2025-02-04 1:45 ص
إدارة الموقع
2025-02-04 1:45 ص
حضارة وتاريخصفحات من التاريخ والحضارة

الأزمة الدستورية في الحضارة اﻹسلامية

إن أحد المسببات للـ الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية مال عدد من الفقهاء إلى القول بأن غير أهل الكتاب يجوز قتالهم وإلى حرمانهم حتى من الحقوق ورفض مسالمتهم مقابل أخذ الجزية منهم كما جرى عليه الأمر قديما مع أهل الكتاب رغم مناقضة ذلك لفعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي صح عنه أنه سالم المجوس وأخذ الجزية منهم، وقد استن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بهذه السنة في خلافته حالما علم بها، حيث لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر

الأزمة الدستورية في الحضارة اﻹسلامية

إن أهم نص فقهي مؤسس للتمييز والتضييق على غير المسلمين فيه حقوقهم الدينية والسياسية هو ما دعاه الفقهاء الشروط العمرية وهي سبعة وثلاثون شرطا، حيث ادعى مدعون أن عمر بن الخطاب فرضها على المدن ذات الساكنة المسيحية بالشام وأنه أخذ اﻹقرار على أهل تللك المدن بالخضوع لها ونحن نقتبس هنا نص هذه الشروط كاملا (مع إضافة الترقيم إلى النص اﻷصلي ) ثم نبدي ملاحظاتنا بشأنها

عن عبد الرحمن بن غنم قال :كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا:

  1. أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلابة ولا صومعة راهب
  2. ولا نجدد ما خرب منها.
  3. ولا نحيي ما كان منها في خطط المسلمين.
  4. وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار.
  5. وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل.
  6. وأن ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاثة أيام ونطعمهم.
  7. وأن لا نؤمن في كنائسنا ولا منازلنا جاسوسا.
  8. ولا نكتم غشا للمسلمين.
  9. ولا نعلم أولادنا القرآن.
  10. ولا نظهر شركا.
  11. ولا ندعو إليه أحدا.
  12. ولا نمنع أحدا من ذوي قرابتنا الدخول في اﻹسلام إن أراده.
  13. وأن نوقر المسلمين.
  14. وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا جلوسا.
  15. ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر.
  16. ولا نتكلم بكلامهم.
  17. ولا نتكنى بكناهم.
  18. ولا نركب السروج.
  19. ولا نتقلد السيوف.
  20. ولا نتخذ شيئا من السلاح.
  21. ولا نحمله معنا.
  22. ولا ننقش خواتمنا بالعربية.
  23. ولا نبيع الخمور.
  24. وأن نجز مقادم رؤوسنا.
  25. وأن نلتزم زينا حيث كنا.
  26. وأن نشد الزنانير على أوساطنا.
  27. وأن لا نظهر صلبنا وكتبنا في شيء من طريق المسلمين ولا أسواقهم.
  28. وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا.
  29. وأن لا نضرب بناقوس في كنائسنا بين حضرة المسلمين.
  30. وأن لا نخرج سعانينا ولا باعونا.
  31. ولا نرفع أصواتنا مع أمواتنا.
  32. ولا نظهر النيران معهم في شيء من طريق المسلمين.
  33. ولا نجاوزهم موتنا.
  34. ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين.
  35. وأن نرشد المسلمين.
  36. ولا نطلع عليهم في منازلهم.
  37. ولا نضرب أحدا من المسلمين.

شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا منهم اﻷمان فإذا نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم فضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم ما يحل لكم من أهل المعاندة والشقاوة.

لم يلتزم الحكام المسلمون بحرفية هذه الوثيقة تاريخيا ولكن الوثيقة تحكمت في العقل الفقهي على مدى القرون حتى أن ابن القيم خصص لشرحها عشرات الفصول من كتابه الموسوعي أحكام أهل الذمة، فلننظر الآن في قيمة هذه الوثيقة من الناحيتين التاريخية والتشريعية: ونكتفي بملاحظتين تجنبا للإطناب

 قيمة هذه الوثيقة

  1. الملاحظة اﻷولى أن النص ليس صحيح النسبة إلى عمر بمعايير أهل الحديث ويكفي ذلك لإسقاط قيمته التاريخية والتشريعية إذ من رواة هذا اﻷثر يحيى بن عقبة وهو رجل اتهمه جهابذة الجرح والتعديل بالكذب وردوا روايته، قال الشيخ ناصر الدين اﻷلباني في حكمه على هذا اﻷثر: إسناده ضعيف جدا من أجل يحيى بن عقبة فقد قال (فيه) ابن معين: ليس بشيء وفي رواية: كذاب خبيث عدو الله، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: يفتعل الحديث ولو أننا استخدمنا و سائل النقد الداخلي للنص لوجدنا ضعفه أظهر، إذ كيف يمنع عمر أهل الكتاب من تعليم أولادهم القرآن؟ (الشرط التاسع) أو من استخدام اللغة العربية (الشرط الثاني والعشرون) وهو حامل رسالة يسعى لنشرها في العالمين.
  2. والملاحظة الثانية هي أن ايا من القيود والشروط الواردة في الوثيقة لم يرد في آية قرآنية أو في حديث نبوي ولا ظهر له أثر في العصر النبوي وهو العصر التأسيسي من الناحية التشريعية بل عندنا من نص المعاهدة مع مسيحي نجران ما ينقض نسبة هذه المضايقات إلى العصر النبوي وذلك في رواية ابن سعد السابقة التي ورد فيها: ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا شيء مما كانوا عليه ما نصحوا واصلحوا

وهكذا يتبين من حكم أهل الحديث على هذه الوثيقة ومن مضامين الوثيقة ذاتها أن الفقه السياسي الذي ساد في هذه المسألة ليس واطئ السقف فقط وإنما هو هش اﻷساس التأصيلي ابتداء فمن الواضح عند التدقيق أن ما دعي شروطا عمرية ليست عمرية ولا نبوية ولا علاقة لها بنصوص الوحي اﻹسلامي وإنما هي إضافات فقهية في عصور لا حقة أملاها منطق إمبراطوريات وقوانين طوارئ جرت إليها حالة الحرب الدائمة وتداولها الفقهاء والحكام جيلا بعد جيل بلا تحقيق أو تدقيق، ثم غذاها التعصب فيما بعد فأحالها تشريعا مقدسا مع أن الشريعة منها براء

وقد اعترف ابن القيم ضمنا بضعف اﻷساس التاريخي والتشريعي لمضمون هذه الوثيقة التي دافع عنها كثيرا وتكلف في إعطائها قيمة لا تستحقها فهو يقول مثلا في فرض زي خاص على أهل الكتاب يميزهم عن المسلمين: وأما الغيار (المغايرة والتميز في اللباس) فلم يلزموا به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما اتبع فيه أمر عمر رضي الله عنه

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى