أو يقهر يقال عز يعز عزاً وعزة صار عزيزاً وقوي
- (ذُو انتِقَام) ذو عقوبة شديدة لمن يكفر به لا يقدر على مثلها منتقم يقال انتقم منه إذا عاقبة بجنايته والفعل المجرد منه (نقم)
- سادساً: الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه:
- (قوم) وردت على (18) وجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى قيوم قال تعالى {اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} [آل عمران:2]
- الوجه الثاني: وردت بمعنى أدّوا الصلاة على الوجه الأكمل قال تعالى {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون} [التوبة:11]
- الوجه الثالث: وردت بمعنى استقبل قال تعالى (وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)
- الوجه الرابع: وردت بمعنى أخلص لله تعالى قال تعالى (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ) أخلص دينك
- الوجه الخامس: وردت بمعنى عملوا به وبينوه قال تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ)
- الوجه السادس: وردت بمعنى بناه قال تعالى (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ)
- الوجه السابع: وردت بمعنى الإقامة والاستيطان قال تعالى (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ)
- الوجه الثامن: وردت بمعنى الأمن قال تعالى (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ)
- الوجه التاسع: وردت بمعنى وقوفاً على أقدامهم قال تعالى (فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ)
- الوجه العاشر: وردت بمعنى الصلاة قال تعالى (وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِين) وقال تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ)
- الوجه الحادي عشر: وردت بمعنى القيم المستقيم قال تعالى (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)
- الوجه الثاني عشر: وردت بمعنى القائم بالعدل قال تعالى (قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ)
- الوجه الثالث عشر: وردت بمعنى البعث قال تعالى (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين)
- الوجه الرابع عشر: وردت بمعنى القيام بالدعوة قال تعالى (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّر) (قُمْ فَأَنذِر….)
- الوجه الخامس عشر: وردت بمعنى القيامة قال تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب)
- الوجه السادس عشر: وردت بمعنى الثبات والبقاء قال تعالى (مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيد)
- الوجه السابع عشر: وردت بمعنى رعاية النساء والقيام بشؤونهن قال تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء…)
- الوجه الثامن عشر: وردت بمعنى المراقبة الدقيقة قال تعالى (إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا)
- (قوم) وردت على (18) وجه
- سابعاً وقفات مع الآيات:
- الوقفة الأولى: أن الآيات من (1-6) تدل على أن الله تعالى هو الذي أنزل الكتب السماوية على الأنبياء وأن هذه الكتب يصدق بعضها بعضا لأن غايتها واحدة وهدفها واحد وهو إرشاد الناس إلى الحق والإقرار بتوحيد الله والاعتراف بوحدانيته.
- الوقفة الثانية: إن إنزال الكتب والخلق والأجياد في الأرحام والعلم بغيب السماوات والأرض دون أن يخفى عليه شيء كلي او جزئي أدلة وبراهين ثلاثة قاطعة تثبت الألوهية لله وحده دون مشاركة أحد من خلقة له أو اتصاف بشر بما يزعم المبطلون من ألوهية انسان مخلوق ضعيف بحاجه الى الخالق في كل أموره سبحانه لا إله إلا هو فكيف يكون عيسى إلها مصوراً وهو بشر مصور
- الوقفة الثالثة: إن التوحيد الواضح الخالص لا مكان لعبودية ألا الله ولا مكان للاستمداد والتلقي الا من الله لا في شريعة ولا في نظام ولا في آداب أو خلق ولا في اقتصاد أو اجتماع ولا مكان لذلك للتوجه لغير الله في شأن من شؤون الحياة وما بعد الحياة، أما في تلك التصورات الزائغة المنحرفة المهزوزة الغامضة فلا متجه ولا قرار ولا حدود لحلال أو حرام ولا لخطأ أو صواب في شريعة أو نظام في آداب أو خلق او في معاملة أو سلوك قال تعالى (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
- الوقفة الرابعة: ومن ثم كان التميز والتفرد لطبيعة الحياة الإسلامية (لا لطبيعة الاعتقاد وحده) فالحياة الإسلامية بكل مقوماتها إنما تنبثق انبثاقاً من حقيقة هذا التصور الإسلامي عن التوحيد الخالص الجازم، التوحيد الذي لا تستقيم عقيدة في الضمير مالم تتبعه آثاره العملية في الحياة من تلقى الشريعة والتوحيد من الله في كل شأن من شؤون الحياة والتوجه كذلك إلى الله في كل نشاط وكل اتجاه.
- الوقفة الخامسة: إن من صفات الله القيوم من القيام على الأمر فهو قائم بذاته ويقيم غيره والمتولي لشؤون الخلق فهو يحقق لهم مطالبهم المادية وما …… قال تعالى {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِين} [فصلت:10] ،ويحقق لهم مطالبهم القيمة قال تعالى (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) كما سبق في اول السورة
- الوقفة السادسة: إن للقرآن نزولان اثنان.
- الأول: إنزال من انزل
- الثاني: تنزيل من نزل فالمقصود من قوله سبحانه (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر)
أن القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليباشر مهمته في الكون وهذا ما أنزله الله في ليلة القدر الى السماء الدنيا ثم ينزل منجماً على حسب الأحداث التي تتطلب تشريعاً أو إيضاحاً لأمر وقد جمع بين (نزل وأنزل) في قوله تعالى (وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ)
- الوقفة السابعة: إن هذا القرآن هو كتاب دعوة الرسول (ص) فهو روحها وباعثها وهو قوامها وكيانها وهو حارسها وراعيها وهو بيانها وترجمانها وهو دستورها ومنهجها وهو في النهاية المرجع الذي يستمد منه الدعاة وسائل العمل ومنهج الحركة وزاد الطريق.
- ثامناً الاحكام المستنبطة من الآيات:
- الحكم الأول: وجوب الاعتقاد على أن الله تعالى هو الذي أنزل الكتب السماوية على الأنبياء وأن هذه الكتب يصدق بعضها بعضا.
- الحكم الثاني: وجوب اليقين بالخلق والايجاد وعلم الغيب في السماوات والأرض أدلة قاطعة على ألوهية الله وحده
- الحكم الثالث: وجوب نفي ما أختص به الله من الخلق وعلم الغيب عن اتصاف أي مخلوق بها.