الفرق بين الذنب والسيئة

ما هو الفرق بين الذنب والسيئة؟ وكيف يكفر الإنسان عنهم؟ وهل الذنوب تمنع قبول الأعمال الصالحة أم ليس لها علاقة؟
الفرق بين الذنب والسيئة
الفرق بين الذنب والسيئة موجود في التعريف وهو مايلي:
الذنب: هي المعصية التي يعملها العبد في حق الله.
السيئة: هي الأمر الذي يخالف به العبد منهاج الله مع عباده.
- عن أنس رضي الله عنه قال، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر رضي الله عنه: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة؟ فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي قال الله: أعط أخاك مظلمته قال يا رب لم يبق من حسناتي شيء قال يا رب يحمل عني من أوزاري وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال إن ذلك اليوم العظيم يوم يحتاج الناس إلى أن يتحمل عنهم من أوزارهم فقال الله للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة و قصور من ذهب مكللة باللؤلؤ. لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟ قال هذا لمن اعطى الثمن قال يا رب ومن يملك ثمنه؟ قال: أنت قال: وبماذا قال: بعفوك عن أخيك قال: يا رب قد عفوت عنه قال: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة) رواه أبو يعلى والحاكم وصححه ابن كثير والسيوطي
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: المفلس من أمتي. من يأتي بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه مسلم.
الطريق إلى تكفير الذنوب في الدنيا
سبيل تكفير الذنوب في هذه الدنيا، يكون بالتوبة النصوح والاستغفار.
- كما في قول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ الشورى/25.
- وكما في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ آل عمران/135 – 136.
- وكما في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا الفرقان/68–71.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:” قد دلت نصوص الكتاب والسنة: على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب: أحدها: التوبة وهذا متفق عليه بين المسلمين…
السبب الثاني: الاستغفار كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا أذنب عبد ذنبا فقال: أي رب أذنبت ذنبا فاغفر لي، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي … )، وفي صحيح مسلم عنه أنه قال: ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم )… ” انتهى من”مجموع الفتاوى”(7 /487-488).
وكذا تزول الذنوب بالإكثار من الحسنات.
كما ورد في قول الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ هود/114.
قال الطبري رحمه الله تعالى: ” وقوله: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) ، يقول تعالى ذكره: إنّ الإنابة إلى طاعة الله والعمل بما يرضيه، تذهب آثام معصية الله، وتكفّر الذنوب ” انتهى من”تفسير الطبري”(12/611).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: ” وقوله: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) يقول: إن فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة ” انتهى. “تفسير ابن كثير” (4/355).
وكما في حديث أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ رواه الترمذي (1987)، وقال: ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”.
فبعض الأعمال الصالحة الخالصة قد تكفر الذنوب المتقدمة، كقيام رمضان وليلة القدر إيمانا واحتسابا.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ رواه البخاري(2009)، ومسلم(759).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ رواه البخاري (35)، ومسلم(760).
ومن الحسنات ما يكفر ذنوب وقت محدد، كالجمعة والصلوات الخمس، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ رواه مسلم (233).
وتزول الذنوب أيضا بالصبر على المصائب والهموم والرضا بقدر الله تعالى.
مثل ما ورد في حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: “دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟
قَالَ: أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ .
قُلْتُ: ذَلِكَ بأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟
قَالَ: أَجَلْ، ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا رواه البخاري (5648)، ومسلم (2571).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” فلأهل الذنوب ثلاثة أنهار عظام يتطهرون بها في الدنيا، فإن لم تف بطهرهم طهروا في نهر الجحيم يوم القيامة: نهر التوبة النصوح، ونهر الحسنات المستغرقة للأوزار المحيطة بها، ونهر المصائب العظيمة المكفرة، فإذا أراد الله بعبده خيرا أدخله أحد هذه الأنهار الثلاثة، فورد القيامة طيبا طاهرا، فلم يحتج إلى التطهير الرابع ” انتهى من “مدارج السالكين”(1/796).
ثالثا:
هل يشترط لقبول الأعمال الصالحة اجتناب جميع المعاصي؟
عند أهل السنة والجماعة لا يشترط لقبول الأعمال الصالحة أن يكون فاعلها مجتنبا لجميع الذنوب والمعاصي، وإنما لكل عمل شروط قبوله، فالواجب على المسلم أن يعلمها ويجتهد في تحقيقها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ” تنازع الناس في قوله تعالى: ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )، فعلى قول الخوارج والمعتزلة لا تقبل حسنة إلا ممن اتقاه مطلقا فلم يأت كبيرة، وعند المرجئة إنما يتقبل ممن اتقى الشرك فجعلوا أهل الكبائر داخلين في اسم ” المتقين “.
وعند أهل السنة والجماعة يتقبل العمل ممن اتقى الله فيه فعمله خالصا لله موافقا لأمر الله، فمن اتقاه في عمل تقبله منه، وإن كان عاصيا في غيره. ومن لم يتقه فيه لم يتقبله منه وإن كان مطيعا في غيره ” انتهى من “مجموع الفتاوى”(10 /322–323).
مع التنبه أن من شروط قبول بعض الأعمال ترك ذنوب مخصوصة، كالصلاة اشترط لها اجتناب الخمر، والصدقة اشترط لها اجتناب المنّ والأذى، والدعاء اشترط له ترك أكل الحرام، ونحو هذا.
والله أعلم.