نِعم الله على الإنسان وموقفه منها

إنّ الله تبارك وتعالى خلق الإنسان، والحيوان والنَّبات، وخلق الجانَّ والملائكة، وخلق كلَّ العوالم، وأنعم على مخلوقاته بـ نِعم لا تُعدّ ولا تُحصى، حيثُ قال في مُحكَم التنزيل: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) سورة النَّحل، 18. وقال في آية أُخرى: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِ*نسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) سورة إبراهيم، 34. ففي تلكما الآيتين دعوةٌ من الله سُبحانه وتعالى للعبدِ أن يتفكّر في نِعم الله تعالى عليه، ويتذكرها ولا ينساها، ويؤدي حقّ شكر الله تعالى على هذه النِّعَم، قولاً وفعلاً وحالاً واستشعارًا، قال سُبحانه وتعالى مُحذرًا من نسيان النِّعَم وكفرانها وإنكارها: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)سورة البقرة، 152.
أولاً: مفهوم نِعم الله
هي كل ما يحقق السعادة للإنسان في الدنيا والأخرة وهي ميزة ميز الله بها الإنسان على غيره من المخلوقات بصورة عامة وزوده بأدوات التكليف وفضّله على كثير مما خلق بالتكليف الالهي (1) له قال تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا}[الإسراء:70] وقال تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}[الأحزاب:72]
ثانياً: مظاهر تكريم وتفضيل الله للإنسان بسبب انتمائه للإنسانية
(مذكورة هذه المظاهر في ورقه مستقلة من 1الى 16 ) .
ثالثاً: أقسام نِعم الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام
- القسم الاول: نِعم في الدنيا الأمثلة :( الرزق – متع الحياة – الصحة الجسدية والصحة النفسية والعقلية ……..).
- القسم الثاني: نِعم اجرها في الآخرة الامثلـة :( الايمان والاسلام والعبادات الشعائرية والاخلاق الفاضلة ) .
- القسم الثالث: نِعم الدنيا والآخرة وهي العبادات الوظيفية المتضمنة وظيفة الإنسان في هذه الحياة وقد رتب الله ثوبها في الدنيا والاخرة، قال تعالى {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:134] .
رابعاً : موقف الإنسان من نعم الله عليه ولها ثلاثة أصناف
- الصنف الاول: هو الذي يستفيد من نعم الله في الدنيا فقط وهذا النوع قد يتمتع بها في الدنيا فقط ولايكن له في الاخرة نصيب قال تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَق}[البقرة:200]
- الصنف الثاني: الذين يركزون على نعمة الإيمان و العبادة الشعائرية والأخلاق فقط ويكون تدينهم منقوصا واستفادتهم من بعض نعم الله وليس لهم تأثير في الواقع قال تعالى {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب}[الأنفال:25] قصة العبد الصالح الذي عذبه الله في الدنيا لأنه كان لا يغضب لله قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( اوحى الله الى ملك من الملائكة ان اقلب مدينة كذا وكذا على اهلها . قال ان فيها عبدك فلاناً لم يعصيك طرفة عين ؟! قال أقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر لي ساعة قط ) .رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان (ضعيف)، وقال الرسول صلى الله علي وسلم (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه ) صححه محققو المسند .
- الصنف الثالث: هم الذين يستفيدون من جميع نعم الله في الدنيا والآخرة، وهم الذين توجه بتوجيه القرآن قال تعالى {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار}{أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب} [البقرة:201-202] وقال تعال {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد}[إبراهيم:7]
رابعا: شكر نِعم الله تتمثل بالآتي
- شكراً قلبياً بالاعتراف بأنها من عند الله وتعظيم المنعم ودعائه بالمزيد وأن مانحها هو الله وحده وقد أودعها الله عند خلقه يأخذها بعضهم من بعض من خلال الأسباب .
- شكراً قولياً بأن يشكر الله باللسان .
- شكراً عملياً بتسخيرها في الطاعة مانحها وهو الله والانتفاع بها لذاته وأسرته ومجتمعه وفقاً لمنهج الله.
