الأمانة .. أمان

حين تستقيم الفطرة وتسلم من اتباع الهوى تتمثل في صاحبها بخلق الأمانة، وفي تفسير قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب:72].
يقول القرطبي : ( والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال ) كما يقول في تفسير قوله تعالى :( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون :8]
والأمانة والعهد: يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولا وفعلاً ، وهذا يعم معاشرة الناس ، والمواعيد، وغير ذلك, وغاية ذلك حفظه والقيام به ) .
أولا: مفهوم الأمانة
- معنى الأمانة لغة: ضد الخيانة، وأصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف
- معنى الأمانة اصطلاحاً: هي كل حق أداؤه وحفظه.
ثانيا: أهميتها
فهي قيمة عليا من القيم الإنسانية وخلق رفيع من الأخلاق الكريمة التي يتحلى بها المؤمنون وتتمثل أهميتها بالآتي:
- أن الله تعالى أمر بها قال تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]
- تبرأت منها السموات والأرض قال تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} [الأحزاب:72]
- هي صفة من صفات المؤمنين قال تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون} [المعارج:32] الالتزام بالأمانة من قبل موسى كان ذلك سبب لحل مشكلته قال تعال {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير} [القصص:23] ………. {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يا أبت اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين} [القصص:26]
- إنها من صفات الأنبياء قال تعالى {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِين} [الشعراء:107]، وعن عبد الله بن عباس رضى الله عنه قال أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له سالتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه يأمر بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال وهذه صفات نبي
- وأن الخيانة من علامات النفاق قال الرسول صل الله عليه وسلم (أية المنافق ثلاث إذا حدث كذب واذا وعد أخلف واذا اؤتمن خان) رواه البخاري ومسلم، وإضاعتها من علامات الساعة قال الرسول (ص) (…فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف أضاعتها قال إذا أسدا الأمر الى غير أهله فانتظر الساعة) صحيح البخاري.
ثالثا: أقسام الأمانة
- القسم الأول: أمانة العقيدة والإيمان والعبادة الاختيارية قال تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} [الأحزاب:72]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له) رواه احمد
- القسم الثاني: أمانة العمل بأن يؤديه بإتقان ويحفظ أسرار المهنة قال تعالى {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يا أبت اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين} [القصص:26]
- القسم الثالث: أمانة النصيحة قال تعالى {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيم} {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِين} [الدخان:18]
- القسم الرابع: الأمانة في الحكم قال تعالى {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِين} [يوسف:54]
- القسم الخامس: أمانة القلب والأعضاء قال تعالى {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور} [غافر:19]
- القسم السادس: أمانة الحقوق الإنسانية مادية أو معنوية قال تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]
وتتمثل هذه الحقوق بالمجالات الآتية: –
- المجال الأول: مجال حفظ الأنفس قال تعالى {قَالُواْ يَاأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُون} [يوسف:11]
- المجال الثاني: مجال حفظ الأموال قال تعالى {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِين} [النمل:39]
- المجال الثالث: إسناد الأمر إلى أهله وإذا أسند إلى غير أهله فيعتبر خيانة قال رسول (ص) عندما سئل عن الساعة قال (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال وكيف إضاعتها قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) رواه البخاري
- المجال الرابع: أمانة حفظ الأسرار والأعراض الزوجية وغيرها، قال عليه الصلاة والسلام (إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي الى امرأته وتفضي إليهم ثم ينشر سرها) رواه مسلم، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (إ ذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.
- المجال الخامس: المسؤوليات والمناصب العامة والخاصة فهي أمانة يجب القيام بها بالحق والعدل في منصب الحكم أمانة ومسؤولية الأسرة أمانة ومنصب المدير أمانة ومنصب القضاء أمانة وهكذا كل المسؤوليات والمناصب، قال رسول صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير على الناس راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤول عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) متفق عليه.
- المجال السادس: أمانة العلم قال الرسول صلى الله عليه وسلم (نظر الله عبداً سمع مقالتي فروعها فبلغها من لم يسمعها فربا حامل فقهً الى من هو أفقه منه وربا حامل فقه لا فقه لهو ثلاث لا يغل عليهن قلب المومن إخلاص العمل لله والنصيحة لأولات الأمر ولزوم الجماعة فان دعوتهم تكون من ورائهم) أخرجة الألباني في صحيح الترمذي.
رابعاً: الآثار الإيجابية لترسيخ الأمانة لدى الأفراد والمجتمع
- من اتصف بها فقد اتصف بصفة من صفات الإيمان قال تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون} [المعارج:32]
- يكسب محبة الناس له وتميزه بالأمانة، الرسول كان يلقب في مكة قبل أن يكلف بحمل الرسالة بالصادق الأمين وكان محبوبا لدى جميع قبائل قريش
- يؤدي الالتزام بالأمانة الى تماسك المجتمع، فالرسول عليه الصلاة والسلام بصدقه وأمانته حل المشكلة التي بين قبائل قريش فالتأم شملهم
- انتشار المحبة بين أفراد المجتمع، لأن الأمانة إذا ترسخت بين أفراد المجتمع أمن كل واحد على نفسه فانتشر الحب بينهم
- هيبة الأمانة وعلو مكانتها بين الأمم.