خامساً: أسباب استجلاب النعم واستمراريتها وأسباب سلبها
أسباب إستجلاب النعم وهي :
- إرادة الانتفاع بها انتفاعاً مشروعاً لذات الانسان وأسرته ومجتمعه
- الاعتقاد أن منح النعم من الله للإنسان ليبتليه قال تعالى { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون}[الأنبياء:35] .
- اتخاذ الأسباب المشروعة للوصول إلى النعم، وهي:
- العمل المشروع بالجهد
- البيع والشراء
- القيام بمشاريع تنموية : التجارة والصناعة والزراعة والتنقيب على المعادن…الخ
- القيام بمشاريع فكرية : علمية وثقافية واعلامياً
- القيام بمشاريع خدمية : الصحة والتكنولوجيا …الخ
أسباب سلب النعم، وهي:
- الاعتقاد بان سبب منح النعم من الله للعبد هو مظهر من مظاهر تكريم الله له قال تعالى {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن}[الفجر:15] وقال تعالى {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا}[الكهف:32].
- الاعتقاد بأن حصول الإنسان على النعم بسبب من عنده قال تعالى {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِين}[القصص:76] .
- الشعور بالاستغناء عن الله قال تعالى {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى}[العلق:6] {أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}[العلق:7].
- تسببت النية بحرمان من يستحق العطاء من نعم الله قال تعالى {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِين}[القلم:17] قصة اصحاب الجنة .
- إذا غيرت إرادة استجلاب النعم قال تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم}[الأنفال:53].وهذه الآية تقرر عدل الله في معاملة العباد فلا يسلبهم نعمة وهبهم اياها الا بعد أن يغيروا نواياهم وسلوكهم ويقلبون اوضاعهم .
سادساً: قوانين إلاهيه تتعلق بالنعم
- أن الله يجعل التغيير القدري في حياة الناس مبني على التغيير الواقعي في قلوبهم ونواياهم وسلوكهم وأعمالهم وأوضاعهم التي يختارونها لأنفسهم قال تعالى {..إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَال}[الرعد:11]
- أن الله يحقق التلازم بين الدافع للعمل والعمل نفسه وبين الجزاء على الدافع والعمل في نشاط الإنسان وحياته .
- أن عدل الله المطلق في جعل هذا التلازم سنة من سننه يجري بها قدره .
ما هي الدوافع التي استحق بها الفرد او الجماعة او الامه النعم التي أنعم الله بها عليهم وماهي النوايا التي سببت انتزاع النعم وسلبها ؟
م | دوافع استحقاق النعم | دوافع سلب النعم |
1 | الانتفاع بها له ولغيره | حرمان الغير من النعم ( اصحاب الجنة ) |
2 | جعلها طريق من طرق الرزق الحلال | الإغترار بها (قصة صاحب الجنتين ) |
3 | التورع بنعم الله | البغي وانكار فضل النعم (قارون) |
4 | المشاركة في بنا الحياة ونفع الناس | الانانية والنصب والاحتيال (فشل بعض المؤسسات) |
5 | قيادة المجتمع قيادة راشدة( تمكن المجتمع) | تحقيق المصالح الشخصية او الحزبية (التمكن من المجتمع) (كثير من قيادة الاحزاب ) |
6 | رعاية مصالح المجتمع وافراده | التسلط على الناس وابتزازهم (الشخصيات المتنفذة ) |
7 | المشاركة في النهضة التعليمية | تحويل المؤسسات الى جبايات (كثير من مسؤولي التعليم ) |
سابعاً: العودة لاستجلاب النعم المسلوبة من جديد فلا بد من اتخاذ الاتي :-
- تغيير الإرادة السلبية إلى إرادة إيجابية قال تعالى { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَال}[الرعد:11] وما هي الإرادات السلبية التي نغيرها الى أرادات إيجابية .
- الإرادات التي تمكنت فينا وسببت سلب النعم التي أنعم الله بها نحولها إلى أسباب استجلاب النعم .
- أن تكون دوافعنا دوافع إيمانية ذاتية مجردة من الدوافع الخارجية قال تعالى {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين}[آل عمران:133] .